في وقت حظي فيه ملف التوطين برعاية حكومية مستمرة، وقرارات حاسمة وجهت دفة التوطين نحو ما يحقق مصلحة المواطنين، ودفعت القطاع الخاص إلى استيعاب المواطنين الباحثين عن عمل، مثلت بيئة العمل في القطاع الخاص أهمية كبرى في جذب المواطنين إلى منشآت القطاع الخاص، الأمر الذي دفع بشركات كبرى إلى تحقيق نجاحات كبرى في توطين أغلب الوظائف لديها، مستعينة بتحسين بيئة العمل، وتوفير الحوافز التي تحقق الاستقرار الوظيفي للشباب، وترسم لهم مساراً وظيفياً واضحاً، يدفعهم للتفاني لبلوغ الترقيات والتطور الوظيفي المنشود. مديرو الموارد البشرية السعوديون ساهموا في تهيئة بيئة تستقطب المواطنين وفيما يرى مراقبون أن توطين وظائف مديري الموارد البشرية كان دافعاً مهماً في نجاح تلك الشركات، يبقى الرهان على تكامل عناصر الجذب التي توفرها الشركات الجادة في التوطين لتحقيق استقرار وظيفي، وعلاقة استراتيجية تربط السعوديين بتلك الشركات. وعلى الرغم من أهمية الحوافز المالية والمعنوية لتحسين بيئة العمل في منشآت القطاع الخاص، تمثل إجازة اليومين أهمية قصوى بالنظر إلى أهمية التواصل الأسري والاجتماعي في حياة السعوديين، وكذلك وجود أسر بعض الموظفين في محافظات غير تلك التي يعملون بها، مما يصعب عليهم زيارة أسرهم والتواصل معهم، مما دفع مجلس الشورى إلى رفع التوصية بتحقيق يومي إجازة في القطاع الخاص إلى المقام السامي لحسم الأمر. إلى أي حد تلعب بيئة العمل دوراً مهماً في استقرار السعوديين في القطاع الخاص، وما هو تأثير إجازة اليومين في دفع السعوديين للإقبال على العمل في الشركات التي تمنح موظفيها ذلك الحافز؟ خدمة المجتمع د. علي الحناكي -المستشار الأسري- أكد أنه يتوجب على صاحب العمل الذي يرغب في الاستثمار في الكوادر البشرية الوطنية بشكل استراتيجي، أن يوفر البيئة الجاذبة التي تمكنهم من الاستقرار في أعمالهم، والمضي قدماً في تحقيق مسار وظيفي واضح طيلة فترة عملهم لديه، وقال: إنه بالنظر إلى طبيعة المجتمع، وارتباط المواطنين بمسؤوليات أسرية شتى، فإن تصميم بيئة عمل تراعي الجانب الاجتماعي في حياة الموظفين من شأنها أن تمكنهم من التوازن بين مسؤولياتهم الأسرية، ووظائفهم بشكل يجعلهم يشعرون بالاستقرار والقدرة على الإنتاج والتميز. وأضاف: إن إجازة اليوم الواحد لا يمكنها أن تجعل الموظف قادراً على الوفاء بالتزاماته الأسرية والعملية بشكل متوازن، فكثير من الشباب العاملين في العاصمة مثلاً، أسرهم في محافظات خارجها، فمن الصعب عليهم زيارات أهلهم والعودة في نفس اليوم، ثم العودة إلى العمل في اليوم التالي، لذلك من وجهة نظري أن منح العاملين في القطاع الخاص إجازة يومين، هي إحدى أفضل عوامل الجذب التي يمكن من خلالها تشجيع اليد العاملة الوطنية للعمل في القطاع الخاص. وقال د. الحناكي: إن تعلق القطاع الخاص بتحقيق الربحية هو حق مشروع، ولكن للأسف هذا القطاع لا يساهم بشيء يذكر في المسؤولية الاجتماعية، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً، الشركات تساهم ب2,5 من ربحها في خدمة المجتمع، لذلك على شركاتنا أن تعتبر منح إجازة يومين للسعوديين هو أحد أشكال خدمة المجتمع، مادام ذلك سوف يساهم في توظيف المواطنين، ويجعل بيئة الأعمال جاذبة لهم، ويساهم في تخفيض أرقام البطالة. وشدد على أن المقارنة بين المواطن والمقيم في مسألة تحمل إجازة اليوم الواحد هي مقارنة ظالمة، مشيراً إلى