حذّر فضيلة الشيخ محمد السعيّد إمام وخطيب جامع سلطانة من مغبة التخاذل عن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن الأمر والنهي عن المنكر من اختصاص رجال الحسبة فقط ، وفند هذا القول أن على كل واحد مسؤولية في ذلك فإذا رأى منكراً وجب عليه تغييره على قدر علمه واستطاعته محذراً من مغبة الوقوع فيما وقعت فيه الأمم الغابرة الذين قصهم الله علينا في القرآن ممن تهاونوا بشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمقتهم الله ولعنهم ، لأن الرجل يلقى الرجل على المعصية فيقول اتق الله يا هذا فيلقاه من الغد فلا يمنع أن يكون أكيله وجليسه وشريبه فغضب الله عليهم ولعنهم على ألسنة أنبيائهم وضرب على قلوب بعضهم ببعض. تفسير الخيرية استشهد فضيلته في مطلع حديثه بما ذكره ابن كثير رحمه الله حول تفسير الآية {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } وقال لقد ورد في مسند الإمام أحمد ان رجلاً قام الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر فقال يا رسول الله: من خير الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أقرؤهم واتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وآصلهم للرحم) وروي ايضاً عن ابن عباس حول هذه الآية قال: هم الصحابة الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، قال ابن كثير والصحيح ان الآية عامة للأمة كلها على حسب قرونهم فأفضل القرون القرن الذي بعث فيهم رسول الله صلى الله لعيه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، مشيراً فضيلته الى ان هذه الأمة مُيزت وفُضلت على غيرها بميزات عظيمة ومن ذلك ميزت بنبيهما محمد صلى الله عليه وسلم فهو أفضل الأنبياء والرسل ومن درج على وجه الأرض وجاء بشريعة كاملة عامة يدخل كل البشر فيها ويؤمن به الثقلان (الجن والإنس) وأرسل للناس عامة. عظم الشعيرة بعد ذلك تطرق الشيخ السعيد لبيان عظم هذه الشعيرة موضحاً أنها صمام الأمان ومركز النجاة لكثرة ما ورد من النصوص في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد عده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام ومبانيه العظام بغيره لا يستقيم الدين ولا تستقيم الملة وبه يعلو علم الجهاد وبه ينتصر على الأعداء فلهم من أسباب التمكن في الأرض ، مؤكداً فضيلته أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب قبول الدعاء ومن أسباب تجنب الأمة للويلات والنكبات والعذاب لما ورد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده -وهذا قسم منه صلى الله عليه وسلم وهو لا يقسم إلا على أمر ذي بال- ، لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعونه فلا يستجيب لكم) رواه الإمام أحمد والترمذي، ويقول الله سبحانه وتعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي لينبري منكم مجموعة من الناس يتصدون للمنكرات يدعون الى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فذلك من أسباب السعادة والعز والتمكين في الأرض، إذ ان النصر والتمكين في الأرض من أسبابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. صفات المؤمنين بعد ذلك بين فضيلته ان من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه خمس صفات ومن ضمنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب الرحمة مبيناً السعيد ان الله جل وعلا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصلاة والزكاة مع أنهما أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وما ذلك إلا لأهمية هذه الشعيرة وعظمها عند الله ولأن الأمر بالمعروف يدخل فيه الأمر بالتوحيد ويدخل في النهي عن المنكر والنهي عن الشرك. شبهة ورد وبعد عرض الشيخ السعيد أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطرق لشبهة قد ترد وتصدر من بعض الناس فقد يقول قائل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اختصاص رجال الحسبة او رجال الهيئة فقال فضيلته نرد على أمثال هؤلاء ونقول كل واحد مسؤول إذا رأى منكراً وجب عليه تغييره على قدر علم المرء واستطاعته وقد يكون فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين وذلك في العموم، ويكون فرض عين إذا لم يعلم بهذا المنكر إلا شخص واحد فيكون في حقه فرض عين أولاً يستطيع تغير هذا المنكر إلا هذا الشخص فيكون في حقه فرض عين ، كالقاضي في قرية أو في بلدة نائية فيكون عليه مسؤولية عظيمة في تغيير المنكرات في تلك لئلا نقع فيما وقعت فيه الأمم الغابرة الذين قصهم الله علينا في القرآن ممن تهاونوا بشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فلقد مقت الله أمة من الأمم ولعنهم لأن الرجل يلقى الرجل على المعصية فيقول اتق الله يا هذا ، فيلقاه من الغد فلا يمنع أن يكون أكيله وجليسه وشريبه فغضب الله عليهم ولعنهم على ألسنة أنبيائهم وضرب على قلوب بعضهم ببعض، قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.. فلذلك ورد عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: إنكم تقرؤون آية في كتاب الله وتجعلونها في غير موضعها قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) فلذلك بعض الناس يتساهل ويتكاسل بالأمر ويقول لا يعنيني. وإنما يجب عليك أن تغير أولاً ما بنفسك من المنكرات في زوجتك أو أولادك او جيرانك او تلاميذك فكلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته، فالإنكار يكون على مستوى المسؤوليات الكبيرة الى اصغر المسؤوليات . وقد يسأل سائل ويقول ما هي مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أجابنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فلبسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية