الرؤية الاماراتية قيل (أسوأ أنواع الذم مدح المرء بما ليس فيه). ومع هذا، فإن المدح الذي يصل حد التطبيل المبرح هو ما نعايشه في زمننا الماثل، فقد غدا وجبة دسمة ثقيلة على القلوب لا يمكن تحملها. نصادفها دوماً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ونعايشها يومياً وبكثرة في حياتنا، وكأن قوله، صلى الله عليه وسلم (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) لم يمر علينا البتة. إنني، وبعد التفكر في الأمر، وجدت أن أغلب هذا التودد والتقرب من المطبل له، إنما هو باعتقاد منه أنه سيصل به إلى الشهرة والمناصب العليا عن طريق الكذب والغش والخداع. فالتطبيل وجه من أوجه الفساد ينتج عنه مشاكل لا حصر لها كالحسد والحقد والغيرة وغيرها، بل قد يهيئ المطبل لمخالفات عدة تجعل من يطبل لهم يقعون فيها؛ لأنه يقوم بتلميعهم وتمجيدهم والوصول بهم إلى مراتب عليا لا يستحقونها، بينما يظل من يثابر ويجتهد تحت ركام التجاهل، لأنه لم يجد من يجيد الضرب على ظهر الطبل، ولم يحجز له تذكرة في قوافل هؤلاء المطبلين الذين باعوا مبادئهم وداسوا قيمهم؛ لذلك يتولد لديه الإحساس بالظلم وعدم الشعور بالرضا. شيء مؤسف حقيقة، عندما تصبح علاقاتنا مكبلة بقيود المصلحة الفردية، يتنازل الإنسان فيها عن قيمه في سبيل أهدافه، ضارباً بالمبادئ عرض الحائط، فيقف مصفقاً للظلم ومؤيداً له، فيعلو صوت التطبيل والنفاق، ليعزف ألحاناً من الأكاذيب. إن هؤلاء قد يفرحون بالتطبيل والمدح الكاذب والمغالاة فيه، ولم يدروا أن من نافقهم وقال ما ليس فيهم من مديح، ربما يأتي يوماً ويذمهم بما ليس فيهم إن غضب منهم، ولم يصل إلى ما كان يريده. وختاماً أقول: صدق الإمام علي، رضي الله عنه، حين قال «مَنْ مَدَحَكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ الجَمِيل، وَهُوَ رَاضٍ عَنْكَ، ذَمَّكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ القَبِيح، وَهُوَ سَاخِطٌ عَلَيْكَ».