للفساد أوجه متعددة، قبيحة كلها، تنهش في جسد البلاد وتأتي على خيراته، وتضر الاقتصاد الوطني، فالغني يزداد غنًا، والطبقة المتوسطة تنحسر، ويزداد الفقر والفقراء، مما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية وأمنية كثيرة. ومن أقبح أوجه الفساد: الرشوة؛ وهي طلب أو قبول أو أخذ مقابل، مادي أو معنوي، للقيام بعمل من أعمال الوظيفة -حتى لو كان قانونيًا-، أو الامتناع عنه. ومن أوجه الفساد: اختلاس المال العام، والتصرف به من غير وجه حق؛ والاستجابة للواسطة، أو التوصية، أو الرجاء، لمساعدة شخص للحصول على منفعة لا يستحقها قانونًا، أو لإعفائه من القيام بما هو مفروض عليه قانونًا؛ ومن أوجه الفساد أيضًا: استخدام الموظف لنفوذه أو سلطته للحصول على وظيفة، أو عقد، أو ترخيص، أو ميزة من أي نوع، له أو لغيره. والعقوبة على أغلب هذه الجرائم هي السجن لمدد مختلفة -يقررها القضاء-، أو الغرامة، أو كلاهما، ومصادرة الميزة أو الفائدة موضوع الجريمة، متى كان ممكنًا. وقد يستشكل البعض إطلاق اللجنة العليا الخاصة بقضايا الفساد في المال العام سراح بعض موقوفي «الرِتس»، مقابل إعادة ما حصلوا عليه من أموال الدولة دون حق، من دون إحالتهم إلى القضاء، لتقرير العقوبات النظامية بحقهم! وأوضح، أن السند القانوني للجنة في ذلك: صلاحية مهمة جدًا، خولها إياها الأمر الملكي الكريم القاضي بتشكيلها، وهي صلاحية تقرير ما تراه محققًا للمصلحة العامة مع الذين يتجاوبون معها، ولعل اللجنة ارتأت في التسويات المالية تحقيق مصلحة البلاد: فهي بهذه الطريقة تعيد أموال الدولة المسلوبة، وتردع من تسوِّل له نفسه التعدي على المال العام، أو التفريط فيه. والتسويات توجه عملي بامتياز؛ فاللجنة وازنت بين استعادة مليارات بطريقة سلسة وقانونية، وبين المسلك التقليدي بإحالة المتهمين إلى القضاء، وانتظار إصدار أحكام -على من يدان منهم-، لن تتعدى السجن لعشر سنوات، وغرامة لن تتجاوز مليون ريال، ولعل اللجنة رأت أن المسلك التقليدي أقل جدوى، فالبلاد لن تستفيد من سجن هؤلاء -بل ستنفق عليهم أثناء سجنهم-، كما أن الغرامات التي ستُحصل منهم زهيدة جدًا مقارنة بالأموال المسلوبة، فاختارت التسوية، وثَم المصلحة العامة. وقد يرى البعض أن التسوية مع الموقوفين، وهم في «الرِتس» فيها تساهل معهم، ونجاة لهم من العقوبة القانونية، وهذا غير صحيح؛ فالعقوبة هنا متحققة بانتزاع أموال وأملاك عزيزة على أنفس الموقوفين، ناهيك عن الضغط النفسي الفظيع المصاحب للتحقيق والحبس، وهو يفوق أي عقوبة أخرى. عافانا الله وإياكم.