الشخص «النرجسي» لديه شعورٌ عميق وطاغٍ بالاستحقاق أكثر من غيره، وأنانيةٌ غاية في الإفراط، وانتهازيةٌ مقيتة، وغيرةٌ مُستعرة، تحفّزه على التضحية بغيره ومصالحهم من أجل نفسه المزهوة بخيالات العَظَمة، وذاته المهووسة بالسيطرة والتحكّم والتميّز عن الآخرين وإظهار احتقارهم والتفوّق عليهم، مع انعدام إحساسه بالذنب أو الحاجة للاعتذار، فضلاً عن إلحاح حاجته المَرَضية لمدح نفسه والتلذذ بمديح الناس له للنفخ في أناه المتضخمة، على الرغم من تواضع إمكانياته وقصور قدْراته ومواهبه. والنرجسية بحسب مفهوم عالم النفس سيغموند فرويد: «تمركُز العواطف حول الذات»، والنرجسي بالمختصر، في علاقةٍ غرامية مع نفسه، بصورة مُثيرة للغثيان!. وعلى الرغم من الأنا المتطرّفة ومظاهر الثقة في النفس، إلا أن الشخص المُصاب باضطراب الشخصية النرجسية، يُعاني أيضاً من عُقد نفسية عميقة، ومشاعر هائجة مضطربة، ومركّبات نقص خفيّة، ويصارع شعوراً طاغياً بعدم الرضا، وهو في عراكٍ دائمٍ مع نفسه لمحاولة الظهور بمظهر الفتوّة والتفوّق، في حين يحمل ضغائن للذين ينجحون أو يُبدعون ويفرح لفشلِهم، ويشعر بالخوف بالتهديد الشخصي ممن ينافسونه على امتيازات يراها حصريةً عليه. والعجيب، أن كثيراً من أولئك «النرجسيين»، ينجحون في تقلّد مناصب إدارية مُتقدّمة، ومهن ووظائف حساسة، فأنانيتهم المفرطة، تسمح لهم بتبني أساليب الوصولية الفجّة، وتسلّق الأكتاف وكيد المكائد وإعطاء الدنيّة في أخلاقهم، لكنهم -في العادة- يتسببون في نتائج سلبية ومضاعفاتٍ كارثية لبيئة العمل، كما أن الحصول على منصب إداري متقدّم، أو شهادة علمية عالية، أو مكانة اجتماعية ممتازة، أو غنىً مفاجئ، أو مديحٍ مُفرطٍ غير مستحق، قد يُشعل فتيل النرجسية في شخصية لديها استعدادٌ نفسي لهذا الاضطراب، مما يشجعّها على إساءة استغلال المناصب، والتعامل بالتحايل والكذب والتعالي، نتيجة انفلات هوس العَظَمة الذي يُداهمها، وهذا قد يفسّر سرّ تحوّل شخص مُسالمٍ مُتواضعٍ، إلى شخصٍ عنيفٍ مغرورٍ أناني، حال اقتناصه فرصة اجتماعية أو مادية. يُشار إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون ساعدت على ظهور مرضى «النرجسيّة» وانتشارهم بشكل غير مسبوق، نتيجة تغذيتهم بزهوٍ كاذب ومكان افتراضي يُمارسون فيه عُقدهم. وأختم بقول للأديب الروائي (دوستويفسكي): «إن المرء يمكن أن يقترف جرائم فظيعة، لا لسبب غير حبّ الظهور».