أغلب أسماء دول آسيا الوسطى يتكون من شقين، الأول ُيعبر عن اسم شعب هذه الدولة، والآخر يتمثل في مفردة (ستان) ذات الأصل الفارسي التي تعني (أرض)، وقد دخلت في الثقافة العربية عقب دخول كثير من الشعوب الآسيوية في الإسلام ومساهمتها .... .... الكبيرة في حضارته العريقة خلال التاريخ، فخذ على سبيل المثال (أفغانستان) أي أرض الأفغان، و(طاجكستان) و(أوزبكستان) أي أرض الطاجيك وأرض الأوزبك، وكذلك (كردستان) أي أرض الأكراد وهكذا، وهي شعوب محاذية بأراضيها للرقعة الجغرافية الإيرانية الفارسية أو محيطة بها، غير أن هناك حالة تبدو مغايرة لهذا الواقع الجغرافي القديم، يتعلق ب(عرب ستان)، فمن يسمع بها يعتقد أن المقصود هو (الوطن العربي) أو الجزيرة العربية، لأن ترجمة الكلمة تقول (أرض العرب)، وهذا لا يتسق مع الواقع الفعلي أو المدلول الحقيقي لهذه المفردة أو المعلومة الجغرافية، و(عرب ستان) وصف أطلقه الإيرانيون الصفويين على إقليم (الأحواز) في إيران أو (الأهواز) بلغة الفرس كونهم ينطقون (الحاء هاء)، وهي منطقة عربية أصيلة مرت بظروف تاريخية جسيمة وأحداث سياسية قاهرة غيبتها عن المسرح العالمي وربما الذاكرة العربية، خاصةً أن (عرب اليوم) مشغولون في أكثر من قضية تتصدرها فلسطينالمحتلة والعراق المضطرب والسودان المحاصر والصومال الممزق، كما ضيعّت حقها (الزماني والمكاني) وتقرير مصيرها، فطويت قضيتها في عالم النسيان وغدت جزءاً من الدولة الإيرانية الحديثة. يمثل هذا الإقليم العربي ثلاث محافظاتإيرانية مهمة تشكل السواحل الشرقية للخليج العربي وهي (خوزستان، وبوشهر، وهرمزكان)، التي تكتسب أهميتها لكونها غنية بالموارد الطبيعية (النفط والغاز)، والأراضي الزراعية الخصبة التي تنتج محاصيل (السكر والذرة)، فضلاً عن كونها منفذاً بحرياً واسعاً لإيران على الخليج العربي، كما أنها تنفصل عن الأراضي الإيرانية بممرات جبلية ضيقة تعرف بجبال (زغروس)، ما يشير إلى اختلاف التضاريس بينهما، وفيها واحد من أكبر الأنهار هو (كارون أو قارون) الذي تقع على ضفافه مدينة (الأحواز) عاصمة محافظة خوزستان اليوم، وكلمة أحواز أطلقها العرب بعد الفتح الإسلامي، وهي جمع (حوز) المشتقة من الحيازة والتملك، أما اسم (خوزستان) فأطلقه الفرس على المنطقة خلال العهد الساساني. لذا تسمى هذه المنطقة بأكثر من اسم (عرب ستان أو أحواز أو خوزستان). وبالنظر إلى تاريخ إقليم (عربستان) نلحظ أنه مرّ بخمس مراحل تاريخية مختلفة جميعها تشير إلى (عروبته) قبل أن يكون فارسياً، وهي (العصر القديم، والمقدوني، والفارسي، والإسلامي، والحديث)، فقبل 4000 سنة قبل الميلاد شهدت منطقة الأحواز ميلاد حضارة (سامية) قديمة هي (حضارة عيلام) التي سقطت دولتها عام 640 قبل الميلاد على يد الملك الآشوري آشور بنيبال، تبعه خضوع المنطقة لحكم الأخمينيين (الفرس)، ثم ُحكم الاسكندر المقدوني عام 331 قبل الميلاد، تلاه ُحكم السلوقيين الذين ينتسبون لأحد قادة الإسكندر، ومن بعدهم جاءت القبائل العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية واستقرت في هذه المنطقة مثل (بني كعب وطي وتميم وبلي وبني أسد وبني لام وبني ربيعة وغيرها)، حيث شكلت أغلب سكانها إلى اليوم على الرغم من المحاولات الإيرانية لتوطين العنصر الفارسي لتغيير طبيعة التركيبة السكانية، ففي الشمال الأحوازي عرب شيعة وفي جنوبه عرب سنة. غير أن العرب لم يتمكنوا من تأسيس دولة لهم في هذا الإقليم إلا في بدايات العصر الحديث، بسبب نفوذ وقوة الفرس الساسانيين الذين سيطروا عليه على الرغم من عدم استطاعتهم إخضاعه بشكل كامل بسبب تمرد العرب، فسمحوا لهم بإنشاء إمارات وممالك مقابل ضريبة سنوية ك(مملكة المناذرة)، حتى كان الفتح الإسلامي عام 17ه (637م) على يد الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري بعد انتصار القادسية وسقوط دولة فارس، حيث بقيت المنطقة تابعة لولاية البصرة في ظل دول الخلافة الإسلامية إلى أن سقطت بغداد عاصمة الخلافة عام 656ه (1258م) على يد المغول الذين استولوا على الأحواز. في عام 1436م قامت دولة عربية في الأحواز هي (المشعشعية) التي كانت تجاور الدولة الصفوية الإيرانية الشيعية والدولة العثمانية التركية السنية لمدة ثلاثة قرون، لذا لم تسلم من الاعتداءات الصفوية المتكررة، كما حاولت الدولة العثمانية ضم الأحواز إليها عام 1541ه لكنها فشلت، غير أنها ساعدت الدولة المشعشعية ضد الصفويين عام 1625ه، وبعد 14 عاماً اعترفت الدولتان العثمانية والصفوية بحكم الدولة العربية المشعشعية، الذي انتهى بقيام حكم الدولة الكعبية العربية التي استمرت خلال الفترة (1724 - 1925م). ولأن السياسة تتم وفق المصالح وليس الصداقات، ومع تكالب الدول الغربية الاستعمارية على أقاليم الدولة العثمانية (الرجل المريض) في مطلع القرن الميلادي الماضي، قامت الإمبراطورية (البريطانية) التي لا تغيب عنها الشمس - آنذاك - بإقصاء الشيخ خزعل الكعبي أمير منطقة عربستان (الأحواز) عن إمارتها على الرغم من أنه كان حليفها، بسبب تفاقم قوة دولته وطمعاً بمواردها الطبيعية والنفطية، وأيضاً للوقوف ضد أطماع الروس الشيوعيين بعد نجاح ثورتهم البلشفية عام 1917م من خلال التحالف مع الحاكم الإيراني الجديد رضا خان بهلوي ليكون حاجزاً ضد المد الروسي، فضمت الأحواز إلى إيران عام 1925م بعد أن احتلت قوات بهلوي منطقة الأحواز (عربستان) وأُخذ الشيخ خزعل أسيراً إلى قلعة طهران حيث بقي هناك حتى مات مسموماً عام 1936م كما تقول بعض المصادر التاريخية، التي أشارت أيضاً إلى أن هذه المنطقة شهدت ثورات شعبية عربية ضد دولة الشاه، لكنها لم تستطع تحقيق الانفصال. بعد هذا الاستعراض لإحدى قضايا العرب المنسية، يمكن القول إن منطقة الأحواز (عربستان) ربما تكون المدخل التاريخي لحقوق العرب في الجزر الإماراتية التي استولى عليها الشاه، وما زالت الحكومة الإيرانية تواصل احتلالها وترفض إعادتها. لذا لا بد من ممارسة ضغوط عربية كبيرة على القيادة الإيرانية بهذا الشأن.