رغم ما يلوح في الأفق من نقلة سعودية في الاهتمام بقطاع الرياضة والشباب والعمل على «زحزحة» ما كان، وما كان لها في خريطة الأولويات الاجتماعية والاقتصادية والشبابية، إلا أن الواقع والحقيقة والنتائج السلبية وتجارب الآخرين تؤكد أن الأداء الذي لمسناه عن قرب خلال الأعوام القليلة الماضية لا يواكب دينامكية وحيوية هذا المجال، فالأمر هنا مختلف ويحتاج إلى تخطيط وإبداع وخبرة ووعي وقناعة وتخصص وجميع هذه العناصر المهمة لا تتوافر في الكثير من الإداريين والفنيين المعنيين بالرياضة السعودية – للأسف – و لا نكاد نستثني جميع القائمين على الألعاب الرياضية المتعددة وهو الأمر الذي أدى إلى أن نسير في هذا الاتجاه سير السلحفاة الذي يشهده قطاع الرياضة رغم كل ما يتوفر لدينا من إمكانات وبنية أساسية متكاملة. ودولتنا الرشيدة سخرت وسائل الدعم الضخمة لبناء قاعدة شبابية متفوقة لديها القدرة على التنافس عالميا وتحقق لنفسها ولبلادها مكانة متميزة، ولكن الأعوام تمضي والإخفاقات تتكرر لتكشف لنا الواقع الحقيقي بأن الاحتفال بالانتصارات الوقتية وتجاهل الأخطاء المتكررة والمتراكمة سياسة مهدئات لا تدوم طويلا..!! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل نستوعب درس الفشل ونعيد للكرة السعودية مجدها ومكانتها الحقيقية؟! وأجزم أن ذلك لن يتم إلا من خلال إدراكنا جميعا أن الرياضة منظومة متكاملة ومتعددة الأدوار ما بين القيادة الرياضية والرياضيين والإعلام وكذالك الجمهور.. وهنالك العديد من الملاحظات يجب ذكرها لتعميم الفائدة وتجنب السلبيات: أولا.. لقد حان الوقت لإعادة ومراجعة وتصحيح كافة الأخطاء بدءا من الجهاز الإداري الذي يحتاج إلى كوادر متميزة في الإبداع والخبرة والتخصص وفق منهجية عملية يتم تقييمها ومراجعة نتائجها بشكل دائم ومستمر، ومرورا بالجهاز الفني الذي كان طيلة الأعوام الماضية «على كف عفريت» إن صح التعبير حتى أصبح مقعد المدرب وكأنة «مقعد صالون حلاقة» والأمر الغريب أننا نسمع كل مرة صدى الإشادات باختيار المدرب الجديد يتردد على ألسنة الكتاب والمختصين ومطالبتهم ببقائه لعدة أعوام بهدف إتاحة الفرصة لإعداد برنامج زمني طويل المدى!! ولكن سرعان ما تتحول بقدرة قادر آراء نفس هؤلاء المطالبين ببقائه إلى الضغط على المسئولين بإقالته ويستمر الحال على ما هو علية ويبقي شعار «إلى بعده»!! قائما دون منهجية عملية واضحة في دقة الاختيار والبقاء والتي تعكس «العشوائية والتخبط» ونصل الى ما وصلنا إليه في نهاية المطاف إلى حقيقة مفادها بأننا كنا «نسمع جعجعة ولا نرى طحنا»!! ثانيا.. بلا شك أننا ندرك جميعا أن الرياضة والإعلام وجهان لعملة واحدة إذا غاب شطرها الأول غاب شطرها الثاني.. وأن نمو الرياضة وتقدمها مرهون بالإعلام المواكب لها، ولكن مع كامل الاحترام والتقدير نرى أن الإعلام يتحمل جزءا من مسؤولية تلك الإخفاقات وبصفة خاصة البعض منهم الذين يفتقدون الفكر والوعي والحيادية والدراية بأبجديات العمل الإعلامي والقدرة على فن التعامل مع المواقف والمعطيات بمهنية وموضعية،هذا هو الأسلوب الذي نلاحظه في الفترات السابقة والدافع من ورائه وللأسف الشديد تقديم الميول الشخصية على المصلحة الوطنية!! ثالثا.. إننا بأمس الحاجة إلى الأقلام المتزنة في الطرح والنقد البناء بعيدا عن التعصب التي بدورها تسهم في الرقي والتطور وليس «التشويش والتشويه» وترسيخ صورة ذهنية سلبية لدي الجمهور وأقصد بذلك «صراعات الأقلام» التي طالت بحكم سلطتها الرابعة أمورا شخصية لبعض الإداريين أو اللاعبين أو الحكام وحتى الجهاز الفني الذي نال البعض منهم الإهانات والتجريح والشتائم!! وكانوا كبش فداء لتصفية حسابات بين بعض «إعلاميي الأندية» وكذلك بعض محللي القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، والمتابع يعي تلك الحقيقة المرة وهو يشاهد آراءهم المتحيزة وضجيج أصواتهم المقززة.. وتلك الظاهرة أصبح يدركها المشاهد ويتفهم أهدافها ولعل أبرزها «خلق الإثارة والبلبلة» لدرجة أن بعض الاستوديوهات الرياضية تحولت إلى«حراج دلالين» وسياسة الحوار فيها «واجه الهواش بهواش تسلم» والأمر المدهش حقا أن البعض منهم يعيبون في الآخرين ونسوا أو تناسوا أن العيب فيهم!! رابعا.. ما يهمنا الآن هو كيف نستثمر هذا الإخفاق ونحوله إلى برنامج