الصديق الأستاذ يحيى باجنيد الذي كان رئيسًا لتحرير مجلة (اقرأ) نشر مؤخرًا كتابًا جديدًا بعنوان (ومن الحب ما أحيا) ليعكس مضمون المثل السائر (ومن الحب ما قتل). حينما قرأت الكتاب قفز إلى ذهني بعض كتابنا الذين اشتهروا بكتابات مقالات يومية وأسبوعية عن خواطرهم ونظراتهم للحياة والناس من أهمهم: الدكتور هاشم عبده هاشم في عموده بعنوان (اشراق)، الأستاذ عبدالله جفري -رحمه الله- في عموده المعنون ب(ظلال)، الأستاذ عبدالله باجبير الذي كان يكتب في جريدة الشرق الأوسط يوميًا تحت عنوان (قهوة الصباح).. وكانت تدور في الغالب عن الحالة النفسية للكاتب فتثير العواطف وتحرك المشاعر، ويقبل على قراءتها المحبون والعشاق رجالا ونساء. يقول الصديق يحيى باجنيد في مستهل كتابه تحت عنوان (وبعد...): (تعجبني الكلمة «المجنحة» أتأملها كما يتأمل السائح منحوتات «مايكل أنجلو» وموناليزة «دافنشي» وموسيقى «فيفالدي».. صحيح أن أعمال هذا الأخير لا افهمها، ولكنها تحرك فيّ شيئًا ما، تريحني أو تتعبني، تفرحني أو تحزنني، وهي -في كل الأحوال- لا تترك سطح البحر راكدًا ثابتًا كقطعة «صفيح» بل تموج وتنثني وترقص. والكلمة «المجنحة» ليست حكرًا على الحكماء والفلاسفة والشعراء، فكثيرًا ما أتت على لسان إنسان بسيط لا يعرف الألف من الياء، فمن قال إن حروف الهجاء هي وحدها لغة التخاطب؟.. إن أطعم ما في الحياة أن تتذوق لغة الآخرين). لا أستطيع التعبير عن قيمة كتاب الصديق يحيى باجنيد إلا بنقل فقرات منه أعجبتني أكثر من غيرها، ومما قال فيه: (لا أعرف كم هي عدد المرات التي تعثرت فيها في صغري، أو سقطت فيها على وجهي، ولا عدد المسامير الصدئة التي انغرست في قدمي!! ولا عدد الحجارة التي أصابت رأسي أو أخطأته! كنت أعرف أن الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة، قبل هذا الزمان الذي يموت فيه الإنسان كل يوم بكلمة تافهة أطلقها إنسان نسي أن يغلق فمه. في صغري كان هذا الخوف ثقافة وموروثًا شعبيًا، نخاف من أشياء لم نرها قط، ولم نعرفها قط، لأنها ببساطة لم تحدث بعد). بالمناسبة أقول للصديق يحيى باجنيد: إن ثقافة الخوف التي ورثناها شعبيًا نتيجة لإيماننا بالأساطير والخرافات والدجل على أساس أنها معجزات. وعلى العموم، ان الكتاب يضم أيضًا مجموعة من الموضوعات والفقرات الساخرة التي تخفف من توتر أعصابنا التي تلجئنا للبحث عن الترفيه والتسلية، وهو يذكرني بكاتبين ساخرين أحدهما الكاتب السعودي المشهور محمد السحيمي الذي توقف عن الكتابة، أرجو أن يكون ذلك مؤقتًا، والآخر هو الكاتب المصري أحمد رجب -رحمه الله-. ذلك يعني أن قلم الصديق يحيى باجنيد يستمد ثقافته من ثقافة هاشم عبده هاشم وعبدالله جفري ومحمد السحيمي وأحمد رجب وغيرهم من المثقفين الذين قرأ لهم أو خالطهم أو سمع منهم. انه كتاب خفيف يتيح لك الفرصة أن تقرأ منه موضوعًا أو فقرة ثم تتركه، وتعود إليه مرة ثانية دون الحاجة للربط بما قرأته سابقًا ولاحقًا.