نكأت قصة زايد الغفراني المري العالق على الحدود القطرية السعودية منذ قرابة الشهر جراح قبيلة الغفران وأعادت إلى الأذهان قصة جريمة التشريد التي ارتكبتها الحكومة القطرية قبل 20 عامًا بحق ستة آلاف مواطن قطري يمثلون قبيلة الغفران بحجة الشك في انحيازهم للحاكم الأسبق الشيخ خليفة خلال محاولته العودة إلى سدة الحكم بعد انقلاب ابنه حمد بن خليفة عليه آنذاك. وقد فوجئ الشاب «الغفراني» الذي قدم جوازه القديم للسلطات القطرية على المنفذ بغية العودة إلى وطنه، بسحب الجواز والبقاء تحت درجات الحرارة الخمسينية دون أي رحمة مما دعا منظمات دولية لتوجيه نداء إلى السلطات القطرية للسماح لزايد المري بالدخول لمراجعة قرار تجريده من جنسيته وإعادتها إليه. الدوحة تشرد المستضعفين قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: «لا تبرر التظلمات القطرية في النزاع الخليجي تشريد المستضعفين في الصحراء. وبدأت مشكلة قبيلة الغفران القطرية، تلوح على السطح الحقوقي والإنساني منذ عام 1996 عقب طرد قرابة ستة آلاف قطري بشكل همجي ولا إنساني وسحب ممتلكاتهم بالكامل. علاقة «الغفران» بقطر تنحدر قبيلة الغفران من قبيلة «آل مرة» وهي من أقدم القبائل التي سكنت قطر منذ مئات السنين، وكانت على علاقة قوية ب»آل ثاني»منذ عهد المؤسس الأول الشيخ قاسم بن محمد ومن تبعه من الأسرة الحاكمة. ومنذ تولى الأمير خليفة بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم عام 1972 بعد عام من الاستقلال فتح الباب لكل من لديه رغبة في اكتساب الجنسية من أقارب القبائل والأسر المعروفة في الدولة من دون مطالبتهم بجنسياتهم السابقة فوفدت بطون وأفراد من السعودية والبحرين وإيران واليمن ودول أخرى وحصلوا على الجنسية واستقروا في الدولة ولم يطالبوا بالتخلي عن جنسياتهم السابقة، ولم يسألوا عنها أبدًا. «الانقلاب الحمدي» استمر أفراد القبيلة في قطر مشاركين في تنمية هذه الدولة حتى حلول عام 1996م عندما انقلب حمد بن خليفة على والده، وطرده من الحكم. وأعقبت ذلك محاولة إعادة الحاكم السابق للسلطة، التى قام بها بعض ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة، الذين يرون أن الشيخ خليفة هو الحاكم الشرعى للدولة، وأدوا القسم القانوني بالولاء والطاعة له. ومن هنا بدأت المشكلة، وكعقاب جماعي لستة آلاف شخص من «الغفران»، قامت السلطات القطرية باتخاذ خطوات لنزع الجنسية بشكل جماعي عنهم وعن أولادهم بل وعن آبائهم وأجدادهم المتوفين بأثر رجعي. وجاءت كل تلك الإجراءات لجميع ذلك الفرع منذ محاولة خلع حمد بن خليفة إذ اتهم أفراد تلك القبيلة بالمشاركة في ذلك الانقلاب واعتبرت قطر أفرادها بمثابة «تهديد لأمن قطر». «كذبة الجنسيتين» وكشف أبناء «الغفران» أن حملهم لجنسيتين ليس هو السبب الحقيقي للمأساة، حيث ما زال الآلاف من قبائل أخرى يحملون أكثر من جنسية بجانب جنسيتهم القطرية، بل إن السبب الحقيقي هو الانتقام بسبب الشك في مشاركة بعض أفراد هذه القبيلة في الانقلاب الفاشل. وقال مسعود المري أحد المتضررين من التهجير في لقاء صحفي سابق: «التنكيل» الذي تعرض له»فخذ الغفران»بدأ عام 1996 بعد تولي حمد بن خليفة آل ثاني الحكم، وحاول الأب استعادة حكمه بمعاونة بعض الأفراد من ضباط الجيش والشرطة، ولكن الفشل كان من نصيب تلك المحاولة. وبعدها اتهمت السلطات «الغفران» بالتحريض والتخطيط لها باعتبار أن عددًا كبيرًا من المشاركين فيها من الضباط كانوا من أبنائها، في حين برأت ساحة آخرين من أبناء القبائل الأخرى مثل اللواء بخيت العبدالله القائد الميداني للمحاولة الانقلابية واخيه عمر من الضباط المشاركين في تلك المحاولة وبعض الضباط من قبيلة كوارة وآخرين من قبيلة المهاندة، وذلك لأسباب اجتماعية أو لقرابتهم من مسؤولين مقربين من الأمير الحالي. «الكذب القطري» واتهمت إدارة الهجرة والجوازات القطرية هؤلاء الأشخاص بأنهم يحملون الجنسيتين القطرية والسعودية دون غيرهم من القبائل، والأسر الأخرى، بينما لا تزال بعض القبائل تحتفظ بالجنسية السعودية والبحرينية