في الوقت الذي لم تكشف فيه وزارة التعليم، من خلال موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، عن كافة المعلومات المتعلقة حول مراكز الأبحاث العلمية في الجامعات التي تشرف عليها والميزانيات التشغيلية لتلك المراكز وحجم الإنفاق على مؤسسات البحث العلمي، كشفت تقارير عن أن المملكة تحتضن 169 معهدًا ومركزًا بحثيًّا في الجامعات الحكومية، ويتم صرف مخصصاتها في إطار ميزانيات الجامعات، في حين يوجد 25 مركزًا بحثيًّا مدعومًا، من قبل جهات خاصة أو رجال أعمال، ولكن اللافت حقًّا أن يكون لدى الجامعات 238 كرسيًّا بحثيًّا يمولها رجال أعمال، و135 جمعية علمية، ويبقي السؤال الأبرز في قراءة هذه الأرقام، ما هو تأثير هذه المراكز العلمية والكراسي البحثية في معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والطبية التي تعيشها المملكة في ظل الدعم السخي الذي تحظى به هذه الجامعات، من خلال الميزانية المخصصة لوزارة التعليم، والتي تشرف بشكل مباشر على المنظومة الخاصة بمراكز الأبحاث العلمية. ويُطوع الخبراء والمتخصصون منظومة البحث العلمي، من خلال مناهج علمية متخصصة لإيجاد حلول منطقية لمشكلة ما أو تحدٍ قائم، بحيث يتم تحديد الأهداف بصورة واقعية وإجراء الاختبارات الفرضية باستخدام طرق علمية متعارف عليها علميًّا تؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج إيجابية. البحث المطول على شبكة الإنترنت عن أبرز مخرجات مراكز الأبحاث في الجامعات بالمملكة، آثار لدينا التساؤلات الواسعة، والتي ناقشتها «المدينة» مع عدد من المختصين، عن أسباب تواضع النتائج ومحدودية المشاركة في دعم صناعة القرار على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية وغيرها، فضلًا عن تقديم الحلول التي تدفع بهذه المراكز للقيام بأدوار أكثر حيوية في منظومة البناء والنماء التي تعيشها المملكة في ظل رؤية المملكة 2030م. وبالرغم من أن تصريح وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، خلال رعايته إحدى الورش المتخصصة منتصف العام الجاري، حمل التأكيد على أن الجامعات لديها برامج تدعم البحث العلمي، وهو اعتبره بمثابة تحقيق الكثير من الإنجازات، خاصة فيما يتعلق بمستوى النشر العلمي، والأكاديمي، والبحثي ما يجعل عددًا من الجامعات السعودية -على حد وصفه- تتبوأ مكانة متقدمة في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية، إلا أن غياب المؤشرات المتعلقة بحقيقة مخرجات مراكز الأبحاث العلمية في الجامعات على الموقع الرسمي للوزارة على الشبكة العنكبوتية يثير الكثير من التساؤلات حول الأدوار الفعلية التي تؤديها تلك المؤسسات في منظومة الاقتصاد الوطني، وهو ما قاد «المدينة» لفتح هذا الملف. كشف رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس الشورى الدكتور ناصر بن علي الموسى، أن المجلس خلال الأسبوع الجاري بصدد مناقشة تقرير وزارة التعليم الذي يتضمن دور المراكز البحثية والكراسي العلمية التي تحتضنها الجامعات في المملكة، وقال في حديث ل»المدينة»: لابُد من دراسة وتقييم مراكز الدراسات البحثية وقراءة مكامن القوة فيها وتجاوز نقاط الضعف في هذه المراكز البحثية، وأضاف: «ينبغي الاستمرار في هذا المجال والتوسع فيه، ويجب على القطاع الخاص دعم هذا التوجه، وكذلك إنشاء المزيد من الكراسي البحثية ودعمها، مشددًا على ضرورة تقييم أداء تلك المراكز البحثية والكراسي العلمية المتخصصة». وفي سؤال ل»المدينة» عن حقيقة نجاح هذه المراكز البحثية في تحقيق أدوارها، قال: «نتطلع بأن تقوم هذه المراكز بالقيام بأدوار أكبر وأكثر توسعية في المجالات المناطة بدراستها، وذلك في إطار تمكين الجامعات من التركيز على موضوعات مُحددة وتُعنى فيها، من خلال إنتاج الأبحاث والدراسات، خصوصًا أن ذلك يُعد أهم الأدوات التي تُعنى بتحقيق التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية». وقال: «إن قضية البحث العلمي لابد أن تحظى باهتمام أكبر، من خلال الدعم الكافي، ويلاحظ أن الدول التي تُعنى بالبحث العلمي تقدمت عن مثيلاتها اللاتي لا تعير هذا الجانب الاهتمام الأكبر»، وأضاف: يتوجب على تلك المراكز إجراء البحوث التطبيقية ذات الأهمية الكبرى للمجتمع، كما يتوجب من خلال الدراسات وضع الآليات التي تمكنها من التحول إلى منتجات ذات مخرجات مميزة في القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والاقتصادية والطبية وغيرها من المجالات المختلفة. «الموسى»: المراكز البحثية في الجامعات لم تنجح في تحويل الدراسات إلى مخرجات يلمسها الوطن والمواطن شخص أخصائي تقويم التعليم خالد الشهري، وضع مراكز الأبحاث في الجامعات بالمملكة بأن الكثير منها لم يقدم خدمة للمجتمع بشكل خاص أو الوطن بشكل عام، وقال: «بالرغم من تواجد تلك المراكز والكراسي في الجامعات إلا أن أدوارها محدودة جدًّا نتيجة عدد من المشكلات والمعوقات التي لا تمكنها من تحقيق أدوارها الحقيقة»، وأضاف: البعض منها تعاني من قصور التمويل والأخرى تعاني من عدم وجود خطة واضحة، بالإضافة إلى أن بعضها أنشئ بهدف البهرجة الإعلامية. وأشار الشهري إلى الكثير من مراكز الأبحاث، بالرغم من تبنيها مجموعة من الدراسات والأبحاث الهامة، إلا أن بعض تلك الإدارات المسؤولة عن متابعة الأداء البحثي في الجامعات تقف عائقًا، فضلًا عن المشكلات الإدارية والمالية، الأمر الذي يحول أداء تلك المؤسسات إلى مستويات باهتة وهزيلة، وقال: «يتوجب إسناد تلك المهام إلى أشخاص متخصصين يساعدون في تحقيق الأهداف والرسائل التي من أجلها أنشئت هذه المنصات البحثية والكراسي العلمية». «الشهري»: مراكز البحث العلمي مجرد بهرجة إعلامية والتمويل وغياب الخطة أبرز المشكلات أكد الدكتور سعد الحريقي عضو مجلس الشورى، أن هناك قصورًا في منظومة البحث العلمي بالرغم من تنفيذ بعض الأدوار خلال السنوات الماضية، وقال في حديث ل «المدينة»: أعتقد يجب أن تهتم الجامعات بمراكز البحث العلمي لديها خصوصًا وأن الزمن الراهن يستوجب منح المزيد من الأهمية لهذه المراكز بهدف الخروج بدراسات تُعنى بكافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والطبية والهندسية، بحيث يجب الارتكاز على البحث العلمي بصورة أساسية، وأضاف الحريقي: «البحث العلمي هو المعالج للكثير من القضايا، ويجب أن نعتمد على الأبحاث العلمية، ولا يمكن أن يكون هناك تخطيط سليم دون الارتكاز على الجوانب العلمية والبحثية». وفي سؤال ل»المدينة» عن مخرجات هذه المراكز أوضح الحريقي أن الدولة دعمت مؤسسات البحث العلمي، ويتضح ذلك جليًّا في مدينة الملك عبدالعزيز الأمر الذي يستوجب مشاركة الجميع لدعم هذه المنظومة، سواء في المؤسسات العلمية أو الهيئات التي تُعنى بالبحث العلمي. «الحريقي»: البحث عن مصادر لتمويل مراكز الأبحاث لمعالجة القصور الواضح في أدائها أوضح مدير جامعة طيبة الأسبق الدكتور منصور النزهة، أن مراكز الأبحاث في الجامعات يتم تمويلها، من خلال إدارات البحث العلمي، من خلال الكليات في حين يتم تمويل الكراسي العلمية المعنية بدراسة بحث معين ومحدد، من خلال أشخاص، وقال: مراكز الأبحاث في الكليات تلعب أدوارًا كبيرة في إدارة الأبحاث، من خلال تشجيع هذا العمل التكاملي والإشراف على البحوث المدعمة، وتعمل بالتنسيق مع عمادة البحث العلمي لما يدور في الكلية والإشراف على مختلف البحوث. وأشار إلى أن بعض الأبحاث قد تواجه الكثير من المعوقات المالية والإدارية والتي تؤدي إلى أن التوصيات التي تحملها قد لا ترى النور، وهذا الأمر تعاني منه الكثير من الدول ليس الأمر حصرًا على المملكة، ويجب على الباحث نفسه أن يقوم بتسويق البحث والتوصيات وأن يقدم ذلك لأصحاب القرار، وقال: «تطمح الجامعات في الرفع