أن المقيم ليس لديه التزامات أسرية واجتماعية في البلد كما المواطن، وقال: يجب أن لا تتم هذه المقارنة، فالمقيم قد تكون أيام العمل بالنسبة له هي الترفيه لأنه يتواصل مع زملائه ومع الزبائن، حيث تمثل له الإجازة مللاً لعدم وجود محيط أسري يتواصل معه، لذلك يجب ألا تتم مثل هذه المقارنة التي ليست سليمة بالنظر لاختلاف الظروف. محفزات أكد علي بن صالح العثيم -رئيس لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية بالرياض- أن إحجام بعض المؤسسات عن منح إجازة يومين لموظفيها يعود لعدة عوامل، وقال: إن أهم تلك العوامل يعود إلى طبيعة نشاط المنشأة سواء تجاري أو صناعي أو خدمي، وكذلك حجم المنشأة سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، فكل مُنشأه لها طبيعتها التي تلائم نشاطها وحجمها، فالمؤسسات التجارية التي تعمل في مجال التجزئة على سبيل المثال والمؤسسات الخدمية قد تواجه تحديات في منح منسوبيها يومين إجازة أسبوعياً نظراً لطبيعة النشاط الذي قد يحتاج العمل على مدار الأسبوع، وأعتقد أنه يجب على القطاع الخاص أن يسعى إلى مواجهة تحديات خلق بيئة عمل أكثر جاذبية للقوى العاملة الوطنية لأن مردود ذلك سيعود على القطاع ككل بشكل إيجابي على المدى البعيد. وأشار إلى تجربة الشركات الكبرى التي تمنح موظفيها يومي إجازة أسبوعية، وقال: إن نجاح تلك الشركات في منح منسوبيها يومي إجازة بسبب نجاح تلك الشركات في تهيئة وتطوير نظام عمل يحافظ على الكفاءة والإنتاجية في ظل خفض عدد ساعات العمل لديها، وهو ما لم تستطيع كثير من المؤسسات الأقل حجماً فعله، لذلك فإن قدرة المؤسسات على الحفاظ على الكفاءة والإنتاجية في ظل خفض ساعات العمل سيكون هو الفيصل. وقال العثيم: بالإضافة إلى كون منح إجازة يومين في الأسبوع تمثل أحد عوامل تحسين بيئة العمل داخل الشركات، فهناك قاعدة معروفة تقول إن "موظف سعيد يساوي عميل سعيد"، فمنح الموظفين فترة الراحة المناسبة التي تمكنهم من التحرر من ضغوط العمل و العودة أكثر سعادة وتركيزاً، وهم في كامل لياقتهم الذهنية يمثل مردود إيجابي مباشر تجنيه الشركة، كما أن هناك جانب مجتمعي يتمثل في المساهمة في التماسك والترابط الأسري ومن ثم تماسك وترابط المجتمع، كون الأسرة هي نسيج المجتمع. جذب أكد جلاجل بن عبدالمحسن الجلاجل -الرئيس التنفيذي للموارد البشرية في مجموعة تضم 12 شركة- أن الأنظمة الخاصة بالعمل قد أفضت إلى نجاح التوطين في مهن بعينها، مما يؤكد الدور المهم لرسم سياسات التوطين وتفاعل شركات القطاع الخاص مع تلك الأنظمة والتشريعات، وقال: إن قرار وزارة العمل بقصر مهنة مدير الموارد البشرية على السعوديين قد نتج عنه مساهمة فاعلة من قبل الكوادر الوطنية في خلق بيئات عمل جاذبة للسعوديين، بالنظر إلى حرص قيادات الموارد البشرية على نجاح الكوادر الوطنية الشابة، واستمراريتهم، من هنا يمكنني القول أن الشركات الكبرى والجادة في استقطاب المواطنين للعمل قد نجحت بالفعل في تصميم بيئة عمل يقودها مواطنون قادرون على استقطاب الشباب في مختلف الوظائف. وأضاف: إن القطاع الخاص وخاصة الشركات الكبرى التي نظرت للتوطين على أنه رسالة وهدف وطني، قد نجحت من خلال خلق بيئة عمل جاذبة للسعوديين، وهذا مؤشر على أن إشكالية تعثر التوطين ليس بسبب الشباب غالباً، وإنما بسبب غياب بيئة العمل الجاذبة، والتي تفتقد إليها المؤسسات الصغرى وبعض المتوسطة، ومتى ما توفرت