استكمالاً للتقرير السابق «جامعاتنا وحكاية التصنيف »، وحتى نتجاوز مسأالة التصنيف التي اختلف في جدواها وجدوى الحديث أو العمل من أجلها الكثير، سيتناول هذا التقرير بشكل محدد «برنامج الكراسي البحثية» لجامعة الملك سعود، وهو البرنامج الذي أطلقته الجامعة في نهاية عام 2007 بشكل منفصل عن «مراكز أبحاثها» التابعة لعمادة البحث العلمي. الجامعة راهنت على هذه الكراسي وتحديداً على ما عبرت عنه ب «المشاركة المجتمعية»، بحيث تكون مصادر التمويل هي “التبرعات والوصايا والهبات والأوقاف، المقدمة من أفراد ومؤسسات هذا المجتمع”، وبحسب تعبير الجامعة أيضاً فإن “هذا المصدر- حتى الآن – أهم مصادر تمويل كراسي البحث”، إضافة إلى مصاد رأخرى كميزانية الجامعة وأوقافها أو«التمويل الذاتي» الذي قد يتحقق من مردود نتائج هذه الأبحاث، علماً بأن حجم تمويل المتبرِع يختلف بالنسبة للأفراد عنه بالنسبة للمؤسسات، ولكنه يتراوح بين خمسة وعشرة ملايين ريال. 2007 إعلان التدشين تحقيقاً لرؤية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي وتعزيزاً لتوجهات المملكة نحو التحول إلي مجتمع يقوم على «المعرفة» أطلقت جامعة الملك سعود برنامج كراسي البحث في 1428/4/1 ه لاستكمال منظومة البحث العلمي في المجالات العلمية والتقنية والإستراتيجية ،والارتقاء بها لتحقيق التميز الإقليمي والعالمي في مجالات البحث والتطوير والابتكار واقتصاديات المعرفة. وقد تم تدشين برنامج كراسي البحث في 22 ذو القعدة 1428 ه الموافق 2 ديسمبر 2007 م. ما هي كراسي البحث ؟ كراسي البحث هي مبادرات علمية متميزة ومؤطرة زمنياً (أربع سنوات قابلة للتجديد) يُكلف بها أحد العلماء المتميزين في مجال علمي محدد للقيام ببحوث معمقة وتطبيقية رائدة على نحو تستفيد منه القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لتزيد من فاعليتها وقدرتها على المنافسة.وتُعد كراسي البحث في الجامعات وسيلة هامة من وسائل استكمال منظومات البحث العلمي في مجالات علمية هامة والارتقاء بها وتحسين قدرتها على الابتكار، وتحويل المنجزات البحثية التي يقوم بها الباحثون في صروح الجامعات إلى “مخرجات عملية” ملموسة يصل أثرها إلى الواقع الحياتي في المجتمع. إضافة إلى أنه قد تم التفاوض مع حوالي عشرون عالماً من الحائزين على جائزة نوبل للسلام من أجل المشاركة في هذا المشروع. وعي المجتمع تقوم هذا الكراسي على ثلاثة، المانح ( المتبرع) وإدارة الجامعة إضافة إلى الباحث العلمي، فهذه هي الأطراف الثلاثة التي تقوم عليها الكراسي البحثية، والتي بدون تكاملها الشفاف والبناء، مالياً وعلمياً وإدارياً، فانه لا يمكن الحديث عن نجاح علمي تنعكس مخرجاته البحثية ك “مخرجات علمية ملموسة يصل أثرها إلى الواقع الحياتي”. يُذكر أنه قبل بداية هذا البرنامج كان هناك الكثير من المتخوفين تجاه “وعي” هذا المجتمع بضرورة التبرع لأبحاث علمية خالصة، قد تنجح في مسعاها العلمي، وقد تتعثر لسنوات طويلة إلا أن العكس تماماً هو ما حدث. 2008 - التبرعات فاقت التوقعات! كشف الدكتور علي الغامدي، وكيل جامعة الملك سعود لشؤون الفروع والمشرف على كراسي البحث لصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 7 ابريل 2008 عن حصول الجامعة على أكثر من 60 كرسي بحث في مجالات متعددة، مؤكدا في الوقت ذاته أن هناك كراسي بحثية أخرى سوف تعلن وتفتح مقراتها وأعمالها البحثية خلال الأشهر القليلة المقبلة.