إن من يتابع تأريخ هذه الفتنة المتمثلة في هؤلاء الحوثيين ليلفت نظره أول ما يلفت أن هذه النسبة توحي بالتجرد من القيم والوطنية ، والانتماء إلى القبيلة يشعر بالتمرد على السلطة ، والتملص من المسؤوليات الشرعية والاجتماعية ، ويدل دلالة أكيدة على أن أولئك لا يريدون بفعلهم وفتنتهم إلا الفوضى والفساد وزعزعة الأمن ، لأن من يرتكب أمراً من الأمور يجد أنه في ظل وجود الانتماء ولو في أدنى صورة ، وفي ظل وجود النزعة القبلية والاجتماعية يواجه ضغوطاً كبيرة لا يتمكن من المواجهة في ظلها إلا إذا كان ثمة مبرر يخرج به عما هم عليه ، ولذا يعجب المرء أنه حتى في ظل قيام الفتنة في الإطار الداخلي أنهم لا يحملون أجندة يريدون تحقيقها ولا هدفاً يرومون الوصول إليه إلا الفتنة : ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ )، ولذا وجد فيهم أرباب الفتنة والضلال من دول وجماعات موئلاً ثابتاً ، ومأزراً يتخذونه ذريعة لهم للوصول إلى مآربهم ، فالدول التي لها أهداف في المنطقة احتضنتهم منذ البداية ، ورعتهم بل ودافعت عنهم بكل ما أوتيت ، رغم أنه قد يستغرب هذا التواصل المشؤوم عندما يستحضر البعد الأيدلوجي ، لكنه غير مستغرب إذا اتفقت الأهداف السياسية التي يراد منها نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة ، وخدمة الأعداء عموماً بمثل هذه الحركات التي تستنزف قوى المنطقة ، وتقودها إلى الانقسام وتنظيم القاعدة الذي حمل لواء الإرهاب في المنطقة ، وعانت البلدان عموماً وهذا الوطن الآمن من فتنتهم ، وكونوا خلاياهم في الداخل والخارج ، وصارت تلك الخلايا مصدر إزعاج وفتنة ، فما يمر زمن إلا وتبتلي البلاد بشيء من ذلك ، وتستنزف الجهود في مواجهتهم نجد أن صلته بهؤلاء الحوثيين لا تخفى ، ولم تقتصر هذه العلاقة على الدعم المادي فحسب بل شمل التأييد والمؤازرة بل والتجنيد والتجييش لكل من رام بلده بسوء ، ولذا فلا غرابة إن كانت مرابع الحوثيين مقصداً للفارين من بلادهم ، الذين عادوا وطنهم وأمتهم ومجتمعهم ، وما حصل من تصريحات متزامنة بتقاذف الاتهامات بين الحوثيين والقاعدة ما هي إلا ذر للرماد على العيون ، ومحاولة لصرف الأنظار عن هذه العلاقة الآثمة ، وتوظيف ذلك في تسويق أهداف ، وتبرئة الحوثيين من الإرهاب والفساد ، وإلا فإن الحقيقة هي توزيع للأدوار بين هذين الحليفين اللذين جمعهما فساد الفكر وفساد القول والفعل ، وإذا كانوا يحاولون هذه المحاولة اليائسة فكيف يمكنهم ذلك مع ما قاموا به من أعمال إجرامية في بلادهم ، فقد قتلوا الأطفال والشيوخ ، ووظفوا الأطفال في مثل هذه الأعمال ، وقاموا بأعظم فساد ، وعانى منهم أول ما عانى وطنهم وبلدهم ، ثم حاولوا توسيع دائرة هذا الفساد في المنطقة باستهداف هذا الوطن الغالي ، وفي توقيت يدل على تأصل الشر والفساد في عمل هذه الزمرة الباغية ، في استقبال الحجيج ، وورود المسلمين من كل فج عميق إلى هذه البقاع الطاهرة ليؤدوا مناسكهم ، ويقضوا تفثهم ، ولذا فإن عملهم وفتنتهم جريمة بكل ما يحمله الإجرام من معنى ، بل جرائم متتالية : أعظمها : استهداف بلاد بما حباها الله من ميزات وخصائص ، وخدمة أعداء الدين وأرباب الفتنة بهذه المساهمة الشيطانية ، ومنها : انتهاك حرمة الأشهر الحرم ، التي أخبر الله ببقاء حرمتها إلى قيام الساعة ، قال الله سبحانه : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ )، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )، ومنها : تجنيد وتجييش من يرونهم يخدمونهم في هذا الهدف من الجماعات والأفكار المنحرفة ، ومنها توظيف الأطفال والنساء والشيوخ في هذه المواجهة ، والتترس بهم ، ومنها التأثير على موسم الحج بمثل هذه الأعمال الغوغائية ، واستنزاف جهود المسلمين ممن يزعمون الإسلام ، ومع عظم الابتلاء ، وفداحة هذا الجرم إلا أننا واثقون بوعد الله ، مطمئنون بحفظ الله لهذه البلاد المباركة ، مغتبطون مستبشرون بما قام به رجال أمننا البواسل ، وقواتنا المسلحة المباركة ، التي أثبتت بما يقطع الطريق على كل مفسد ومبطل أنها قادرة – بعون الله وتأييده – على ردع المعتدين المجرمين ، وذلك بتوفيق الله لها ، ثم بما خصها به ولاة أمرنا الأوفياء ، وقيادتنا الحكيمة من إعداد وتهيئة ، ورعاية وعناية ، وتذليل لكل العقبات ، وتطوير للطاقات والقدرات حتى أصبحت هذه القوات في أعلى درجات الجاهزية والاستعداد ، والقدرة على المباغتة والمفاجأة بما تلقوه وعاشوه ، وبما يحملونه من بعد إيماني عقدي ، يرون فيه أن الدفاع عن أرض الحرمين ، ووطن الإسلام المملكة العربية السعودية رباط في سبيل الله ، وجهاد لإعلاء كلمة الله ، وحماية لأمن المسلمين وحرماتهم ، وبما يحملونه من بعد وطني يحملهم عليه محبتهم لهذا الوطن العزيز الذي تهون دونه كل التضحيات ، فالحمد لله الذي هيأهم لهذه المهمة المقدسة ، والحمد لله على تلك الروح العالية والمعنوية المرتفعة التي هي من أعظم مقومات النصر الذي تحقق بما أعلنه ولاة أمرنا من إحكام السيطرة على البلاد وردع هؤلاء المعتدين ، وإن حقاً على كل مواطن شرف بالانتماء إلى هذا الوطن ، بل كل مسلم أن يدرك عظم هذه الفتنة ، وخطورة هذا الاستهداف ، وجرائم أولئك المتسللين ، وأن ينظر في مقابل هذه المحنة إلى ما أنعم الله به علينا ، وما هيأ له ولاة أمرنا وما حفظ الله به بلادنا فيحمد الله سبحانه ويشكره على هذه النعم المتوالية ، والآلاء المتتابعة ثم يلهج بالثناء والدعاء لولاة أمرنا وعلى رأسهم ملك الحكمة والسداد والإنسانية المليك المفدى خادم الحرمين الشريفين – أيده الله بتأييده ، ونصره بنصره ، وأمد في عمره على الطاعة والإيمان ، وكذا عضده الأمين ، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ، وسمو نائبه الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ، جعلهم الله ذخراً وفخراً وعزاً للإسلام ، ونصر بهم الدين وأهله ، ثم التقدير والإجلال لرجال أمننا وحراس وطننا البواسل ، نسأل الله أن يتقبل من قضى منهم شهيداً ، وأن يخلفه في أهله وولده خيراً ، وأن يبارك في البقية الباقية ، ويجعلهم حماة لدينه ، ذائدين عن بلاد الإسلام والمسلمين . وبعد : فإن هذه الفتنة التي نسأل الله أن يمكن منها ويقضي على أربابها توجب على الجميع تقوى الله سبحانه ، والشعور بتحمل المسؤولية كاملة ، كما أنها درس لبعض أولئك الشباب الذين تورطوا في الفكر المنحرف وأعمال الإرهاب أن يدركوا أنهم أول ما يخدمون أعداء الدين باسم الدين ، والدين من أعمالهم براء ، فليعودوا إلى رشدهم ، ولينظروا إلى ما حصل نظرة اعتبار وتفكر ليكون لهم في ذلك مزدجر ، نسأل الله سبحانه أن يحفظ لهذه البلاد أمنها ورخاءها واستقرارها ، وأن يحفظ ولاة أمرنا من كل سوء ومكروه ، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ،وأن يدفع عن هذه البلاد مكر الماكرين ، وفساد المفسدين ، وعدوان المعتدين إنه سميع مجيب ، والحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..