أمرت الشرطة السودانية عناصرها اليوم الثلاثاء ب"عدم التعرض" لآلاف المتظاهرين المتجمعين لليوم الرابع على التوالي أمام مقر الجيش في الخرطوم، ودعت إلى "انتقال سلمي للسلطة" على غرار عدة دول غربية. وبما يوحي بانضمامها إلى شعار المتظاهرين المطالب بإنهاء حكم الرئيس عمر البشير، أنهت الشرطة بيانها بالقول "نسأل الله أن يحفظ بلادنا آمنة مطمئنة وأن يجنبنا الفتن ويوحد كلمة أهل السودان إلى رشد وتوافق يعزز الانتقال السلمي للسلطة واستقرار البلاد". وفي السياق نفسه، وبعدما ظلّت متكتمة على مواقفها طيلة الفترة الماضية، اعتبرت سفارات الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج الثلاثاء أنه آن الأوان للسلطات السودانية لكي تعرض "خطة انتقال سياسي تحظى بمصداقية". ويتحدى المحتجّون منع التظاهر ويدعون منذ يوم السبت الجيش إلى رفع الدعم عن البشير. ويشكّل استمرار التظاهر أمام مقر القيادة العامة للجيش الذي يضم وزارة الدفاع ومقر إقامة الرئيس عمر البشير، منعطفًا في مسار التظاهرات المتواصلة منذ أربعة شهور. وإذا لم يشارك الجيش في قمع التظاهرات، فإنّ شرطة مكافحة الشغب وجهاز الأمن والمخابرات غالبًا ما فرّقت المتظاهرين خلال تجمعات سابقة. وأخفقت محاولتان الثلاثاء لإزاحة المحتجين من أمام مقر قيادة الجيش، وجرى إطلاق النار في الهواء. ولا شيء يؤكد إذا كان عناصر الجيش أطلقوا النار في الهواء لحماية المتظاهرين كما يقول شهود، أو فعلوا ذلك لسبب آخر. وحتى الآن، تبقى نوايا الجيش غير معروفة. وقال شاهد "حصل إطلاق كثيف للغاز المسيل الدموع وبعد ذلك فتح الجيش أبواب المقر للسماح بدخول المتظاهرين". وأشار إلى أنّه "بعد دقائق، قامت مجموعة من العسكريين بإطلاق النار في الهواء لدفع القوات الأمنية التي كانت تستخدم الغاز المسيل للدموع". وسمع صحافي في فرانس برس إطلاق النار لدقائق قليلة. وحصلت فرانس برس من باريس على فيديو يُظهر القوات الأمنية وهي تحاول تفريق المحتجين قبل تراجعها إثر إطلاق الجيش للنار. وقتل 38 متظاهرًا منذ بدء الاحتجاجات بينهم سبعة يوم السبت بحسب السلطات. ودخل اليوم جنود إلى مقرّ الجيش على متن شاحنة نقلت جثة لم تعرف هويتها، حسب ما أفاد شاهد في المكان. ودعا الإثنين زعيم حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، في كلمة أمام مقر الجيش، المؤسسة العسكرية إلى إطلاق "تواصل مباشر" مع تحالف الحرية والتغيير بغية "تيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة انتقالية". وقال وزير الدفاع السوداني الفريق ركن عوض بن عوف بأنّ "القوات المسلحة تقّدر أسباب الاحتجاجات وهي ليست ضد تطلعات وطموحات وأماني المواطنين، لكنها لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى ولن تتسامح مع أي مظهر من مظاهر التفلت الأمني". وفي بيان منفصل، شدد رئيس الأركان المشتركة كمال عبدالمعروف على "وحدة وتماسك المنظومة الأمنية (القوات المسلحة، قوات الشرطة، جهاز الأمن والدعم السريع)، وقيامها بواجباتها في حفظ الأمن وحماية المواطنين في تكامل وتنسيق للأدوار". وأعلن عمر دقير أنّه جرى إنشاء مجلس من قبل منظمي التظاهرات لإطلاق محادثات مع القوات الأمنية والمجتمع الدولي بهدف نقل السلطة إلى "حكومة انتقالية معبرة عن قوى الثورة". وقال "نشدد على مطلب الشعب بالاستقالة الفورية لرئيس النظام وحكومته". وتحوّلت التظاهرات التي اندلعت في ديسمبر على خلفية قرار الحكومة رفع أسعار الخبز بثلاثة أضعاف، إلى حراك شعبي واسع النطاق ضد حكم البشير المستمر منذ 30 عاما. وحُرم السودان منذ عام 2011 من ثلاثة أرباع احتياطاته النفطية إثر استقلال جنوب السودان، ويواجه تضخمًا بنسبة 70% في العام وعجزًا كبيرًا بالعملات الأجنبية. وتزامنت تظاهرات الأيام الأخيرة مع حدوث انقطاعات للكهرباء في كافة أنحاء البلاد، فيما عزتها وزارة الكهرباء إلى عطل تقني. ومنذ بداية الاحتجاجات، رفض البشير الاستقالة. وأعلن في 22 شباط/فبراير حال الطوارئ بعدما سعى إلى قمعها بالقوة. وتراجعت التظاهرات بشكل واضح حتى ظهر السبت الذي صادف ذكرى انتفاضة 6 أبريل 1985 التي سمحت بإسقاط نظام الرئيس جعفر النميري. وحثّ أمين عام الأممالمتحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين الحكومة على "خلق بيئة مواتية لإيجاد حل للوضع الراهن وتشجيع الحوار الشامل".