وأوضح الدكتور الغامدي أن برنامج كراسي البحث لقي نجاحاً وإقبالاً لم يكن متوقعا، مضيفا “كنا نتوقع أننا سوف نستقطب عشرة كراس على أقصى تقدير في السنة الأولى لإطلاق هذا البرنامج، وكنتيجة لتجاوب المجتمع بكافة أفراده ومؤسساته مع هذا البرنامج فقد تجاوزنا حتى الآن 60 كرسي بحث، وهو عدد كبير جداً وقد ظهرت بوادر نجاحه”. وأضافت الصحيفة، شهدت جامعة الملك سعود أمس، توقيع كرسيي بحث جديدين في مجال الطب، الأول في مجال أمراض القلب، والثاني في مجال أمراض العيون بقيمة عشرة ملايين ريال تبرع بهما رجل الأعمال المعروف الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد، وهي مبادرة جاءت منه استجابة للنشاط البحثي والحراك الأكاديمي الذي تمر به الجامعة. وقال الدكتور ناصر الرشيد “إن برنامج الكراسي البحثية في جامعة الملك سعود يمثل نقلة نوعية للتعليم في المملكة، وان جامعة الملك سعود مؤهلة للقيام بالدور الريادي في بناء مجتمع المعرفة”، داعياً زملاءه من رجال الأعمال والمقتدرين إلى زيارة الجامعة والنظر إلى ما تقوم به من جهود علمية من خلال الكراسي البحثية، مضيفا “لا أظن أن رجلاً مخلصاً لدينه ووطنه إلا وهو يدرك أن ما تقوم به الجامعة يصب في مصلحته ومصلحة أبنائه ومصلحة الأجيال القادمة”. كراسي البحث تجمع ما قيمته 350 مليون ريال ولجريدة الرياض بتاريخ 13 نوفمبر 2008 كشف وكيل جامعة الملك سعود الدكتور علي الغامدي بأن جامعة الملك سعود حققت أكثر من 350 مليون ريال قيمة كراسي البحث التي دشنتها، موضحاً بأن عدد الكراسي قد تجاوز 65 كرسي بحث في اقل من عام وبأن هناك قائمة من المتبرعين يريدون دعم عدد من كراسي البحث الجديدة التي ستطلقها الجامعة قريباً، وتتابعت الأخبار عبرقنوات الإعلام بتدشين الكرسي تلو الأخر في مختلف جامعات المملكة، دون أن يخلو الأمر من لقاءات واحتفالات وصور ترافق تلك التدشينات والتوقيعات. ولكن الأمر لم يخلو أيضاً من الأقلام التي تعكر أجواء الاحتفالات بتساؤلاتها التي لا تنتهي! 2009 - لماذا حظيت جامعة الملك سعود بالنصيب الأكبر؟! بعد تزايد هذه الكراسي وبشكل ملحوظ بدأ البعض يستفسر حول السبب الذي دفع بهذا التبرعات السخية بشكل أكبر تجاه جامعة الملك سعود تحديداً مقارنة بباقي الجامعات السعودية. يقول الدكتور ابراهيم أبوساق في مقال له في صحيفة الاقتصادية (10 يناير 2009 ) “نجح مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العثمان في جذب الكثير من الدعم من رجال الأعمال لجامعته مستغلاً هذا التحول الثقافي في المملكة. غير أن أحد الأسباب التي شجعت رجال الأعمال على التبرع لجامعة الملك سعود بهذا الكم مقارنة بمثيلاتها من الجامعات يرجع إلى أن الجامعة تقع في العاصمة الغالية القريبة من الجاه الوزاري الذي قد يضفي بعضاً من العزة والغبطة لأهل الجيوب السخية. عاصمتنا الغالية هي مجمع الأنوار الإعلامية، فهذه الأنوار الإعلامية مهمة في عملية التبرع وقد تكون في بعض الأحيان السبب الرئيسي في ذلك”. ولم يقف الأمر عند هذا الحد من التساؤلات، وتصاعد القلق كنتيجة حتمية لاستمرار التبرعات وغياب الإفصاح والتخطيط الواضح تجاه ما سيتم فعله بهذه الأموال، مادياً وعلمياً. 