عملي شعاره «تحديد أوجه القصور ومعالجتها» ونفتح من خلاله صفحات بيضاء أكثر نقاء وصفاء ونطوي صفحات الماضي إلى الوراء؛ لأننا لا ننتظر أن يقتصر دور الإعلام على جلد الذات والنظر إلى الكوب الفارغ فقط عند الإخفاق أو الهزيمة، بل نتطلع إلى شفافية وحيادية وأمانة إعلامية ونقد بناء يسهم في إيجاد الحلول والمقترحات التي تهدف إلى الارتقاء والتطوير وتجاوز الأخطاء والتقصير وتجسد شعور الجميع بالمسؤولية المشتركة ما بين الإدارة والجهاز الفني واللاعبين والجمهور وكذلك الإعلاميين والمحللين. خامسا.. غياب إنجازات الناشئين والشباب.. على الرغم من أن الناشئين هم القاعدة التي تضمن تواصل الأجيال والإنجازات وهم استمرار طويل المدى من هذا المنطلق، فقد تشرفت قبل عدة أعوام وتحديدا عام 1998م بطرح مقترح للأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - حول إنشاء أكاديمية رياضية تحمل اسمه كنوع من التكريم والعرفان لهذا الرجل الذي نجح خلال عقدين ونيف من الزمن أن ينشر مظلة من المدن الرياضية الرائعة في مناطق المملكة، وأن يخطط ويتابع تنفيذ استراتيجية شاملة للنهوض بالشباب والرياضة السعودية؛ ما جعل المملكة تتأهل وتتواجد على الساحة العالمية وتحقق مكاسب لا يمكن تقدير حجمها وقد حظي هذا المقترح بتفاعله واستجابته، حيث تلقيت ردا سريعا عبر خطاب رسمي أشار فيه إلى أن المقترح سيكون محل اهتمامه الشخصي، فكان من حق هذا الرجل - رحمه الله - بعد هذا الكم من العطاء والإنجاز والدور الرائد أن ينال نوعا من التكريم والتقدير يتواكب مع فكره وطموحه ورسالته ليس على صعيد المملكة، بل على صعيد الرياضة العربية. ولعل فكرة «الأكاديمية الرياضية» التي تحمل اسم الأمير فيصل هي العمل الأنسب الذي يرقى لمستوى إنجازات الرياضة السعودية ويصب في هدف استمرارية وتواصل هذا الإنجاز، فأكاديمية رياضية تحتضن الناشئين النابغين في مختلف الألعاب الجماعية والفردية وتحت إشراف متخصصين تربويين ورياضيين ونفسيين على أعلى مستوى وكفاءة في رعاية وتدريب وتغذية وعلاج هذه الفئة، ويتاح للقائمين على هذه الأكاديمية بالتنسيق مع المدارس والأندية اكتشاف المهارات المبكرة لدى الطلاب وضمها للأكاديمية، حيث تتم تنمية هذه المهارات وصقلها جنبا إلى جنب مع التحصيل العلمي الذي يعد أولوية لدى الكثير من الأسر ويعيق غالبا ممارسة الأبناء لهوايتهم الرياضية مبكرا، وقد يكون هذا الأمر أبرز الأسباب التي أدت إلى إخفاقات الناشئين. سادسا.. إن إنشاء أكاديمية رياضية تعليمية بدءا من المرحلة الابتدائية سيحقق العديد من الأهداف وفي مقدماتها تخريج أجيال مؤهلين رياضيا وحاصلين على شهادات دراسية من الأكاديمية تضمن لهم مستقبلهم وتنمي فكرهم وثقافتهم الرياضية وتساعد على تطبيق الاحتراف منذ الصغر، وتجنبهم الكثير من الإشكالات المستقبلية مع أنديتهم وتحد الكثير من المصاعب أمامهم ولعل أبرزها تعودهم على الانضباط والسلوك والثقافة الغذائية والتأهيل النفسي واللياقي كون هذه العوامل يصعب تطبيقها على شباب تجاوزت أعمارهم ال 18 عاما لأنه من الطبيعي أن «من شب على شيء شاب عليه». فنتطلع أن يحظى هذا المقترح إلى جانب مقترح آخر يتضمن تخصيص جائزة تحمل اسم الأمير فيصل كنوع من التكريم والعرفان الذي يرقى بمستوى دوره الرائد وتصب في هدف استمرارية تواصل النهج وتحقيق المزيد من الإنجازات الرياضية فيما تسهم الجائزة في إيجاد روح المنافسة الفعلية بين كافة المعنيين بالشأن الرياضي التي تنعكس بدورها على ارتقاء نهضتنا الرياضية. وأخيرا.. كلنا أمل - بأن يحظى هذان المقترحان باهتمام الأمير المبدع نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب وفقه الله ورعاه الذي اقترن اسمه بالمنهجية العملية والجدية والطموح وتميز بحكمته وشفافيته وثاقب بصيرته، وبلا شك أن تعيين الأمير نواف بن فيصل لهذا المنصب سوف يعيد الثقة والتفاؤل إلى الوسط الرياضي فهو خلق لمثل تلك التحديات تربية وتأهيلا وممارسة، بل هواية فهو ابن «مدرسة» فيصل بن فهد رحمه الله حكيم الرياضة وأميرها دعواتنا للأمير نواف الذي نعول عليه الكثير والكثير بالتوفيق والسداد وتطلعاتنا من جميع المعنيين بالشأن الرياضي التكاتف والتعاون كمنظومة متكاملة لكي تعود الرياضة السعودية وتشرق من جديد . * رئيس تحرير مجلة «سواح»