قصة لا تختلف في مشاهدها عن لقطات السيناريو . البطل فيها المواطن جديع العمري الذي كان ينوي الذهاب بأسرته المكونة من 7 أفراد في رحلة على ربوع مدينة الطائف الحالمة فجاءه سيل الاربعاء ليبدل ملامح الرحلة وكان الجديع قد خرج مسرعا ليتفقد الباص الذي يقتات منه فلم يجده حيث اوقفه امام باب بيته ، بحث عنه ، وفي لحظة استذكر ان اسرته الصغيرة في خطر «داهم» عاد ادراجه مسرعا فوجد اسرته محاصرة بين مياه السيل ، شمر ثوبه المبلل ودخل في خضم المياه المشبعة بالطين ، لم يتمالك نفسه وهو يرى فلدة اكباده يتلاعب بهم السيل داخل الغرف المحاصرة .. يقول المواطن جديع كنت ادخل الى البيت واحمل اثنين على ظهري واصعد بهم في لمح البصر الى السطح ، وانزل بسرعة للاخرين واحمل اثنين إلى ان صعدنا جميعا ، وكأن بداخلي رجلا قويا لم اكن اعرف من هو ، لم يظهر إلا بعد أن لامست خط الخوف وفقد اولادي وزوجتي المسكينة. واضاف .. وانا اشاهد منظر مئات السيارات التي كانت تمر من تحتنا وسط مياه السيل ، فإذا بسيارتي الباص اشاهدها بأم عيني تتخبط بين العمائر ، حاولت ان الحق بها الا ان صرخات ابنائي استوقفتني ، ووقتها استعوضت بها الله الذي لا تضيع ودائعه . وبعد ان هدأت امواج السيل العارم ، توجهت الى البحث عن الباص ، وقضيت عدد من الساعات ابحث بين ركام السيارات التي كانت مشاهدها تدمي القلب ، ولم اجد الباص الا بعد ان مسحت عنه الطين الذي كان يغطيه بالكامل ، ولكن وجدت الباص في حالة يرثى لها ، لقد تدمر الباص وفقدت مصدر رزقي الوحيد الذي أطعم به ابنائي واتكسب به المال الحلال. لقد بكيت دموع حارة على هذا الباص الذي اشتريته بتحويشة العمر ، فلم ابك في حياتي على شيء مثل ما بكيت على الباص ، ولكن المصيبة هانت عندما شاهدت جثث المواطنين والمقيمين تسبح بجوار الباص ، ووقتها حمدت الله على قضائه وقدره ، واحتسبت ذلك عند الله سبحانه وتعالى. والآن أنا وأسرتي دون أي مصدر للرزق ، ودون اكل او شرب ، ودون كهرباء في البيت ، ودون ملابس او ابسط شيء يمكن ان يستر عوراتنا ، حتى الاعانة التي يصرفونها من خلال لجنة الاعاشة دون المستوى المقبول ولا يقبلها أي انسان ، فمن يستطيع ان يسد جوعه القوي بقطعة صغيرة من العيش والماء !! حتى بطاقة الصراف الوحيدة التي املكها والتي كنت انوي ان استخرج بها مبلغ 500 ريال الوحيدة التي كانت في رصيدي البنكي ضاعت بين المياه والطين !! واللجنة التي من المفترض ان تأتي الينا اصبحنا نطاردها في الشوارع في مشهد لم نكن نتصوره او نتوقعه في يوم من الايام . وهنا وبعد أن هدأت الكارثة ونحن الضعفاء من يتجرع مرارة المأساة .. من يستطيع ان يخفف عنا هذا الآلم وهذه المصيبة .