2010 قلق بخصوص إدارة أموال التبرعات قد يقول قائل فيما يتعلق بكراسي الأبحاث الممولة تحديداً من قبل “متبرعين”، بأن أموالها تبرعات خاصة وليست أموال عامة، وبأنها قد خرجت من ذمة المانح لذمة الجامعة وبالتالي فإن مسألة المحاسبة هنا قد لا تكون من اختصاص أحد. هذا المنطق لم يعد هو السائد بحسب التعريفات العالمية ل “المسؤلية الاجتماعية” و”الشراكة المجتمعية” التي تبحث عنها الجامعة. فمن حق المانح أن يُعامل بشفافية تامة، ومن حقه أيضاً أن يحصل على تقارير دورية، تبين ما تم إنجازه وما سيتم، كما أنه لا بد من التأكيد على أن “المجتمع” هو المستفيد الأول والأخير من هذا التبرع، ويصبح من حقه أن يسائل ويتساءل، عما تم وما سيتم انجازه، سواء كان ذلك عن طريق الجهات الإعلامية أو عن طريق أي وسيلة تمثله كرأي عام. حمّى الكراسي البحثية في الجامعات! هذا العنوان حرفياً هو ما اختاره الدكتور سلمان العنقري لمقالته في جريدة المدينة الصادرة بتاريخ 13/08/2010 وفيه تطرق الدكتور لمسألة “التمويل” وكيفية التصرف بالأموال حتى لاينقلب الأمر علي المجتمع ويحدث ما لا تحمد عقباه ،فأبدى تخوفه من أن “تلك الكراسي البحثية قد تكون وسيلة من وسائل ابتزاز المجتمع عندما يكون القائمون عليها «أوصياء» يصرفون من ميزانياتها في شراء أجهزة ومعدات لا تخدم الأبحاث نفسها وإنما قد تخدم أمورًا ليس لها علاقة مباشرة بالأبحاث، أو قد تخدم مصالح شخصية «ضيقة» عن طريق المبالغة في رفع أسعار الأجهزة المطلوبة في تلك الأبحاث، أو إسناد الأبحاث بأرقام فلكية ثم إعطاؤها بالباطن لباحثين آخرين سعوديين أو أجانب بربع التكلفة أو أقل”. 2011 - اقتراح شركات لإدارة وتنمية هذه الأموال محمد الشقاوي في جريدة الرياض 14 فبراير 2011 يقدم الحل بعد تقديمه للمشكلة: ” الجامعات تقوم بالصرف مباشرة من المنح والهبات المالية المقدمة إما بنظام السلفة أو الميزانية المقدمة من المشرف على الكرسي مع بداية كل سنة مالية دون وضع سقف أعلى للصرف أو نسبة محددة من رأس المال في ظل عدم وجود عائد من هذه الأموال في الوقت الحالي. على الجامعات إذاً توظيف شركات محلية وعالمية متخصصة لإدارة واستثمار هذه الأموال وضمان تحقيق عوائد مستمرة ولأطول فترة ممكنة لتلك الهبات والتبرعات مقابل رسوم محددة تحصل عليها تلك الشركات مقابل خدماتها، على أن تقوم الوحدات التنظيمية لإدارة الاستثمار داخل الجامعات باختيار الشركات المناسبة والإشراف عليها ورسم السياسات العامة التي ترغب الجامعات في تطبيقها في عملية الاستثمار تلك”. - الغامدي: لا تقلقوا.. البرنامج يُدر 250 مليون ريال سنوياً! لم يتأخر الرد كثيراً، وبعد ستة أيام فقط (20 فبراير 2011) من تاريخ المقال أعلاه يُطمئن الدكتور علي الغامدي ويؤكد على الإدارة الجيدة للأموال بتصريح لصحيفة الاقتصادية قال فيه: “كرسي البحث يدر 250 مليون ريال سنوياً.. وبرامجه ليست وقتية”، ثم تابع قائلاً ” أصبح برنامج كراسي البحث يمتلك «محفظة استثمارية». وقد استثمرت تلك المبالغ ضمن برنامج مشروع الأوقاف، وستدر على البرنامج أكثر من 250 مليون ريال سنوياً. ومن إنجازات برنامج كراسي البحث الوقفية إنشاء برج فندقي بنحو 246 غرفة فندقية فئة خمسة نجوم، وأيضا برج أجنحة فندقية لا تقل عن 76 جناحا. ولقد وقعت الجامعة مع شركة هيلتون العالمية لإدارة وتشغيل هذه المجموعة”. هذا التصريح يمكن وضعه تحت «بند الأمنيات» فقط ،فهو لا يقدم إجابات «محاسبية» شافية أو تطمينات اقتصادية، أو حتى نتائج علمية بحثية علي أرض الواقع، بقدر ما يقدم أرقاماً كبيرة تضاف لأرقام التبرعات الأكبر، فأموال التبرعات الخاصة بكراسي الأبحاث اختلطت بعد هذا التصريح بأموال