* «التنبل» مفردة تركية الأصل دخلت لهجتنا المحلية كمرادف للشخص الكسول الخامل، أو البليد اللامبالي؛ المعتمد على الآخرين في أبسط شؤون حياته.. وللتنابلة عبر التاريخ قصص كثيرة وشهيرة؛ خصوصاً في قصور سلاطين المماليك الذين كانوا يتسلون بحكاياتهم ونوادرهم، ومنها أن أحد السلاطين وبعد أن تضجر من كثرتهم في قصره أمر بإلقائهم في النهر، فحملهم الجنود دون مقاومة تذكر، وفي الطريق أشفق أحد المزارعين عليهم فتدخل لإنقاذهم طالباً استضافتهم بمزرعته، على أن يقوموا فقط بحلب الأبقار؛ وبلّ الخبز بالماء لأكله، وعندما سمع كبير التنابلة هذا الطلب سأل بتعجب: من سيبلل الخبز بالماء؟! فقال المزارع أنتم.. عندها التفت كبير التنابلة للحرس صائحًا: القونا في النهر أفضل!. * في الإدارة لا يختلف (تنابلة المدير) كثيراً، فهم مهرجوا المدير ومنافقوه الذين يختارهم سعادة المدير الفاسد بعناية كي يملأ بهم الشواغر من الوظائف من حوله، ولكي يحتمي بغبائهم وكسلهم عن أعين بقية منسوبي المنظمة، فأهم صفات (تنبل المدير) هي الكسل الممتزج بالبلاهة والعبط، وشيء من اللامسوؤلية واللامبالاة، ليتم اغراقهم بالمصالح والمنافع والملذات كي يستريحوا ويريحوا، يأكلون وينامون، ويسبحون بحمد المدير آناء الليل وأطراف النهار. * ولأن التنابلة يعيشون ويتكاثرون في بيئة تهتم بالمدير أكثر من العمل نفسه، فانهم يتصفون بضعف الإنتاجية وأحيانًا بانعدامها، وفي الغالب لا تجد لهؤلاء (المتاعيس) كرامة ولا وصفاً وظيفياً محدداً، بل يستخدمهم المدير في مهمات خاصة كالتهريج والترويح عنه مثلا، أو قضاء حاجاته وحاجات أسرته الخاصة، وهذا لا يضيرهم في شيء، فالمحفز الأكبر لهم هو رضا المدير، والنجاح الأكبر في نظرهم هو بقائهم في حظيرته، وقد تأخذ الحماسة بعضهم فيتطوع لنقل المعلومات والأخبار الشخصية عن بقية زملائه، تقرباً ورغبة في الوصول لأدوار أعلى، وربما خلافة المدير نفسه. * (التهميش) و(التطنيش) و(التطفيش) مصطلحات ثلاثة لواحدة من أكبر المشكلات الإدارية شيوعًا في عالمنا العربي وأكثرها قبحاً، فجميعها تعني اقصاء موظف نزيه وقتله نفسيًا ومعنويًا من أجل احلال موظف آخر بدلاً عنه، وخير من يقوم بهذه المهمة هم السادة (تنابلة المدير) فهم مأموني الجانب (أكل ومرعى وقلة صنعة) وعلى استعداد للتطبيل لسعادة المدير الفاقد للثقة، وتبرير أخطائه وإبعاد الكفاءات عن طريقه.. هذه العينة من الموظفين تشكل عبئاً ثقيلاً على أي منظمة فهم لا يميلون أبدًا للعمل الجماعي، لأن لفردية مذهبهم والتنافس السلبي ديدنهم. * إذا كان السلطان المملوكي قد تخلص من تنابلته بإلقائهم في النهر كما تقول الحكاية فان (تنابلة المدير) مازالوا يتكاثرون ويتوارثون المناصب.. فبروتوكولات الفساد تتطلب أن يقوم المدير الفاسد وقبل خروجه من المنظمة باختيار أحد (تنابلته) ووضعه في مكانه ليبدأ (التنبل الخلف) رحلة جمع التنابلة من جديد.