ما يجدر بالملاحظة أن في مجتمعنا اليوم وصل المدح إلى ذرواه إلى أن أصبح زائفًا وتهويلًا مبالغًا فيه، فينسب الفضل لغير أهله إلى أن أخذ شكل التهريج الممقوت، الذي ينبغي أن نترفع عنه.. سلوك التطبيل أخذ يحتل مساحة واسعة بين مجموعة من الناس صار يصطلح على تسميتهم مؤخرًا، بالبوقجية، أو المطبلين.. حيث يلاحظ أنهم إما أن يهولوا المدح، ويبالغوا فيه، أو أنهم يدلسون وينسبون الفضل لغير من صنعه، مدفوعون بغرض، أو أنهم مأجورون، أو أحيانًا يأتون عليه بدافع السذاجة، حيث ينساقون وراء المطبلين دون وعي منهم.. فعندما يقول لك أحدهم مجاملة صادقة فسيرفع من معنوياتك أنت الآخر، ويعزز فيك الحيوية، وعندما تسمع الكثير من المجاملات فلا بأس بها مهما كثرت لأنك تحبها وكل شخص يحبها، لأن النفس البشرية متعطشة على المدح، ولكن ما الفرق بين المديح الصادق أو المجاملة والثناء وبين المداهنة والنفاق أو كما هو دارج بالتطبيل.. الفرق بينهما أن الثناء الصادق هو يبحث عن الفعل لا عن الشخص، أما النفاق فهو يهدف لمدح الشخص لشخصه لا لفعله، ومثال ذلك إن كنت مثلا في مطعم وجاءك النادل بالطعام فبحالة النفاق قد تقول له شيئًا من قبيل «أنت أقوى نادل، أنت نادل رائع» وهي مجاملة مزيفة وتثير الشك في مضمونها، أما بالثناء الصادق فقد تقول له مثلا «لقد أحضرت الطعام بسرعة وبدرجة حرارته المناسبة وأشعرتني حقًا أنك تفعل فعلك باحترافية وكأنك تلبي الطلبات بسرعة الضوء، أو مثلا أنت تحترم الزبائن حقًا لقد أدهشتني معاملتك الرائعة».. فهناك فرق واضح بين الحالة الأولى والثانية. لا ريب أن الإشارة الى الجهد المتميز للآخرين والإشادة بعطائهم والتنويه بأدائهم على قاعدة «ولا تبخسوا الناس أشياءهم» أمر حسن ومطلوب باتجاه توسيع قاعدة العمل الصالح وذلك من أجل تحفيزهم لعمل المزيد منه، وتمييزهم عن أقرانهم الآخرين من المتقاعسين الذين يتهاونون في أداء ما يناط بهم من أعمال. حقيقة نحن نعيش في زمن عجيب وهو زمن الإغراق في المبالغة، نبالغ في القول وفي الثناء والإطراء وهو أمر ممقوت شرعًا.. وللمدح شروط إذا لم يكن المادح مدركًا لها فلا يمتدح.. نحن نريد نظرة عادلة وثاقبة لقياس الأمور لأننا نعيش زمن التفاهات والمديح على الخزعبلات والترهات.. يعتبر التطبيل علمًا، «علم التطبيل» علمًا قائمًا بذاته وتخصصًا اجتماعيًا صعبًا ينتمي للعلوم الاجتماعية المذمومة.. وقيل بل ينتمي للعلوم المصطنعة وهذا العلم لا يجيده في زماننا إلا أهله والمتمرسون فيه، ممن يطبقونه بحذافيره، وربما تفوق بعضهم على معلمه في إجادة هذا العلم الحساس. ومع تقدم العلوم في هذا الزمان بشتى أنواعها وخاصة العلوم الاقتصادية والطفرة المالية ظهر جيل من المطبلين بدرجة محترفين فتفوقوا على سابقيهم وربما أتعبوا من بعدهم من لاحقيهم.. يهدف هذا العلم ومن يسير فيه من «المطبلين» إلى هدف واحد فقط ألا وهو المصلحة الشخصية فقط للشخص المطبل.. يبدو أن العصر الحديث يحتاج لكمية أكبر من التطبيل كي يرضى الناس وهذا شيء مؤسف.. إذا كان قانون الفيزياء يقول: إن الضغط يولد الانفجار، فقانون الاجتماع يقول: إن الضغط يولد التطبيل الاجتماعي.. والله من وراء القصد.