إننا بحاجة إلى النظر إلى مناهجنا العلمية والتعليمية وبرامجنا الإعلامية .. لنسأل أنفسنا .. ماذا تقدّم لنا هذه الروافد العلمية والثقافية من أدوات تجعلنا نواجه التحدّيات التي تحيط بنا؟ كتبت الأسبوع الماضي عما يواجه شباب الأمة وفتياتها من تحديات ثقافية وفكرية وعقدية وأخطار وفتن أخلاقية تحيط بهم من كل جانب. وعن حاجة هؤلاء الشباب إلى من يمد يد العون له ليأخذه برفق إلى شاطئ النجاة، وحمايته من الغرق في هذا البحر المتلاطم المليء بتيارات الفتن والشهوات وأمواج الفساد. وأتابع اليوم حديثي مسلّطة الضوء على أهمّية أن نرقى بشبابنا ونمدهم بالأدوات اللازمة لمواجهة تحديات عصرهم . بدءا من الاهتمام بالعلم ومناهجه التي يجب أن تبنى على هدف بناء العقول لا حشو الأذهان والحديث عن ذلك كتبنا عنه الكثير والكثير من المقالات . ومرورا بالاهتمام بتعلّم علم إدارة الأزمات .. والتعامل مع المشكلات في حياتنا. لأن الجهل بالتعامل مع الأزمة أو الإدارة السيئة لها يتسبّبان في المزيد من انحدار الموقف إلى ما هو أسوأ. فالأزمة لحظة مربكة حرجة وحاسمة يتعلّق بها مصير الكيان أو النظام أو الإنسان الذي تصيبه لأنها تمثّل صعوبة حادة أمام الشخص لاتخاذ القرار تجعله في حيرة بالغة. لأنها تعدّ تحدياً له وهذا علم جدير بالتعلّم .. لأنه علم المستقبل الذي يهدف إلى التكيّف مع المتغيّرات وتحريك الثوابت وقوى الفعل المختلفة. ثم يقف الأمر عند المحاولات الجادة لكسر قيود التخلف والعجز .. وذلك عن طريق فهم جديد لفكرة الجهاد. فقد شاع دوما فهم قاصر محدود الأفق حول الجهاد بأنه حرب الكفّار فقط، لكن الصحيح أن للجهاد مفهوما واسعا في الدين نحتاج لأن نعرفه ونفهمه ونهتم بتطبيقه . فالجهاد في الإسلام نوعان: نوع يتعلّق بالعلم وإعمال العقل والاستدلال بالحجج والبراهين والأدلّة العقلية والعلمية الدامغة . ونوع آخر يتعلّق بالجهد في ميادين العمل. وكلا النوعين مطلوب لإعلاء كلمة الله. فأما الجهاد بالعلم وإعمال العقل فهو الجهاد الكبير بتعبير القرآن [ولو شئنا لبعثنا من كل قرية نذيرا، فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً]. وهو جهاد يقوم على إثبات أصول الدين وتعاليمه بالأدلة العقلية والعلمية الحديثة في ضوء القرآن الكريم وقد أمر الله جلّ وعلا نبيّه العظيم صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يجاهدوا الكفار ومنكري الحق ، بالقرآن الكريم، الذي فيه من الحقائق والأدلة العلمية ما يصلح لأن يكون حجة قويّة دامغة في كل عصر. وما نعيشه اليوم من حقائق علمية وكونية تنكشف بالاكتشافات الحديثة خير دليل ، لذا نحن بحاجة إلى تعلّم العلوم واكتساب مهارات الكلام وبسط الحجج والبراهين ، وبحاجة إلى علوم المناظرة وعلوم الكلام .. وفنون الحوار والجدال بالتي هي أحسن فلذلك تأثير كبير في محاجة الكفار والجاحدين لله في عصرنا هذا. وأما الجهاد العملي فهو ذلك الجهد المتواصل في مجال الميادين المختلفة التي تساعد الإسلام والمجتمعات الإسلامية على إقامة صرح التقدّم والريادة والقدرة على التغلّب على الأمم والأديان كلها لتكون كلمة الله هي العليا. ولا يمكن لهذا النوع من الجهاد أن يتحقّق .. ويقدّم ثمرة جيدة إلا بالنبوغ والتفوق وتحقيق السبق في مجال العلوم والمعارف والتقنية. والمدهش في هذا النوع من الجهاد العملي أنه يؤهّل إلى الوقوف بقوّة في حالة المواجهة العسكرية في ساحات القتال . فهو الجهاد المناسب في حالة الأمن والخوف وفي حالة العسرة والراحة. إننا بحاجة إلى النظر إلى مناهجنا العلمية والتعليمية وبرامجنا الإعلامية .. لنسأل أنفسنا .. ماذا تقدّم لنا هذه الروافد العلمية والثقافية من أدوات تجعلنا نواجه التحدّيات التي تحيط بنا؟ فلعلّ البحث عن إجابة هذا السؤال يكون منطلقا لتصحيح المسار