دعيت في مناسبة لمشاهدة مباراة المنتخب السعودي الأول أمام منتخب البحرين، وذلك بحضور عدد كبير من الزملاء والأصدقاء، وكانت الأجواء كعادتها مفعمة بالتفاعل والحماس ولكن الأمر اللافت عندما انتهت المباراة وخسر المنتخب فرصة التأهل بعد تسجيل البحرين هدف التعادل في اللحظة الأخيرة من عمر المباراة. كانت ردة الفعل أكثر وعياً من قبل الحضور، فالنسبة الأكبر لم تحزن على الخسارة كثيرا بل رأت ان المنتخب لا يستحق الفوز وان المنتخب البحريني كان الأفضل في كلتا المباراتين، ومنتخبنا خلال المباريات السابقة كان مستواه لا يؤهله أو حتى يشرفه في حالة الاستمرار، وكأن لسان حالهم يقول (رب ضارة نافعة)!! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل نستفيد من هذه الإخفاقات التي استمرت لعدة سنوات وبمستوى فني لا يرتقي إلى اسم ومكانة المنتخب السعودي، والفوز في مباراة أو اثنتين لا يعكس نجاح المنتخب الوطني بل إن الهزيمة هي التي قد تكشف الواقع الحقيقي بعيدا عن الاحتفال بالانتصار وتجاهل الأخطاء المتكررة والمتراكمة!! * * * فهل حان الوقت لإعادة ومراجعة وتصحيح كافة الأمور بدءاً من إدارة المنتخب الذي يحتاج إلى كوادر متميزة في الإبداع والخبرة والفكر والتخصص وتعمل وفق منهجية يتم تقييمها ومراجعة نتائجها بشكل مستمر، ومروراً بالجهاز الفني الذي ما زال على كف عفريت لدرجة أن مقعد المدرب أصبح وكأنه (مقعد صالون حلاقة)!! ودائما ما نسمع إشادات واسعة عند اختيار المدرب والوعود ببقائه لعدة سنوات بهدف إتاحة الفرصة له بالإعداد من خلال برنامج زمني طويل، والأغرب من ذلك ان الاشادات تستمر حتى عند إقالته!! ومن ثم تتكرر عبارة ان صح التعبير (اللي بعده)!! وتلك الحقائق تؤكد المقولة (نسمع جعجعة ولا نرى طحنا)!! ووقوفاً عند الإعلام الذي نود أن يقتصر دوره على جلد الذات فقط عند الاخفاق أو الهزيمة، بل نتطلع إلى تقديم شفافية وحيادية ونقد بناء يسهم في ايجاد الحلول والمقترحات التي تهدف إلى الارتقاء والتطوير وتجاوز الأخطاء والقصور، وتجسيد شعور الجميع بالمسؤولية المشتركة ما بين الإدارة والجهاز الفني واللاعبين وحتى الإعلام وكذلك الجمهور. * * * وبالطبع ما كانت المملكة العربية السعودية تستطيع خلال السنوات الماضية تحقيق النجاحات والوصول إلى مصاف العالمية دون جهود وبنية تحتية متكاملة وقيادة رياضية سخرت إمكانيات ضخمة لبناء قاعدة شبابية متفوقة لديها القدرة على التنافس عالميا حققت لنفسها ولبلادها مكانة متميزة خلال سنوات وجيزة. وواقعنا الحالي يقول إن منتخب الناشئين هم القاعدة التي تضمن تواصل الأجيال والإنجازات وهم استمرار طويل المدى. * * * لقد تشرفت قبل عدة سنوات وتحديداً عام 1998م بطرح مقترح لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - حول إنشاء أكاديمية رياضية تحمل اسم سموه كنوع من التكريم الذي نجح خلال عقدين ونيف من الزمن ان ينشر مظلة من المدن الرياضية الرائعة في مناطق المملكة وان يخطط ويتابع تنفيذ استراتيجية شاملة للنهوض بالشباب والرياضة السعودية مما جعل المملكة تتأهل وتتواجد على الساحة العالمية وتحقق مكاسب لا يمكن تقدير حجمها وقد حظي هذا المقترح بتفاعل واستجابة سموه حيث تلقيت ردا سريعا عبر خطاب رسمي أشار فيه سموه بان المقترح سوف يكون محل اهتمامه الشخصي. فكان من حق هذا الرجل - رحمه الله - بعد هذا الكم من العطاء والإنجاز والدور الرائد ان ينال نوعا من التكريم والتقدير يتواكب مع فكره وطموحه ورسالته ليس على صعيد المملكة بل على صعيد الرياضة العربية. ولعل فكرة (الأكاديمية الرياضية) التي تحمل اسم الأمير فيصل هي العمل الأنسب الذي يرقى لمستوى إنجازات الرياضة السعودية ويصب في هدف استمرارية وتواصل هذا الإنجاز، فأكاديمية رياضية تحتضن الناشئين النابغين في مختلف اللعبات الجماعية والفردية وتحت إشراف متخصصين تربويين ورياضيين ونفسيين على أعلى مستوى وكفاءة في رعاية وتدريب وتغذية وعلاج هذه الفئة، ويتاح للقائمين على هذه الأكاديمية بالتنسيق مع المدارس والأندية اكتشاف المهارات المبكرة لدى الطلاب وضمها للأكاديمية حيث تتم تنمية هذه المهارات وصقلها جنبا إلى جنب مع التحصيل العلمي الذي يعد أولوية لدى الكثير من الأسر ويعيق غالبا ممارسة الأبناء لهوايتهم الرياضية مبكراً، وقد يكون هذا الأمر أبرز الأسباب التي أدت إلى إخفاقات منتخبات الناشئين. * * * إن مشروع إنشاء أكاديمية رياضية تعليمية بدءاً من المرحلة الابتدائية تهدف إلى تخريج أجيال مؤهلين رياضياً وحاصلين على شهادات دراسية من الأكاديمية تضمن لهم مستقبلهم تنمية فكرهم وثقافتهم. ولا شك ان الناشئين هما القاعدة التي تضمن تواصل الأجيال والإنجازات وهم استثمار تطويل المدى يعكس وعي وبصيرة وحكمة القائمين على التخطيط الرياضي وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد وسمو نائبه الأمير نواف بن فيصل حفظهما الله ورعاهما. بقلم: أحمد بن محمد الشريدي - رئيس تحرير مجلة سواح