الجهل المحدود كالجهل بلغةٍ أو بصنعة، والجهل المطلق ضدُّ الوعي، لا يفقه صاحبه شيئًا. الجاهل قد ينتبه يومًا ويستجيب بقدر ذكائه وهمته حتى يمسك بالأسباب ولا يدور في مكانه، فيسلك طريقًا واضحة في معيشته. والمتحدث فيما لا يعلم، في السيارات وخصائصها، أو في التاريخ مثلا، قد يتوقف ويستجيب للملاحظات والتصويبات، وهذا من نعم الأدب الذي يزين الجاهل فيجعله محمودًا مقبولًا. وإذا فقد الجاهل الأدب فقد كل شيء ثم تشبث بكل شيء. يريد خانةً في سائر أوجه الحياة، يظن نفسه ذا رأي وتصرُّف، فيتعدّى ويؤذي. لا يرعوي عن جدال فقيه وأديب وخبير، لا يتورع عن الجلجلة بين القاصي والداني. وإذا فُسح له في الكلام وسُكتَ عنه انقلب جهولًا، كابوسًا وبليّة، يؤمن أنه بلغ شأنًا في المجتمع، وبأن له مكانة وعقلًا، فيقتحم حرمات البيوت، ويتصدر المجالس، يتلقّط الأسرار ويتسلّط بآرائه ويتدخّل بفتاويه، يقعد في كل صغيرة وكبيرة، وينتزع حقوق غيره بلا رادع، وليس له من ذخيرة إلا التأليف والادعاء والغيبة والنفاق، والأيمان الغليظة، كطفلٍ وضعته أمام مجهار الصوت وخلف مقود سيارة. المبتلى بجهولٍ مؤذٍ متطاول كهذا في شخص زميل أو صديق أو غيرهم، ووسط جماعات تقصُرُ سذاجتها وكرامتها عن نصرة الجهول بكفّه وإقصائه، وتُمعن بالالتصاق به، بل تبجّله وتنزهه ادعاء حبهم، فليس للمبتلى العاقل الأبيّ الذي لا يجد لغة تواصل، ولا وعيًا ولا فكاكًا ولا خيرًا، إلا الحوقلة والترجيع مع كل نَفَس للرابطة التي أوقعته مع ذاك وأولئك، وتمنّي الحياة بغير حالٍ، مع الهجر الجميل، حتى يحصل فرج من الله.