يبدو أن الجدل حول العدد الأمثل لساعات الدوام الرسمي سيظل مُحتدماً لفترة طويلة، حيث مازالت الدراسات والآراء تتناول هذه القضية، في محاولة للوصول إلى توافق الأداء المهني مع الصحة العضوية والنفسية والجدوى الاقتصادية لساعات العمل الرسمية. المثير للاهتمام دراسة أسترالية حديثة (عام 2016)، أظهرت نتائجها أن الموظفين والعاملين الذين تفوق أعمارهم الأربعين عاماً، يعملون بكفاءة وفعالية أفضل، كما يتجنّبون الإجهاد والتوتر ويُحافطون على قدْراتهم المعرفية الإدراكية، في حال عملهم (3) أيام أسبوعياً فقط، عِوضاً عن الجدول اليومي المُعتاد. وتشير تقارير إلى أن الانشغال بالعمل ضرورة للحفاظ على الوظائف الإدراكية للعقل، في حين ينخفض مستوى تلك الوظائف بشكل ملحوظ ضمن فئة العاطلين عن العمل، لكن -وفي المُقابل- فإن زيادة عدد ساعات العمل (أكثر من 35 إلى 40 ساعة أسبوعياً) وما ينتج عنها من فرط الإرهاق، مرتبطة بمشكلات صحية ونفسية وبخاصة لدى الموظفين الأكبر عُمْراً، وهي في الوقت نفسه لا تحقق بالضرورة قدْراً أعلى من الإنتاجية وجوْدة الأداء. كما أظهرت دراسة حديثة أخرى (عام 2018) تم تطبيقها على أكثر من (6000) موظف في المجتمعين الأمريكي والسويدي، أن فرط الضغط العصبي والإجهاد الوظيفي وضعف السيطرة الشخصية على طبيعة العمل في منتصف العمر (45 سنة)، يزيد من خطر الإصابة باضطرابات نفسية. وكما أن للإفراط في تناول الطعام آثاراً سلبية على صحّة البدن، فإن الإفراط في العمل بما يحمله من تحفيز مُفرِط وإثارةٍ مُجهِدة، يُمكن أن يؤثر سلباً على الوظائف العقلية كالتفكير المنطقي والقرارات التنفيذية المُناسبة، كما أن من الضروري الأخذ بعين الاعتبار طبيعة العمل وحساسية الحاجة للتركيز فيه، إلا أنه بشكل عام، وبحسب الدراسة الاسترالية التي طُبِّقت على (6500) شخصٍ تجاوزت أعمارهم الأربعين عاماً، فإن (25) ساعة عمل في الأسبوع الواحد، تُمثّل العدد الذي يضمن أعلى حد من الأداء الذهني لهذه الفئة العُمرية. ومع ارتفاع العُمر التقاعدي في بعض المُجتمعات، تظهر الحاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات الموثقة التي تبحث في العدد الأمثل لساعات العمل الأسبوعية لوظائف متعددة وفئات عمرية مختلفة، لضمان جودة الأداء والتوازن الصحي بين الحياة العملية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه، تجنّب الآثار الصحّية السّلبية المُثبتة للعدد الطويل من ساعات العمل.