أواصل الحديث عن حقوق الزوجيْن في مادة الثقافة الإسلامية للمرحلة الثانوية للعام الدراسي الحالي 2018/2019م، فمِن حقوق الزوج طِبقًا لما جاء في الدرس، أنّه لا يحل للزوجة أن تأذن في بيته إلّا بإذنه، مستدلين بحديث في صحيح الإمام البخاري، «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلّا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلّا بإذنه». (أخرجه البخاري). وقد بيّنتُ فيما سبق أنّ هذا الحديث مخالف لما جاء في القرآن الكريم عن بيت الزوجية، فهو بيت الزوجة وليس بيت الزوج، حتى لو كان ملكًا للزوج، والحديث المخالف للقرآن الكريم لا يُؤخذ به، وهذا ما قرره علماء الحديث، ثمّ كيف يكون بيت الزوج وكثير من النساء، وخاصة في عصرنا هذا، يملكن البيوت التي يسكنَّها مع أزواجهنّ وأولادهنّ، ويُشاركن في تأثيث البيت، ومصاريف الأكل والشرب، وفواتير الماء والكهرباء، وقد تنفرد الزوجة بذلك إن كان الزوج عاطلًا عن العمل، أو مريضًا، ويمتنع دفع نفقة للزوجة الأولى وأولادها.. فتكريمًا للمرأة وحفظًا لحقوقها، جعل الله تعالى بيت الزوجية للزوجة حتى لو كان ملكًا للزوج. في فتح الباري جاء في شرح هذا الحديث: رواية الحسن بن علي عن عبدالرزاق فيها: «لا تصوم المرأة غير رمضان»، وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا، ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوّعًا إلا بإذنه، فإن فعلت لم يُقبل منها، والسؤال: كيف يُقرِّر عنه تعالى عدم قبوله؟. قال النووي في «شرح المهذب»: وقال بعض أصحابنا يُكره، والصحيح الأول، قال: فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة، وأمر قبوله إلى الله، قاله العمراني، قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب، ويُؤكِّد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي، ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك، بل هو أبلغ، لأنّه يدل على تأكُّد الأمر فيه، فيكون تأكده بحمله على التحريم. قال النووي في «شرح مسلم»: وسبب هذا التحريم أنّ للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور، فلا يفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي، وإنّما لم يجز لها الصوم بغير إذنه، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها، لأنَّ العادة أنّ المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، ولاشك أنّ الأولى له خلاف ذلك، إن لم يثبت دليل كراهته، نعم لو كان مسافرًا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرًا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضًا بحيث لا يستطيع الجماع، وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال: هو من حسن المعاشرة، ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضره، ولا يمنعه من واجباته، وليس له أن يبطل شيئًا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه، وهو خلاف الظاهر، وفي الحديث أنَّ حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأنّ حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع. وهنا نلاحظ أنّ هؤلاء الفقهاء الأفاضل يعطون رغبات الزوج قدسية كبيرة، لدرجة أنّهم يُحرّمون على الزوجة صيام التطوع وفضله وثوابه، لتظل جاهزة لرغبات الزوج فقط، وكأنّها ليست بإنسانة، ولا يُطالبون الزوج بضبط رغباته إلى أن تُتم نهار صومها، كما نجدهم لم يُراعوا رغبات المرأة، فللزوج أن يصوم تطوعًا ما شاء، وكأنّ الزوجة ليس لها رغبات.. فهؤلاء الأفاضل لا يُفكِّرون إلّا في إشباع رغبات الرجل، ويأخذون بأحاديث ضعيفة رغم مُخالفتها للقرآن الكريم، ويقولون بصحتها، وهذا ما سأبيّنه في الحلقة القادمة إن شاء الله، فللحديث صلة.