تحفُّ كتابةَ السير الذاتية للكُتّاب العرب محاذيرُ عدة، ليس أبسطها المحذور الاجتماعي الذي يخشاه الكاتب، ويمعن في التفكير قبل الكتابة، أو ربما استخدم كوابح عديدة أثناءها، وهو ما يقلِّل من مصداقية كتاباته أو حتى يضعفها إلى حد بعيد. وعندما بدأ الإنسان الأول كتابة سيرته الذاتية البسيطة في الكهوف التي يسكنها، ثم قام الفراعنة بذات العمل في معابدهم، وكذلك سائر الحضارات، فإنهم بذلك كانوا يهدفون إلى تخليد أعمالهم، وما يقومون به للأجيال القادمة. لكن مصطلح (السيرة الذاتية) لم يُتداوَل إلا في عام 1809م، عبر الكاتب والشاعر الإنجليزي روبرت ساوذي (Robert Southey). وإذا ما تجرّدنا من تحيُّزاتنا الشخصية، فإنه ربما لا توجد سيرة ذاتية حقيقية خالصة دون شوائب؛ إما لصعوبة ذلك عمليًّا، أو خشية بطش المجتمع، الذي قد لا يرحم كاتبها، ولو كان تحت التراب. ولذلك، فإن معظم من كتبوا، كان لهم رقيب من أنفسهم، يكبر أو يصغر، اعتمادًا على شجاعة من كتب، أو على تسامح مجتمعه، أو ربما على بعد الكاتب عن مجتمعه جغرافيًّا. وتختلف نوعية التابوهات من مجتمع لآخر؛ فقد تكون دينية، أو مذهبية، أو وطنية، أو سياسية، وقد تكون دائمة، أو مرتبطة بزمن معين، وذلك حينما ينتفي المحذور، وتتغير الظروف. وليس في مكتبتي الشخصية، سوى عدد محدود من السير الذاتية، لكنني قرأت الكثير منها، إما في مكتبات عامة، أو من النسخ المجانية من النت. ويوجد من هذه الكتب آلاف، بل عشرات الآلاف، باللغة العربية، وربما بالملايين، بمختلف لغات العالم. ورغم أن بعضها، ذو طابع شخصي، يهم كاتبَها والأشخاصَ القريبين منه فقط، فإن قسمًا كبيرًا منها، مهم جدًّا، إذ يؤرخ لمرحلة مغفول عنها، في منطقة ما من العالم، أو حتى في منطقة زمنية منسية. كما أن أهمية بعضها، تتأتى من ارتباطها بأحداث مهمة. ولذلك، فإن هناك شريحة مهمة في العالم، تحب هذا النوع من الكتابات، أكثر من أي نوع آخر؛ لكونه يكشف جوانب غامضة من شخصيات، يهمهم معرفة تلك الجوانب عنها، أو لأنها تسلط الضوء على جوانب، لا يتم التطرق لها في العادة وسط زحام الاهتمامات الأخرى.