من منا لا يعرف الإعلامي الشهير دان راذر Dan Rather كبير مذيعي شبكة التلفزة الأمريكية CBS الذي خدم أكثر من أربعين عاماً في محطات الشبكة الأشهر في أمريكا، و24 عاماً مديراً ومذيعاً anchorman لأخبار الشبكة، خليفة لأحد أكبر مشاهير... ... الإعلام الأمريكي والتر كرونكايت.. ولكن دان راذر هو الأشهر خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تربع على عرش شبكات التلفزة الأمريكية بلا منازع، وكانت أخبار الcbs بفضل سلفه وبفضله تتقدم على كافة أخبار شبكات التلفزة الأمريكية، واكتسبت مصداقية كبيرة بين كل المؤسسات الإعلامية المنافسة، لكن ما حدث لدان راذر من سقطة إعلامية بسبب تقرير بثه عن الرئيس جورج بوش الابن عام 2004م، وعن ماضيه العسكري ، وكونه تهرب من الخدمة العسكرية بفضل علاقات والده جورج بوش الأب وتحويله إلى الحرس الوطني، ثم عدم قيامه بمهامه على الوجه الأفضل إبان خدمته العسكرية.. هذا التقرير كان بمثابة بداية النهاية لتاريخ دان راذر.. ولد دان راذر عام 1931 في تكساس، ودرس فيها، وتخرج من قسم الصحافة بجامعة سام هيوستون ستيت عام 1953م، حيث عمل في الصحيفة الجامعية قبل تخرجه من هذه الجامعة وتدرب فيها أثناء درساته للبكالوريوس. ولكن خلال دراسته عمل في أشهر وكالتين إخباريتين أمريكيتين هما اسويشتد برس وينايتد برس محررا محليا.. وعمل في محطة إذاعية، وكذلك في الصحيفة الرئيسة هيوستن كرونيكل ذات الشهرة الوطنية في الولاياتالمتحدة. ومن طرائف نشاطه الإعلامي أنه كان معلقا رياضيا لكرة القدم الأمريكية ولكرة البيسبول.. ثم عمل مديرا للأخبار بمحطة تلفزيون محلية تابعه لشبكة cbs.. وبينما كان الإعصار كارلا يضرب تكساس كان دار راذر يقدم تقريره من قلب العاصفة، على الهواء مباشرة في أول محاولة لمحرر تلفزيوني في تغطية كارثة طبيعية مثل تلك التي اجتاحت شواطئ تكساس عام 1961.. وخلال هذه التغطية لفت انتباه قيادات شبكة cbs وعينوه مراسل للشبكة في تكساس. ولكن أشهر ما قدمه دان راذر هو أنه أول مراسل تلفزيوني يعلن عن اغتيال الرئيس الأمريكي جون كندي عام 1962م. وهذا ما جعل الشبكة تستدعيه إلى واشنطن ليرتقي إلى درجة مراسل الشبكة في البيت الأبيض عام 1964م. وحقق الكثير من النجاحات والتقارير المميزة الى أن وصل إلى منصب مدير ومذيع أخبار شبكة ال cbc عام 1981م خلف للإعلام الأشهر في حينه والتر كرونكايت. وحقق نجاحات عديدة بين الشبكات المنافسة، وخلال مشاركته في البرنامج الإخباري سكستي مينيتس 60 Minutes وهو أشهر برنامج تحقيقات استقصائية investigative reporting تلفزيونية في شبكة التلفزة الأمريكية منذ عقود من الزمن. وفي هذا البرنامج سقط دان راذر في تقريره عن الخدمة العسكرية لجورج بوش الابن. وبعد إيقافه من إدارة وإذاعة الأخبار عام 2005م على خلفية هذه الفضيحة الإعلامية، أحيل فقط للمشاركة في برنامج 60 Minutes ولكن الشبكة لم تجدد عقدها معه عام 2006م منهية أي علاقة تعاقدية بين الطرفين، مما جعله يقاضي الشبكة على إنهاء خدمته، مطالبا بمبلغ يصل إلى أكثر من سبعين مليون دولار.. ثم أضاف إلى ملف مطالباته بالضرر الكبير الذي لحقه من عدم وجود فرص عمل له بعد إنهاء عقده مع ال CBS .. وقد حقق راذر ومحاموه نصرا جزئيا الشهر الماضي بأمر المحكمة إتاحة كامل الوثائق من أرشيف CBC وتقدر بأكثر من 3000 وثيقة لإمكانية استخدامها في الدفاع عن قضيته عن تقرير الخدمة العسكرية للرئيس بوش، ويتوقع أن يثبت مصداقية عمله المهني في هذا التقرير.. ويحاول أن يطعن في اللجنة التي شكلتها الشبكة للتحقيق في هذا الموضوع، والتي كانت سببا في إنهاء عقده مع الشبكة. وقد حاولت الشبكة بعد الضجة الكبيرة التي أحدثها هذا التقرير الإخباري وخاصة أنه جاء قبل شهرين من الانتخابات الأمريكية عام 2004م، أن تنأ بنفسها عن هذه الأزمة، فضحت بأحد أبرز فرسانها الإعلاميين من أجل أن تنقذ سمعة المؤسسة. ولم يشفع له النجاح الكبير الذي حققه للمؤسسة وجعلها في قمة اهتمامات الرأي العام الأمريكي، ولم يشفع له أن هذا التقرير عمل فيه عشرات أو ربما مئات الأشخاص الذين جمعوا وبحثوا وحققوا في هذا الموضوع.. وهذه لعبة المؤسسات الغربية، فهي تعمل على أساس بقاء المؤسسة، وأن الفرد ليس إلا (ترسا) يعمل على تشغيل ماكينة المؤسسة، وإذا تعطل هذا الترس يتم استبداله بترس جديد.. وهكذا تعمل الماكينة الغربية في كل مجالات السياسة والاقتصاد والإعلام.. وسقوط دان راذر جاء محتفى به في الأوساط المحافظة، فقد كان دان راذر والشبكة الأمريكية نموذجا للتوجه الليبرالي في المجتمع الأمريكي من وجهة نظر المحافظين المتشددين. حتى أن احد ابرز المحافظين في الكونجرس جيسي هيلمز طالب مؤيديه بشراء عشرين سهما من أسهم الشركة لكل واحد منهم ليستطيعوا طرد راذر وزمرة الفساد الليبرالي في شبكة CBS وكان دان راذر قد طالب - في محاضرة ألقاها بمعهد اسبين Aspen الشهر الماضي وكررها في مقاله في خدمة الواشنطن بوست الذي نشرته الشرق الأوسط الخميس الماضي - طالب الرئيس باراك أوباما بتشكيل لجنة لدراسة أوضاع شبكات التلفزة ألإخبارية الأمريكية. وأشار إلى أن الاتجاه إلى الترفيه والبرامج الجماهيرية أدى إلى ضعف دعم مؤسسات الأخبار، مما أدى إلى تقليص مكاتبها ومراسليها في الداخل والخارج، ويؤدي إلى برامج رخيصة غير ميدانية، ومعظمها تكون في الاستوديو من أشخاص يحملون وجهات نظر مختلفة ومتباينة يلطفها ويتدخل فيها مذيعو البرامج الحوارية.. وهذا ينطبق كذلك على الصحف الكبرى في الولاياتالمتحدة، مما سيترك أثره على معارف ووعي الناس من المواطنين ويؤثر على قيم الديموقراطية في الولاياتالمتحدة وربما في العالم. المشرف على كرسي الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود [email protected]