الأوقاف، أما فيما يتعلق بالمحفظة الاستثمارية، فهذا قلق يضاف إلى قلق، وخصوصاً أننا لم نعلم بعد، ما رأي مانحي الأموال بهذا التصرف، كما أننا لا نعلم عن مدى نسبة المخاطر البنكية المحتملة لمثل هذا التصرف! - بعد تحقيق الإنجازات: المطالبة بتحويل الكراسي إلى مراكز بحثية! كما تحدث الدكتور الغامدي عن «إنجازات» البرنامج خلال الفترة الماضية، موضحاً أن “هناك تحديا دائما ومستمرا، وهو التحدي من أجل تحقيق الإنجاز. وقد لاحظنا جميعاً وجود برنامج كراسي البحث خلال تكريم المتميزين من منسوبي الجامعة نظراً لما حققه من نجاحات وإنجازات, حيث بلغ عدد الكراسي المكرمة نحو 17 كرسيا, كما أن ثلث الإنتاج البحثي في 2010 في( ISI ) كان من نتاج كراسي البحث, وهو ما يعطي مؤشرا على أهمية هذا البرنامج والذي لا يعتمد في نفقاته على تبرعات رجال الأعمال أو على الميزانية، بل يعتمد على ذاته”. وفي 30 مارس 2011 يطالب الدكتور الغامدي من خلال صحيفة الحياة ب “تحويل الكثير من كراسي البحث الطبيّة إلى مراكز بحثية، والعمل على التمويل الذاتي لها من خلال المشاركة المجتمعية”. الآن وبعد ما يقارب الأربع سنوات من بدء البرنامج، أصبحنا بالتأكيد نعرف أن «المشاركة المجتمعية» تعني فقط المزيد من التبرعات من قبل أفراد ومؤسسات المجتمع دون أن يقابلها أي إفصاح أو تقارير وخطط واضحة من قبل من يدير هذه الأموال ويعمل عليها، باستثناء بعض الأرقام الصحفية التي لا نراها هي أيضاً إلا كردة فعل تجاه أي انتقاد داخلي أو خارجي، وتقرير ساينس خير شاهد فلن أستطيع هنا إحصاء التصريحات التي ظهرت فقط خلال النصف الأخير من شهر ديسمبر 2011، وتحديداً بعد تقرير ساينس، فقط من أجل إحصاء براءات الاختراع والأوراق العملية أو البحثية التي «أدرجتها» جامعة الملك سعود في قاعدة البيانات( ISI ) ، وكأن هذه الأوراق للتو ظهرت! النشر العلمي و ال (ISI ) لا يمر تصريح تقريباً دون أن يذكر الدكتور الغامدي ما وصل إليه «النشر العلمي» في الجامعة عن طريق تعداده لما تم إدراجه من مجلات علمية أو أبحاث في قواعد البيانات ( ISI )، فما هي هذه ال( ISI) وماذا يعني النشر فيها وهل النشر عن طريقها مسألة بالغة التعقيد كي تستحق كل هذا التركيز والفخر؟ هي اختصار ل «Information Sciences Institute» أو معهد علوم المعلومات. وهي إحدى قواعد البيانات العلمية المنتشرة على الانترنت، والتي منها ماهو مجاني ومنها ما هو مدفوع ،( ISI ) من النوع الثاني المدفوع، والذي يلزمه “اشتراك خاص” يتيح لأعضاء هيئة التدريس وباحثيها التعامل مع هذه القاعدة، وبالتالي فهي متاحة للمشتركين فقط وغير متاحة كمعرفة مشاعة للجميع. قواعد البيانات عموماً (المدفوعة والمجانية) من مهامها أنها تسهل عملية البحث عن طريق تصنيف المعلومات وتوفيرها في مكان واحد، حتى لا تتشتت جهود الباحث، فتمكنه من الاطلاع على آخر ما نشره الآخرون واتمام بحثه في ذات الوقت، وفي ذلك توفير عظيم للجهد، فالباحث حينها أشبه ما يكون في مكتبة تفاعلية يتم تحديثها لحظة بلحظة. تتميز ال ISI عن غيرها من قواعد البيانات بحضور قوي لمجلات وبحوث علمية معتبرة معرفياً وعالمياً، ولكن يبقى أن نذكر، أنه وإن كان هناك معايير متفاوتة (أغلبها تركز على استدامة النشر) لإدراج المجلات أو البحوث العلمية فيها، إلا أن النشر فيها ليس بالأمر الذي يعني أن هناك تميزاً غير عادي لهذا البحث أو المجلة، إذ أن الغرض الأهم من هذه القاعدة، آلي