والإيرانية، وسارية المفعول، ولم يتخذ بحقها أي إجراء لأسباب معروفة لمن له قلب سليم، وهذا الاتهام يسمى بالمصطلح الحديث «التمييز العنصرى». تزوير الوثائق وفي ظل النوايا المبيتة للتهجير القسري لستة آلاف إنسان؛ قامت السلطات القطرية باستبدال الوثائق التى تنص على أن «الغفران» قطريون، حيث وضعوا بدلًا عنها وثائق تشير إلى أن الجنسية الحالية سعودية. وكشفوا أن التعديل أدارته الحكومة القطرية وحدها بدون وجود أي أوراق رسمية سعودية، وأنه بعد تغيير جميع الأوراق ألقي بهم عند الحدود السعودية، ووجدت السلطات السعودية مجموعات بشرية تجاوزت 6 آلاف نسمة يحملون أوراقًا قطرية تفيد بأنهم سعوديون، بينما لا يحملون أي مستند قانوني سعودي يؤكد ذلك، وبالتالي فإنها وأمام هذا المأزق الإنسانى؛ قبلت السلطات السعودية دخولهم إلى البلاد. سجون الدوحة على الفور وبدون محاكمات؛ زج بهؤلاء الأشخاص فى السجون، ولفترات طويلة، حيث مورست عليهم صنوف الإهانة، وبعد سنوات تمت إحالتهم إلى القضاء، والذى افتقد فى بعض أحكامه العدالة، وصدر كثير من التناقضات فى الأحكام، وبعضهم منع من دخول البلاد لفترات طويلة، ومن بعد ذلك أسقطت جنسياتهم، والبعض الآخر لما علم أن جنسيته أسقطت، وهو في خارج البلاد وممنوع من دخولها، تجرأ وفرض أمره كواقع على المنافذ البرية والمطارات، فقامت الأجهزة الأمنية بوضعه في سجن الإبعاد، كمجهول للهوية، هذا وقد تصرفت الدولة مع كل من له صلة قرابة قريبة كانت أم بعيدة، حتى وإن كان يحمل جنسية دولة أخرى بتصرفات لا تعكس الصورة الحقيقية لشعاراتها الزائفة التي تملأ أبواقها الإعلامية. مأساة 972 أسرة قطرية وطالت قرارات نزع الجنسية التعسفية والمخالفة للقوانين والأعراف الدولية، التي تعرضت لها «الغفران» 972 رب أسرة وامتدت لتشمل جميع أفراد عائلاتهم بالتبعية والبالغ عددهم نحو ستة آلاف فرد هم عدد أبناء «الغفران» بأكملها. وتبعت تلك القرارات إجراءات حكومية بفصلهم من أعمالهم ومطالبتهم بتسليم المساكن التي يقيمون فيها كمواطنين وحرمانهم من جميع امتيازات المواطنة من علاج وتعليم وكهرباء وماء وأعمال تجارية، ومطالبتهم عن طريق الجهات الأمنية المختلفة بتصحيح أوضاعهم كمواطنين غير قطريين. جريمة 2004م واستمر ذلك التعسف والقهر منذ 1996م حتى عام 2004م، حين صدر القرار التعسفي الكبير، والذي ينص على إسقاط الجنسية عن عدد كبير جدًا من ضمن أبناء قبيلة آل مرة، ليتبع ذلك إنهاء خدمات من هم على رؤوس أعمالهم، ومطالبتهم بتسليم المساكن التي يقيمون فيها كمواطنين، وقيام الجهات الأمنية بدور نشط لم يسبق له مثيل حتى في التعامل مع أصحاب الجرائم والسوابق، وذلك بتكرار الاتصال بالأسر والعوائل فى البيوت، والتهديد بالاعتقالات، والمداهمة الفعلية لحرمة البيوت، واعتقال بعض الأشخاص من المساجد. نداءات حقوق الإنسان وقد ظلت الحكومة القطرية تتجاهل كل نداءات الجمعيات الإنسانية، والمنظمات الحقوقية التي تطالب بوقف هذا التنكيل بالإنسان القطري، وتابعت منظمات لحقوق الإنسان تطورات الوضع المأساوي المترتب على القرار الصادر من الحكومة القطرية في حق الأسر القطرية. وأصدرت اللجنة الدولية للدفاع عن المتضررين والمهجرين القطريين من قبيلة «آل مرة»، بيانًا من لندن ناشدت فيه أمير قطر دفع الظلم الذى لحق بمواطنيه من قبيلة «آل مرة» ورد اعتبارهم. ودعت اللجنة كافة الشرفاء والغيورين من مناصري حقوق الإنسان إلى مناصرة ومؤازرة إخوانهم من «آل غفران» المتفرعة من قبيلة «آل مرة» في محنتهم التي يمرون بها. ووصف بيان اللجنة ما أقدمت عليه السلطات القطرية بأنه «تشريد وطرد وسجن وحجر على الأموال»، مشيراً إلى فصل من جميع الوظائف وقطع الماء والكهرباء والهاتف، وإخراج المرضى من المستشفيات، ومنع «آل غفران» من التصرف بأملاكهم الخاصة. وقال البيان إن هذه الممارسات انتهاك فاضح لحقوق الإنسان، حيث تم تشريد فرع كامل من قبيلة «آل مرة» بشكل موغل في التمييز العنصري، من خلال تجريدهم من جنسيتهم التي طالما اعتزوا بها، كما أنهم كتبوا جزءاً كبيراً من تاريخ قطر بدمائهم.