هل قابلتَ أحدًا من الناس ولاحظتَ عليه كثرة حديثه عن نفسه ومناقبها؟ أو لفت انتباهك فرط تفاخره بمكتسبات يراها تميزه عن غيره، وتركيزه على ما لديه من شهادات أو مناصب أو إنجازات؟ وهل تعجبت من هوسه بلفت الانتباه لملابسه أو ساعته أو موديل سيارته، وانزعاجه من عدم اهتمام الناس بذلك كله، إضافة إلى تجاهله النصح وتقزيمه الصريح للآراء المخالفة لرأيه. ربما تكون - في تلك الحالات - قد قابلتَ شخصًا يمكن وصف شخصيته بالنرجسية، وهو نوع من اضطرابات الشخصية التي يصعب التعامل معها. فالشخص النرجسي يُظهر زهوه بنفسه للتغطية على عُقد النقص الدفينة لديه، مهووس بشخصيته وأفكاره وقدراته التي يراها خارقة، يتميز بالأنانية المُفرطة وتضخّم الأنا، يعشق تصدّر المجالس ويتطلع دومًا للمديح، ويمارس التهكم على غيره دون شعورٍ بالأسف، لا يحتمل الإحساس بالتقصير ولا يعترف بالنقص والخطأ، ويكره أن يرى أقرانه في منزلة أعلى، فيقلل متعمّدًا من مكانتهم، وينافسهم بوصولية وانتهازية على مناصب إدارية، ليس لتطوير الأداء ومنفعة الناس، بل لهوسه الشديد بالتمتع بمنزلة أعلى ومكانة أرفع عن غيره، والحصول على المديح بشكل يزيد من غروره المَرضي، بالرغم من تواضع إمكانياته. هناك مجتمعات أصبح الاهتمام بالتربية الفردية فيها نادرًا، وتخلّفَ فيها التعليم، وانتشرت بها اضطرابات السلوك، لا يتم فيها اكتشاف عدد من الاضطرابات الشخصية والأمراض النفسية التي تحتاج إلى تشخيص وعلاج مبكّر، فالمصاب «بالنرجسية» لا يرى في نفسه بأسًا، ولا يعترف عادة بوجود خلل في شخصيته حتى لو تمت مواجهته بذلك، فهو يفسر ذلك بحسد الأقران وغيرتهم منه، لكن المصيبة حقًا ارتفاع شأن بعض «النرجسيين»، واستحواذهم على مناصب تتحكّم في جمهور الناس ومصالحهم، وتكاثر المداحين «الطبالين» من حولهم، الذين يزيدون من شعورهم «بالانتفاخ» الكاذب!!. من الضروري تفعيل دور المختصين الاجتماعيين والنفسيين وأطباء الأمراض النفسية في المنشآت التعليمية التربوية وأماكن العمل، لمحاولة تشخيص أصحاب تلك الشخصيات المضطربة وعلاجهم بالطرق السلوكية المعرفية أو الدوائية بالرغم من صعوبة ذلك، أو درء آثارهم السلبية الكارثية - كأقلّ القليل - على المحيطين بهم من أفراد المجتمع.