من تصنيفها من خلال الأبحاث العلمية، ولكن في الحقيقة تواجه الجامعات الكثير من المعوقات المتعلقة في توفير وظائف الطاقم البحث العلمي المساعد فضلاً عن تأهيل المختبرات وغيرها الكثير من الإشكاليات ولن نستطيع من توجيه اللوم إلى جامعة أو باحث خصوصًا، وأن هذا العمل يتم من خلال منظومة متكاملة». وفي سؤال ل»المدينة» عن غياب مراكز الأبحاث في دراسة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، أجاب النزهة: «المفترض أن تدعم الجامعات من خلال الكليات لدراسة الكثير من الظواهر، ويجب أن تستشعر الكليات هذا الأمر، كل في تخصصها؛ فعلى سبيل المثال يجب أن تُعنى كلية الطب بدراسة المجالات الطبية في المملكة، بحيث يجب على مجموعة من الباحثين التفكير لوضع حلول لقضية معينة في الشأن الطبي على سبيل المثال وهكذا في بقية الكليات». «النزهة»: الكثير من الأبحاث العلمية قد تواجه المعوقات المالية والإدارية «رشوان»: دور مراكز الأبحاث محدود وتحولت إلى جسر للحصول على الترقيات اعتبر رئيس اللجنة التجارية بالغرفة التجارية بالمدينةالمنورة محمود رشوان، أن دور مراكز الأبحاث في الجامعات بالمملكة محدود جدًّا، ولا تتجاوز مهمتها بتنفيذ الأبحاث البسيطة لبعض الطلاب وترقيات لبعض الأستاذة، وقال: «الجامعات لم تتصدَّ لاحتياجات المجتمع، وتخضع مراكز الأبحاث لخدمة البحث العلمي، ويمكن الاستفادة منها، فإن ذلك للأسف الشديد يكاد يكون معدومًا، وأضاف: «قمت بزيارة عدد من معاهد الأبحاث في الجامعات، وفي الحقيقة، فإن المحتوى هزيل، ويتضح بأن الأمر المهم في الموضوع هو وجود لوحة بالمركز يعمل فيه مجموعة من المتخصصين المتفرغين من التدريس بدون أي نتائج تُذكر». وأشار إلى أن هذا الأمر يقود في نهاية المطاف إلى استنزاف الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي في الجامعات السعودية، وقال: لا بُد من إعادة النظر في ميزانيات البحث العلمي المخصصة للجامعات، بالإضافة إلى تفعيل القطاع الخاص في الشراكة التنموية لتحقيق التضامن بين الجامعات والقطاع والهيئات والمؤسسات والوصول إلى مستويات عالية في البحث العلمي الذي يساعد في منظومة الاقتصاد الوطني. «الأنصاري»: نستورد الغذاء من الخارج أين تأثير مراكز الأبحاث على الاقتصاد المحلي؟ شّن الخبير الاقتصادي عبدالغني الأنصاري، هجومًا لاذعًا على مخرجات مراكز الأبحاث العلمية في الجامعات بالمملكة، وقال في حديث مع المدينة: «أنه من المفترض أن يكون حصيلة ال30 جامعة في المملكة نحو 30 بحثًا علميًّا على الأقل سنويًّا، وبالبحث والتقصي عن مخرجات تلك المراكز العلمية حول القضايا الاقتصادية يتضح أنها لا تملك أي تأثير يُذكر، ولا نعلم ما إذا كانت تلك الدراسات حبيسة الأرفف داخل الجامعات». وطالب المسؤولين عن الجامعات بتعريف المجتمع بمخرجات هذه المراكز التي تحولت معظمها إلى مبانٍ فخمة بدون أي مخرجات تذكر وكذلك استنزاف للموارد المالية للدولة، وقال: «يجب أن تفعل هذه المراكز في الوقت الحالي وتقويم مسارها بالشكل الصحيح أو يتم إغلاقها بشكل نهائي»، و أضاف: لابد من تسويق مخرجات هذه المراكز من خلال الإدارات المعنية بالجامعات، فضلًا عن وجوب تنفيذ دراسات هامة تتعلق بالشأن الاجتماعي والاقتصادي والطبي، بحيث تكون هذه الدراسات مفيدة للمجتمع بعيدًا عن التكرار. وقدم الأنصاري عددًا من التساؤلات حول مراكز الأبحاث، وقال: «ما هو تأثير هذه المراكز على المجتمع؟ الاقتصاد؟ السياسة؟ وما هو تأثيرها في الشؤون الزراعية»، وعلق على القضايا الزراعية، قائلًا: هناك مؤشرات خطيرة عند زراعة المنتجات الزراعية خارج المملكة، كما هو الحال الآن دون الوصول إلى حلول سريعة لمعالجة هذا الخلل.. أين مراكز الدراسات عن تقديم الحلول البديلة لهذا الموضوع والوصول إلى حلول للاستغناء عن الوضع الراهن في استيراد الغذاء من الخارج؟.