أثار أستاذ اللسانيات بجامعة الباحة الدكتورُ جمعان عبدالكريم في حسابه على تويتر قضيةً أحسب أنها جديرة بالمكاشفة. القضية المثارة تتمثل في اتجاه بعض الجامعات (للاكتفاء المناطقي)؛ بحيث تكتفي الجامعة بخريجِي ثانويات المنطقة التي تتبعها إداريًّا وخريجاتها دون غيرهم، مهما ارتفعت الدرجات (الموزونة) لخريجي ثانويات المناطق الأخرى وخريجاتها، ومهما كان قربهم من جامعة المنطقة التي لا يتبعونها إداريًّا. إنْ (أَحْسَنَّا الظنَّ) فيمكن القول إن الحجة التي بنت عليها الجامعات التي بادرت بتبني قرار الاكتفاء المناطقي -ووافقتها الوزارة- هي وجود الجامعات في مناطق المملكة كلها، حتى وصل لأكثر من جامعة (حكومية وأهلية) في بعض المناطق، وعلى هذا فيبدو أن الجامعات التي تبنَّت قرار الاكتفاء المناطقي ظنت أن مجرد وجود جامعة في المنطقة يعني أنها ستفي بالتخصصات كلها وستلبي الرغبات جميعها، وغاب عن أذهان مسؤولي الجامعات متبنية قرار الاكتفاء المناطقي أن الجامعات في معظم المناطق جامعات ناشئة وقد لا تتوافر فيها التخصصات المرغوبة جميعها؛ نظرًا لإمكاناتها المحدودة، ما يعني رضوخ الطالب والطالبة لتخصصات غير مرغوبة وليست هي منتهى طموحاتهم، وغاب عن أذهانهم أن اكتفاء الجامعة بطلاب منطقتها وطالباتها يعني أن (المتردية والنطيحة) منهم سيكونون على قَدم المساواة مع المتميزِين حينما تعمد الجامعة -تحت إلحاح قرار الاكتفاء المناطقي- لقبول الطلاب والطالبات ذوي النسب المتدنية في تخصصات نادرة -متى توفرت- في حين الأحق بها الطلاب والطالبات ذوو النسب المرتفعة في المناطق الأخرى، وغاب عن أذهانهم التداخل الإداري الحاصل بين بعض مناطق المملكة؛ فعلى سبيل المثال نجد أن (محافظة العُرْضِيَّات) القابعة أقصى جنوب منطقة مكةالمكرمة تقع بين منطقتَي الباحة وعسير، وتبعد عن جامعة الباحة في العقيق مسافة (150كم) وتبعد عن جامعة الملك خالد في أبها مسافة (200كم) بالتالي فالجامعتان أقرب إلى العرضيات من جامعتَي أم القرى والملك عبدالعزيز اللتين تبعدان عن العرضيات مسافة (430كم)، ولو قيل إن الكلية الجامعية في القنفذة التابعة لجامعة أم القرى قريبة من العرضيات فبالمقابل يمكن القول إن فروع جامعتَي الباحة والملك خالد (في القطاع التهامي) هي الأقرب للعرضيات، وعليه فالأَولى والأيسر لطلاب العرضيات وطالباتها أن يلتحقوا بها بدلاً من الكلية الجامعية بالقنفذة. المنطق يقول إن طلاب محافظة العرضيات وطالباتها -نظرًا للتداخل الإداري- ينبغي أن يكونوا استثناءً؛ فيحق لهم الالتحاق بجامعتَي الباحة والملك خالد وفروعهما وذلك لقربهما وفروعهما من العرضيات -مع أن جامعة الباحة لا زالت تقبل مشكورة طلاب العرضيات وطالباتها- ولكن يبدو أن الخناق عليهم بدأ يضيق لأمر نجهل حيثياته ونخشى عواقبه. والمنطق الأقوى يقول إن من أبسط حقوق طلاب العرضيات وطالباتها أن يكون لديهم كلية جامعية متكاملة الأقسام.. ولكن. طريقة القبول في الجامعات كما يذكر الدكتور جمعان «ضد الطموح، وضد المجتمع، وضد تمازجه، وترسيخٌ للفصل والطبقية». ولعل العجب يزول حين تم -قبل فترة- تداوُل مقولة لأستاذ بإحدى الجامعات العريقة حين قال إن (أبناء الجنوب) زاحموا -بدرجاتهم العالية- أبناءنا على القبول في الجامعات، وأعقبَ ذلك استحداث جامعته والجامعات الأخرى (السنةَ التحضيريةَ) التي تكشَّفت مآربها الخفية، ثم خرجوا علينا بقرار (الاكتفاء المناطقي)، وأخشى أن يتطور الأمر مستقبَلاً فيَخرجوا علينا بقرار (الاكتفاء المديني) بحيث يُكتَفى بقبول طلاب مدينة الجامعة وطالباتها فقط، ثم يختتموا قراراتهم بجعل أولوية القبول لأبناء أساتذة الجامعات وبناتهم، وما زاد فللغلابا !!