في منهج الدراسات الاجتماعية لثاني متوسط / الفصل الأول للعام الدراسي 1441ه/2019 م، استوقفني الآتي: أولًا : العنوان «مظاهر الحكم العثماني في البلاد العربية»، فلم يقل «مظاهر الاحتلال أو (الاستعمار) العثماني للبلاد العربية» ، بدلًا من «مظاهر الحكم العثماني للبلاد العربية» ؛ إذ يلاحظ أنّ هناك تحفظًا من قبل معدي المنهج على استخدام مصطلح «احتلال»، أو» استعمار» على عدوان الدولة العثمانية على البلاد العربية واحتلالها، وهذا التحفظ نلحظه في مناهج التاريخ منذ عقود، مع أنّ هذه الدولة قد حكمت البلاد العربية ودخلت بلادنا بجيوشها التي قاتلتنا وحاصرتنا، ولم تُعل راية الإسلام، بل حاربته في لغته بفرض لغتها التركية على ولاياتها العربية المُحتلة، وجعلتها لغة الدولة الرسمية. فالدولة العثمانية كانت دولة استعمارية احتلّت بلاد غيرها بالقوة العسكرية والحصار، وفرضت سيادتها وسيطرتها عليها بالقوة والقتال، والسياسة التي اتبعتها في حكمها لها سياسة استعماريَّة، وولّت عليها ولاة أتراكاً، ففرضت هيمنتها عليها واستغلت مواردها الاقتصاديّة دون أن تُنفق عليها. ثانيًا: لم يرد ذكر للعزلة التي فرضها الاحتلال العثماني على البلاد العربية المحتلة من قبلها على مدى أربعة قرون، مع إقصاء المرأة من المشاركة في الحياة العامة، وفرض الحرملك، وتفشي الأمية، وتحريم الطباعة في ولاياتها، مع فرض سياسة التتريك على الولايات العربية، فأدى ذلك إلى تقهقرنا إلى الوراء وتخلفنا عن الركب الحضاري الذي كنا في قمة ازدهاره وأساتذته، فالمُحتّلون العثمانيون لم يكونوا على المستوى الحضاري والثقافي للبلاد العربية التي احتلوها، فهي مهد الديانات السماوية، وموطن الأنبياء والرسل والحضارات القديمة (شبه الجزيرة العربية ومصر والشام والعراق) ثمّ الحضارة الإسلامية. إنّ الموطن الأصلي للأتراك آسيا الوسطى، في البوادي الواقعة بين جبال آلطاي شرقًا وبحر قزوين في الغرب، وقد انقسموا إلى عشائر وقبائل عديدة منها عشيرة «قايي»، التي نزحت في عهد زعيمها «كندز ألب» إلى المراعي الواقعة شماليّ غربي أرمينيا قرب مدينة خلاط، عندما استولى المغول بقيادة جنكيز خان على خراسان، فلم يحافظوا على هذا الإرث الحضاري العريق، بل نجدهم فرضوا العزلة وسياسة التتريك على مستعمراتهم العربية، إضافة إلى مركزية السلطة، وقد عيّنت دولتهم أتراكًا ولاة على ولاياتها يفتقرون إلى العمق الحضاري والثقافي، ويؤمنون بالقوة العسكرية، ممّا أدى إلى تراجعها، وتفشي الأمية بين سكانها. ثالثًا: «ومع أنَّ معيار القوَّة لديهم هو القوَّة العسكريَّة إلاَّ أنَّهم تركوا البلاد العربية بلا جيوش مدرَّبة تحميها، مع وجود قوَّة عسكريَّة ضاربة من الجيش العثماني المستمر في توسُّعاته في أوربا حتى بلغت الدولة العثمانية ذروة قوتها خلال القرنين 16، 17، فبلغت مساحتها أكثر من 20 مليون كم مربع ممَّا استفزَّ عداء وحقد الدول الأوربية.» [ سهام زين العابدين حمّاد: مقال ما جنته الدول العربية من الاحتلال العثماني لها]. «فبالرغم من تهيؤ أسباب القوة والبقاء لها، كالموقع الجغرافي الاستراتيجي، وغيره من المميزات التي ذكرت سابقًا، والتي صاحبها قوتها العسكريَّة، ومع ذلك لم تصمد طويلًا للأسباب التالية: 1. المركزية والعنصرية المُفْرطتان. 2. افتقار السلاطين العثمانيين للخلفية الثقافية والحضارية. 3. عدم استثمارهم للخلفيات الثقافية والحضارية والفكرية لشعوب ولاياتهم العربية والإسلامية. 4. محاربتهم للغة القرآن الكريم التي كانت لغة العلوم والعلماء في جميع البلاد الإسلامية، بفرضهم اللغة التركية على ولاياتهم.. 5. استفزازهم للدول الأوربية بحروبهم التوسعية فيها، تاركين البلاد العربية مكشوفةً بلا غطاء يحميها، ممَّا أوقعها فريسةً للاستعمار الأوربي والتَّراجع الحضاري والتَّفكك والشَّرْذَمة، وقيام الكيان الصهيوني في قلب الأمَّة العربية.»[ المرجع السابق]. فأرجو من معدي المنهج إضافة هذه الحقائق إلى إبراز مظاهر الاحتلال العثماني للبلاد العربية. رابعًا: كما يبدو أنّ فقرة «التسلط السياسي وزرع الفتن من أجل منع الجزيرة العربية من أن تكون موحدة»[ص74] وردت عن طريق الخطأ في «من أبرز مظاهر الحكم العثماني في البلاد العربية» بدلًا من أن ترد في «مواقف الدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية» [ص75] وبعد هذه القراءة لمناهج التاريخ المقررة هذا العام (1441ه/2019-2020م للمراحل الدراسية الثلاث (ابتدائي ومتوسط وثانوي) أوصي معدي مناهج التاريخ في مدارسنا بالآتي: - التدقيق في أبعاد ودلالات المصطلحات التاريخية التي تتضمنها المناهج الدراسية، وعدم اعتماد مصطلحات خاطئة خلاف الوقائع والحقائق التاريخية المطلقة عليها، حتى لا يتسبب ذلك في تشويه التاريخ الإسلامي، مثل مصطلح» غزوة»، ومصطلح «حروب الردة» ومصطلح «الخلافة» وغيرها. كما عليهم إعادة النظر في أسباب الفتوحات الإسلامية، ومفهوم الجهاد في سبيل الله، وأسرى الحروب من النساء، وغيرها. - بيان أنّ العهديْن النبوي والراشدي هما عصر تمكين المرأة، وما تلاهما من عصور بنسب متفاوتة، وخبا دورها في عصور الظلام، ولاسيما فترة الاحتلال العثماني على مدى أربعة قرون، وتمكين المرأة في عهد الملك سلمان، ما هو إلّا إعادة حق التمكين الذي سلبته منها تلك الحقب الظلامية من التاريخ، وذلك بتسليط الضوء على دورها في تأسيس الدولة الإسلامية والحضارة الإسلامية وإنجازاتها القتالية والعلمية والتعليمية والاجتماعية والمهنية والحرفية في مختلف العصور الإسلامية، وإبراز دور المرأة السعودية في تأسيس الدولة السعودية، وفي التنمية والنهضة الحضارية التي تشهدها بلادنا الآن. وبالله التوفيق.