وليس وراء ذلك بعد الإيمان حبة خردل. مراتب وتنفيذ وخلص فضيلته الى وجوب ان يغير المسلم المنكر إذا كان مما يجب تغييره باليد فإن استطاع وغير ذلك فالحمد الله، وإلا إذا لم يستطع وخاف على نفسه على ماله وولده وخشي على الدعوة فإنه ينتقل الى المرتبة الثانية وهي التغير باللسان فإن استطاع ان يغير باللسان فالحمد لله وإن خاف على نفسه وخاف على ماله وولده وخشي على الدعوة ينتقل الى المرحلة الثالثة وهي التغيير بالقلب وذلك اضعف الإيمان ويتطلب ذلك ان يكره المسلم هذا المنكر الذي رآه ويكره فاعله ويبتعد عن المكان الذي هو فيه ويحرص كل الحرص على ابلاغ المسؤولين ومن لهم سلطة ومن لهم قدرة على إزالة ذلك المنكر حتى تبرأ الذمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتساءل فمن منا يقوم بهذه الشعيرة العظيمة على الوجه المطلوب بل الكثير من يرى المنكرات بأم عينه ولا يغير ولا يحرك ساكناً، إنه درس الخوف والخوف في قلوب كثير من الناس اليوم وأخذوا بحياة الدعة والراحة والسكون ولا يريد الإنسان أن يتحمل الأذى في هذا الشأن لأن طرق الدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مليء بالعراقيل وبالمعوقات إذا لم يحتسب المسلم الأجر عند الله سبحانه ويجاهد نفسه ويجاهد الشيطان. وأشار فضيلته الى ان الدعوة الى الله طريقها ليس مفروشا بالورود والرياحين قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}. صفات ومناقب بعد ذلك اختتم فضيلته محاضرته ببيان الصفات اللازمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مشيراً الى انه ينبغي ان يتصف أولاً بالاخلاص لله تعالى القائل في كتابه {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فالإخلاص تدور عليه الأعمال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فالعمل الصالح هو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم . ومن الصفات أيضاً الرفق والحلم والأناة فالله سبحانه وتعالى حينما ارسل موسى وهارون الى فرعون وقد ادعى الربوبية فقال أنا ربكم الأعلى قال عز وجل {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم (لما دخل عليه ناس من اليهود فقالوا السام عليكم فقالت عائشة وعليكم السام واللعنة فقال : مه يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، فقالت ألم تسمع يا رسول الله ماذا قالوا؟ قال إني سمعت، ألم تسمعي ما قلت لهم وعليكم) ومن الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر حسن الخلق فالله عز وجل وصف نبيه بحسن الخلق (وإنك لعلى خلق عظيم) ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت :(كان خلقه القرآن) ، ولما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: (تقوى الله وحسن الخلق) فالمسلم لا يعيش في فلاة من الأرض إنما يعيش في مجتمع فيه الصغير والكبير والذكر والأنثى والعاقل والمجنون فيجب ان يعامل الناس كما يحب ان يعاملوه وان يعاملهم باللطف والاحسان والشفقة والمودة ورحمة . والدعوة تحتاج الى كنف رحيم وشفقة واحسان على الآخرين حتى يتقبلوا منك وياخذوا عنك ويتقيدوا بك ولذلك قال الله سبحانه وتعالى لنبيه {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} فالكلمة الطيبة صدقة وتبسمك في وجه اخيك صدقة.. ومن الصفات التي ينبغي ان يتصف بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو التثبت وعدم العجلة والمسارعة في معالجة الأمور والله سبحانه وتعالى ارشدنا الى ذلك بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} لأنه قد يأتي إنسان بشكوى كيدية يريد ان يضر إنسانا آخر فيبلغ عنه بلاغا كاذبا لأجل ان يؤخذ هذا الشخص ويزج به في السجن، لذلك علينا التثبت وعدم العجلة في الأمور، كما ينبغي الستر قدر الاستطاعة خاصة لمن ليس له عادة أو من زلت به القدم وكان قابلاً للنصح والتوجيه ولم يكن معانداً ولم يكن مشتهراً بالسوء من الفواحش والمنكرات، والإسلام يتشوف للستر على الناس، فمن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة، أيضاً من الصفات التي ينبغي ان يتصف بها المسلم ان يكون عاملاً بكتاب الله وسنة نبيه وسابقاً للخيرات وأن يكون قدوة للآخرين ويحذر كل الحذر من أن يخالف قوله فعله قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ويقول تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ } لذلك ورد عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار حتى تندلق أقتابه فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع اليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ألم تكون تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال بلى كما كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه). متفق عليه، فهذه خصلة سيئة يجب على المسلم ان يبعد عنها ويجب أن يوافق قوله فعله. وأضاف السعيد ومن الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الصبر، فهو ذو شأن عظيم وأمره جسيم أمر به الله في كتابه وحث عليه وذكر الله الصبر في كتابه أكثر من 90 مرة فقد يتعرض الداعية الى الاذى والى الشتم فعليه ان يتحلى بالصبر عندما يحصل له شيء من الأذية، فلذلك الله يقول على لسان لقمان {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان . وورد في الحديث (ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها خطاياه) متفق عليه ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء من عظم البلاء ولا يزال البلاء في المؤمن حتى يلقى الله ما عليه من خطيئة) فلذلك ينبغي للمسلم أن يصبر ويلتمس الحلول المناسبة النافعة ويستخدم الحكم ولا سيما في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر