أنا من أعداء الفلفل والشطة وأي شيء حراق أو يسبب الاحتراق أو ينتج عنه نار ولهيب والتهاب، أراد الله أن يكون عشائي مع ثلة من الأصدقاء عشاء هندي عالي الحرارة- يعني نار-، مزمزت منه قليلا ثم ركزت على أكل الرز لأنه خال من الفلفل دون تناول ال»مساله» أو «دجاج كاري» أو «تندوري» لأن «الإيدام» الهندي من أي طرف تأتيه يكون حارا وحراقا، المهم أعرضت عنه بعد أن أكلت منه قليلا فذكرني هذا العشاء الهندي بعملية الحرارة والاحتراق والشيء عندما يحترق ينتهي والاحتراق أنواع وله درجات فالدرجة القصوى للاحتراق العصبي هو الانهيار وبداياته قد يكون غضب بسيط وقلب متحمل وزعل متكرر ثم يتراكم، والاحتراق النفسي (الداخلي) ويسمى أحيانًا الذاتي له بدايات وقد ينتهي إلى الاشتعال، والاحتراق الجسمي يبدأ التهابًا وينتهي داءً عضالاً لا قدر الله، ويصنف الاحتراق على نوعين، احتراق سريع ومفاجئ واحتراق بطيء ويكون على نار هادئة لا يشعر به الإنسان وهذا النوع يكون منه نوع الاحتراق الداخلي الذي يسري في داخل النفس البشرية ويتهادى بين جنبيها دون أن يشعر به الإنسان إلى أن يتهاوى طريح علل نفسية كثيرة ومن هنا يجب الاهتمام بالنفس ومراعاتها وعدم تحميلها ما لا تطيق تحقيقًا لقوله تعالى (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) وقوله تعالى (لا يكلف الله نفسًا إلا ما أتاها) والنفس أخت الجسم بل توأمه الذي يحس به وكما يكون هناك التهاب للجسم وهو نذير مرض كذلك النفس يحدث لها احتراق وهو نذير مرض، والتراكم الداخلي يسري في النفس كما تسري السيالات العصبية في الجهاز العصبي وقد يكابر صاحبه ويمضي في حرق داخله بالإجهاد العاطفي والعقلي والجسدي بسبب عدم الالتفات للضغط المستمر وحالات القلق والتوتر والاستمرار بهدر الطاقة النفسية ناسيًا قوله تعالى (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) الذي هدرها يسبب الإرهاق النفسي والاحتراق الداخلي الذي من علاماته الشعور بالتعب والعجز وعدم القابلية لإكمال العمل والعطاء وتمتد بالتالي الآثار السلبية له إلى نواح متعددة في الحياة وقد يصل الأمر إلى الأهل والأولاد والعمل مع العلم أن الأمر فيه سعة لإيقاف هذا التراكم السلبي الداخلي على النفس من خلال الإنسان نفسه تحقيقًا لقوله تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرا) ومنح النفس التنوع في التغير وعدم تحميلها ما لا تطيق والاهتمام بها وتنوع عطاءاتها يمنع عنها بإذن الله الوصول إلى درجة الالتهاب الداخلي ولا تلتفت لمن يقول لك كن مثل الشمعة تحترق لتضيء للآخرين فالمبالغة في تحميل النفس الزيادة من الأعباء ممنوع طبيًا ناهيك عن أنه منهي شرعًا حتى في العبادة لأن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام نهى عن إرهاق النفس في العبادة، فكيف بالنسبة للأعمال الحياتية والدنيوية التي تفضي إلى مزيد من عدم الاستقرار النفسي. إن من يصل لمرحلة الاحتراق الداخلي عادة من هم يقتلون أنفسهم بالعمل ولا مكان عندهم لإعطاء النفس حقها من الراحة والتغيير، حتى هم من يعطون الموضوع فوق حقه من الاهتمام كبعض من يبحث أن يكون الأول في كل شيء، أو من يرهق نفسه في الدراسة والمذاكرة، حيث تجد بعض الطلاب والطالبات كما يصفونهم «دوافير» يعني نار مذاكرة، يعني احتراقا داخليا، فهذا آثاره سيئة، أن الاهتمام بالنفس مطلوب والاعتدال في التعامل معها يبعدها عن الوقوع في لهيب الاحتراق الداخلي ويتحقق عنه سلامة النفس كما وضح ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله: «ولنفسك عليك حق».