للثقافة عطر يأتي به الهدهد بعد غياب من عبق جنان عدن، وصهيل مساءات صنعاء ورائحة البحر في المكلا مرحّبا بقوافل المملكة التي قصدت اليمن السعيد تقيم أعراس الثقافة وأمسياتها الشعرية، تضرب وتد خيمتها وتشعل نار صحرائنا في أحضان المدن المختلفة، فقامت سبأ من مخدع التاريخ وبلقيس وشعبها يشاركون عرس الثقافة السعودية على مسرح حضارتها. قصدنا اليمن في الأسابيع الثقافية السعودية فكأن بأهلها كالسحاب.. تنبت في الروح ياسمينة عبقة بهم، وفي القلب قيثارة تعزف لحنا شجيا، وعلى مرآة البصر ينسج الضوء رسما بهيا لكل ما سيبقى في الذاكرة بعد حين نابضا بحياتهم فيها. من ذاكرة التاريخ والنص القرآني كنا استعرنا ذاكرة نخطو بها على أديم الماضي وفي أروقة حضارة خالدة، وقد تحول كل ما كان متخيلا إلى واقع تجسد في زيارتنا اليمن ولمدنها صنعاءوعدن والمكلا وحضرموت. عرس ثقافي سعودي يمني تشاركنا فيه ألوانا من الثقافة وأجناسا مختلفة من الأدب لم تكن إلا امتدادا لروح تلك الديار التي كثيرا ما تشابهت فنونها والتقت كثيرا مع فنوننا في مملكتنا الغالية. باب اليمن.. مسجد الرئيس صالح.. الشوارع والمنازل ومسرح صنعاء القديمة وما استطعنا من سبيل لزيارته فقد أذهلنا المشهد وأذهلتنا الحضارة والنمط التقليدي الذي ما زال صامدا وحاضرا رغم التطور والتقنية وغزو كل ما هو جديد، بالرغم من هذا فلليمن وجهها القديم وخصوصيتها التي لم تعبث بها روح العصر. تجولت أفكارنا هناك عبر فنون المسرح والسينما والشعر وهمسات القاصين وألوان الفنانين.. فتأنقت اليمن لاستقبال قوافلنا.. أضاءت ميادينها وتأنقت شوارعها ومسارحها وارتدت الأوسمة الخضراء واللافتات التي تشير إلى الفعاليات المختلفة وازدانت القاعات بالزوار نساء ورجالا. لليمن نكهة البخور والبن والعطور والعود.. لها نكهة الحياة النابضة في رحم الماضي القديم، لها نكهة الغابات الباسقة والريحان والفل والحجارة المعتقة وأناسها الطيبين.. أولئك الذين لهم طريقتهم في بساطة العيش والتعامل وفيهم شهامة العربي والمروءة والكرم، كم من قلائد الحب يمكنني أن أقلد فيها هذه الأرض السعيدة وأهلها، وكم من الكلمات ترتعش من بين الحبر والنبض لتستطيع التعبير عن أيام من السعادة مضت ونحن برفقة السحاب والبحر والتاريخ وسبأ. لا أظننا عدنا بدونهم؛ فالذاكرة متخمة بكل ما حملت، والروح هنا وهناك والحبر به شوق لتدوين ما اختزنته الرؤيا. استفاقت بلقيس لتسكن جسدي.. وأنا أمر صنعاء القديمة شارعا شارعا أزهو بحضارتها التي حفرت عميقا على ملامح مدنهم ومبانيهم فاحتفظوا بأصالة الماضي وعبق التاريخ. سكنتني بلقيس وأنا في قلب صنعاء بين أعمدتها القديمة وعلى مسرحها أنقل للمشاهد السعودي المشهد من هناك عبر كاميرا برنامجي الثقافي مرافئ الذي تعرضه القناة الأولى لتوثق لهذا الحدث الثقافي الكبير مؤكدة أن الاستثمار الحقيقي للأيام الثقافية المتبادلة بين البلدين لا يقتصر على إقامة الفعاليات والبرامج إنما بتلاقي أرواح المثقفين في البلدين والتعرف على هذه الحضارة ونقلها بما استطعنا من وسائل التقنية. الجميل في الأمر أن المناسبة ابتعدت عن هيكل الرسمية لتكون مناسبة ثقافية حميمة يحضر المسؤولون من اليمن كل تفاصيل الفعاليات التي أقيمت من وزراء ومستشارين وسفراء ومسؤولين في قطاعات الدولة المختلفة. حضر الشعر وحضر الشعراء.. وامتزجنا بالماضي والحاضر لنوقع عهدا ثقافيا متجددا مع امتدادنا العربي.. حضر الثبيتي متجليا مثيرا في القاعة ما أثار من الحب والشعر والجنون وموجات عارمة من التصفيق.. شفاك الله شاعرنا من المرض لا من الشعر هذا السلسبيل الذي يشفي النفس ويروي عطشها للحياة والجنون.. * * * من بحر الثبيتي أنت والنخل طفلان واحد يتردد بين الفصول وثان يتردد بين الفصول: أصادق الشوارع والرمل والمزارع أصادق النخيل أصادق المدينة والبحر والسفينة والشاطئ الجميل أصادق البلابل والمنزل المقابل والعزف والهديل أصادق الحجارة والساحة المنارة والموسم الطويل أنت والنخل طفلان طفل قضى شاهدا في الرجال وطفل مضى شاهرا للجمال [email protected]