خُلق الإنسان بفطرةٍ تنْفرُ من النقدّ سواء كانت مطيّة الناقد على خطأ أم اعتمد النصح صِرْفا مقرونًا بالمجاهرةً أمام الآخرين. قد تنتقد الزوجة هدايا زوجها ليقابلها جفافًا وبُخْلًا.. وينتقد المعلّم طالبه ليشهر في وجهه النفور.. ويتسلل الانتقاد إلى حياتنا لنمارسه مع أبنائنا دون قصد فيَظْهر في إِضْعَاف الهمم، وإطلاق الكلمات الباعثة على دفْن المواهب وإقصاء سُبل التّعْزيز. هل تنتهي الحياة عندما تتعرض للنقد؟ وهل تقف قدماك عن مواصلة السّير بسبب كلمة سمعتَها فأحدثتْ عواصف هوجاء بداخلك؟! هذا ما واجبنا غرسه في النشء وفي أنفسنا، فأنت لست محور الكون ولابد أن تتعرض يوما للنقد وما دامت بيديك موهبة ربانية صقلْتَها بدراسة مُكثّفة اصطنع القوة وتقمص دور القوي إلى أن تتقنه تماما. إذ لو كان أمر النقد مُجْدياً لضاعت أوراق المتنبي وانتهى زمنه. بين حافظة المتنبي وشعره الصادح أسطول رائع من القصائد برْهَنت على قدرته الفصيحة، وجزالة لفظه وجعلت منه ساحرا ينفث الشعر في طلاسم الحبّ والفخر.. لم يسلم المتنبي من النقد وقد تفتق الشعر جمالًا على يديه وجاء بأغراض فلسفية مبتكرة، ومعانٍ منطقية تشهد بإبحاره في شتّى العلوم مما كان سبيلا للنيل من مكانته الشعرية على يد الحاتميّ في رسالته الحاتمية. لقد كان أبو علي الحاتمي من حُذاق اللغة إلّا أنه اختلف مع المتنبي فأكثر الجدل والقدح في شعر المتنبي واتّهمه بالسرقات الأدبية ونسب له سرقة معاني أرسطو الجميلة وتضمينها لشعره إذ وجدها متفقة مع أقوال أرسطو.. ففي حين يقول أرسطو: إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان هلاك الجسم دون بلوغها، يقول المتنبي بنفس المعنى: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام وفي الرسالة الحاتمية الكثير من النقد الذي نال من شعر المتنبي جرى على لسان من يخلو شعره من الرونق كما ذكر ذلك الدكتور الباحث عمر فروخ. وحسبي أن أسجّل كلمة فارقة تُجدد عهد الإبداع الشعري في مدرسة رائدة قامت على أكتاف المتنبي. نحن نعيش في زمن الأسقف الطامحة للآفاق، في زمنٍ تعددتْ فيه مسالك الموهبة واختلف قطافها فعندما تتلاقح أفكارك بادر بإبرازها على نحو مختلف ولا تُلقِ بالًا للناقدين الذين يعيشون في أرض جدباء ويتناسخون فيها.