بحت، من أجل توفير المعلومات وتسهيل عملية البحث، كما أن التواجد فيها ومشاركة الآخرين آخر البحوث والنتائج يعطي للجامعة حضور أكاديمي مطلوب، ومؤشر جيد لمعايير التصنيف، لا نستطيع أبداً إنكاره عليها في ظل سعيها الطموح نحو «ريادة عالمية» نريدها لها كما نريدها لباقي جامعاتنا. برنامج يدر الأموال والأوراق البحثية فيما مواقعه الإلكترونية ماتزال تحت الإنشاء! لا أقلل من ضرورة التعامل مع قواعد البيانات عموماً بل على العكس، هذا هو المطلوب من أجل «توليد المعرفة» ومن أجل السعي نحو «مجتمع المعرفة»، ولكن النشر العلمي في مجتمع المعرفة ليس بالمسألة التي تعتني فقط بقاعدة بيانات واحدة ومغلقة، ثم تهمل أقرب قريب، تهمل موقع الجامعة، وتحديداً مواقع الكراسي البحثية نفسها، التي بالرغم من أن “أموالها” هي التي وفرت قدرة مالية (كجوائز ودورات) لتشجيع الباحثين على النشر، و”أوراقها” هي التي دعمت هذا التواجد البحثي الذي ساعد على رفع التصنيف، ومع كل ذلك فإن مواقعها الإلكترونية لم تحصل على شيء، فبرغم ما قاله عنها الدكتور محمد الودعان (مساعد وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي)، في لقائه مع نشرة برنامج الكراسي البحثية (3-10 -2011 ) : “أصبح للكراسي البحثية مواقعها «المتميزة» علي الانترنت حيث تنشر من خلالها أفكارها وتتلقى «ردود الفعل» من المهتمين بمجالاتها”، إلا أن الواقع يظهر عكس ذلك تماماً! 1- التصريحات الصحفية تتحدث عن كراسي بحثية تجاوز عددها المائة كرسي فيما موقع البرنامج لا يحتوي إلا على 64 رابط كرسي بحثي فقط. 2- لا يكاد يخلو موقع كرسي من رسالة وهدف ورؤية، وكلام إنشائي جميل، فيما الكثير من التقارير والإنجازات ما إن تطلبها حتى تتفاجأ بعبارة ” قيد الإنشاء”. 3- حين تُذكر بعض الأوراق البحثية في بعض الكراسي فإنها لا توضع بروابطها أو دراساتها البحثية كاملة بل يُكتفى بالإشارة إلى المجلات التي نشرتها بالتاريخ والصفحة. 4- كثير من مواقع الكراسي من الواضح جداً أنها لم تُحدث بياناتها ومعلوماتها منذ فترات طويلة، فكيف لي كمهتم أن أطمئن بأن العمل على هذا الكرسي ما يزال جارياً. 5- هناك الكثير من الأخبار العابرة عن عقد ندوات أو مؤتمرات، ولكن دون أي أوراق علمية أو تقارير تقدم تثقيف أو«معرفة»، يمكن أن يستفيد منها زائر الموقع أو المهتم والباحث. ختاماً ليس القصد من هذا التقرير الإساءة إلى كيان ما أو شخص بعينه، واختيار «كراسي بحث» جامعة الملك سعود كان نموذجاً فقط، نستطيع تعميمه في أمور كثيرة بالنسبة لباقي جامعاتنا، فغياب المعلومة المالية والعلمية في وقت نسعى فيه جميعاً من أجل «مجتمع المعرفة»، كان هو الدافع لاستقصاء هذه التصريحات والملاحظات، التي أوردتُ بعضاً منها كما هو وعلقت على البعض الآخر، بعد أن حاولت قدر الإمكان وضعها وفق إطار زمني لم أختره، بل اختارته الجامعة حين قالت عن هذه الكراسي أنها “مؤطرة زمنياً بأربع سنوات قابلة للتجديد”،ومع ذلك بإمكان القاريء الكريم الآن سؤال أي مواطن عن ما يعرفه عن هذا البرنامج وما قدمه، ليقيس حجم المعرفة التي قدمها هذا البرنامج عن نفسه، فضلاً عن ما قدمه للمجتمع، فكلنا خشية أن يصبح هناك لاسمح الله – أثر سيء لهذه التجربة الواعدة والجديدة، على المجتمع ومانحيه، لذلك يبقى أملنا في «التجديد» وثقتنا في القائمين عليه من أبناء هذا الوطن كبيرة جداً. البحث العلمي | برنامج كراسي البحث | جامعة الملك سعود