بيئة العمل الجاذبة فإن الشباب السعوديين متميزين، وإذا ما شعروا أن المكان الذي يعملون به هو مكان استراتيجي لمستقبلهم الوظيفي، فإنهم يتفانون في الأداء الوظيفي، ويقدمون إنتاجية وانضباط كبيرين. وتابع يقول: من واقع معايشتي للموارد البشرية على مدى 18 عاماً، فإنني أؤكد أن أهم مقومات بيئة العمل الجاذبة للسعوديين في القطاع الخاص تتمثل في المقابل المادي الجيد، ووجود مسار وظيفي واضح، وتوفر إجازة يومين، وكذلك الشعور بالاحترام والتقدير. وأكد الجلاجل أنه بالنظر إلى ثقافة الشاب السعودي، فإن المؤسسات الصغيرة بالنسبة له ليست المنشأة التي يرى أنه لا يمكن لتلك المنشآت أن تحقق له مستقبلي وظيفي استراتيجي يحقق من خلاله مستقبله المهني الذي يمكنه من مواجهة متطلبات الحياة، إضافة إلى شعوره في تلك المنشآت بغياب الأمان الوظيفي، إضافة إلى ضغوط بيئة العمل في تلك المنشآت. الشباب يؤكدون.. إجازة اليوم طاردة من وظائف القطاع الخاص أكد عدد من الشباب السعودي أن إجازة اليوم الواحد في شركات ومؤسسات القطاع الخاص تمثل أحد أهم الأسباب الطاردة للشباب من العمل في القطاع الخاص، واستشهدوا بنجاح التوطين في الشركات الكبرى التي تمنح موظفيها إجازة يومين، وطالبوا بتوحيد الإجازة الأسبوعية في جميع شركات القطاع الخاص دعماً للتوطين. غشام البقمي -يعمل في القطاع الخاص- ويحصل على إجازة يوم واحد فقط، يشير إلى أن طبيعة ارتباطات السعوديين الأسرية متشعبة، ومهمة، مؤكداً أن إجازة اليوم الواحد لا تتناسب وطبيعة العلاقات الاجتماعية في المملكة، مبيناً أن صلة الرحم والتواصل الاجتماعي تضغط على الشاب السعودي الذي لا يملك إلا إجازة يوم واحد، مما يدفعه إلى الإخلال بالتزاماته العملية، أو تراجع تواصله الاجتماعي مع أسرته وأقاربه. وأشار إلى أن إجازة اليوم الواحد لا تؤثر إيجابياً في نفسية الموظف الذي يشعر بالملل وعدم القدرة على تجديد النشاط، داعياً شركات القطاع الخاص إلى تبني إجازة اليومين لمصلحة العمل والعمال على حد تعبيره. من جانبه قال سلطان العتيبي إن أحد أهم الأسباب التي تنفر السعوديين من وظائف القطاع الخاص، والتي تدفعهم إلى الخروج السريع من وظائفه، وعد الاستقرار بها هو عدم وجود يومين إجازة، مشدداً على أن إجازة اليوم الواحد لا تكفي لأن يتواصل الشاب مع أسرته وعائلته، ويقضي لهم احتياجاتهم نهاية الأسبوع، وقال: نعلم أن أغلب سكان المدن الرئيسية هم أصلاً من محافظات أخرى، مما يعني وجود والدين الشاب أو أحدهما في محافظة أخرى، مما يصعب عليه زيارتهم والعودة في ذات اليوم، خاصة وأن المملكة مترامية الأطراف، ودعا العتيبي إلى فرض إجازة اليومين على القطاع الخاص كي تصبح بيئة العمل بشركاته جاذبة، وغير طاردة للشباب السعوديين. وقال بدر العضيلة إن إجازة اليوم الواحد في شركات القطاع الخاص تمثل أهم العيوب التي تحد من إقبال الشباب السعودي واستقراره في وظائف ذلك القطاع، وأشار إلى أغلب الشباب العاملين في الشركات التي لا تمنح موظفيها سوى يوم واحد، يتخذون من العمل بها حالة مؤقتة إلى حين الحصول على وظيفة أخرى بها استقرار وظيفي، وبها إجازة يومين، وطالب العضيلة بإلزام الشركات بمنح موظفيها إجازة يومين كي تصبح مناخاً جيداً وجاذباً للسعوديين. وقال علي عبدالعزيز إن إجازة اليوم الواحد أحد العوامل الرئيسية التي حدت من نجاح السعودة في الشركات، مؤكداً أن الشركات الكبرى والتي نجحت في السعودة هي تلك التي تمنح موظفيها إجازة يومين، وأشار إلى أن أغلب الشباب لو وجدوا وظيفتين أحدهما راتبها مرتفع والإجازة يوم واحد، وأخرى راتبها أقل وبها إجازة يومين، فإنه سيختار الوظيفة في الشركة التي تمنح موظفيها إجازة أسبوعية يومين، مشدداً على أن توحيد الإجازات الأسبوعية بواقع يومين في الأسبوع في جميع شركات القطاع الخاص، ستدفع بنجاح السعودة بشكل كبير. خبير موارد بشرية: الإنتاجية العالية ليست في كثرة أيام الدوام وساعات العمل الطويلة أكد د.تركي بن نادر -خبير تطوير الموارد البشرية- أن منح موظفي القطاع الخاص يومين لإجازة نهاية الأسبوع تنعكس إيجاباً وبشكل مباشر في رفع مستوى إنتاجية الموظف، وتؤدي إلى كسر حالة الملل والتخلص من المسؤوليات الدورية والروتينية ورتابة العمل الأسبوعي. وقال: ولا يعني المطالبة بذلك تفضيلهم الكسل وعدم الجدية والرغبة في الهروب من الواجبات، بل هو حالة طبيعية تعكس مطالبة أجهزة الجسم بالتوقف قليلًا لشحن الطاقة من جديد، على اعتبار أنها الطريقة المثلى لتحسين الأداء الوظيفي،فهي ليست مجرد وقت مستقطع من العمل يقضيه الموظف متوقفًا عن أداء مهام ومسؤوليات قد يرى أصحاب الأعمال انها تؤثر على انسيابية العمل واستمرار جني الارباح، بل إنها ذات تأثير كبير ومهم في المقام الاول على الصحة النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية للموظف مما يؤدي وبشكل مباشر الى ارتفاع مستوى الاداء والانتاجية بجودة عالية لدى موظفيهم. وأضاف: ان الموظف لا يكون بعد الإجازة كما كان قبلها ؟ فالإجازة الكافية ومساواتها بما هو مطبق لدى اغلب القطاعات العامة والخاصة من الشركات الكبرى والقطاع المصرفي من أهم المحفزات التي تؤثر بشكل إيجابي على أداء الموظفين، إذ يكون الموظف قادرًا على اتخاذ قرارات أفضل، وتكون رؤيته وتقييمه للأشياء أوضح، كما يستطيع أن يجد حلولًا مبتكرة لمشكلات العمل، وذلك على العكس تمامًا من وضعه قبل الإجازة. وقال: ان هناك مؤشرات تدل على أن القدرة الإدراكية للموظف تصبح متدنية ولا تعمل بالكفاءة المطلوبة عندما يجد هذه التفرقة في منح إجازة نهاية الاسبوع من حصوله على يوم وغيره يتمتع بيومين كإجازة اسبوعية، مما يؤثر وبشكل سلبي على ولائه وينتج عنه قرارات غير صحيحة ودون دراسة جيدة؛ إذ تسيطر على الموظف العصبية والتوتر فلا يحسن التعامل مع مَن حوله، ويصبح كثير النسيان، وهو ما يسمى علميًّا بمتلازمة الاحتراق النفسي burnout الناتجة عن الإجهاد العقلي والنفسي الذي تتسبب فيه ضغوط العمل. وأشار د. بن نادر إلى ان ساعات العمل الأقل لا تعني بالضرورة تراجع إنتاجية الموظف، وقال: في القرن التاسع عشر، تم تحديد ساعات عمل العمال في المصانع لتصبح 8 ساعات، بعد أن كانت تفوق ال 15 ساعة. والنتيجة التي أذهلت أصحاب المصانع في ذلك الوقت أن الإنتاجية زادت بعد تقصير ساعات العمل، لذلك اقرت اغلب المنظمات اجبارية التمتع بالإجازة وعدم تأجيلها ضمن تشريعاتها الوظيفية وكان اخرها وزارة الخدمة المدنية في المملكة لإيمان تلك المنظمات بأهمية حصول موظفيها على اوقات راحة تتجدد معها نفسية الموظف من خلال عمل توازن نفسي ومجتمعي وعملي تكون نتائجه مذهلة على الموظف في حياته الخاصة وعمله ايضاً. د. علي الحناكي علي العثيم جلاجل الجلاجل الشركات الكبرى نجحت في جذب الشباب سلطان العتيبي علي عبدالعزيز غشام البقمي بدر العضيلة د. تركي بن نادر