تلقيت دعوة كريمة من وزارة الثقافة والإعلام وزميلي الأستاذ الشاعر حسن الزهراني نائب رئيس النادي الأدبي بالباحة للمشاركة مع الوفد السعودي في الأيام الثقافية في دولة اليمن الشقيق .. وذلك في ثلاث مدن هي " صنعاء ، عدن ، المكلأ "والوفد يضم عدداً من الأدباء والشعراء والروائيين والقاصين والمسرحيين والسينمائيين والفنانين التشكيليين والغنائيين والمصورين الفوتوغرافيين وممثلي جمعية الثقافة والفنون في أنواع الرقصات الشعبية التي تشتهر بها مناطق المملكة ، وتجمع كامل الوفد في الصالة الملكية بمطار الملك خالد بالرياض لتحلق الطائرة متجهة إلى مهد الحضارة مدينة صنعاء وأعرف اليمن من خلال كتب التاريخ والجغرافيا والاجتماع والأدب واختزلت ذاكرتي عنها أشياء كثيرة خصوصاً عاصمتها صنعاء والتي يعتبرها المؤرخون مهد الحضارة .. وبها قصر غمدان فضلاً عن مبانيها القديمة وقلاعها العتيدة وأسوارها المنيعة وبساتينها ، وإنسانها الودود وأشجار بنها العربي الشهير وجبالها الشامخة ، حلقّت بنا الطائرة وكنت أسترجع كل ما يمت لليمن بصلة وكأن شاعرها الراحل عبد الله البردوني يوشوش في أذني بقصائده الموزونة والحزينة والمتميزة بجزالة الألفاظ وقوة المعاني وحسن السبك التي قالها عن اليمن . ولم أنس شاعرها الحالي الدكتور عبدالعزيز المقالح وما كتبه عن صنعاء بالتحديد واصفاً بيوتها وأحجارها وناسها وقمرياتها .. وأمطارها ومزارعها وعناقيدها وبلقيسها ونجومها وأقمارها وبساطة أهلها واصفا صنعاء بأنها عاصمة الروح .. ومملكاتها القديمة ( سبأ ، معين ، وحمير ، وإرثها الثقافي والعمراني )..ومن خلال قراءة سابقة عرفت دلالات كلمة صنعاء فهي على وزن فعلاء كحسناء وشهلاء وهي منسوبة إلى جودة الصنعة واسمها القديم أزال كما أشار إليها الجغرافي اليمني الهمداني في كتابه الشهير صفة جزيرة العرب وورد في بعض الكتب بأن صنعاء بن آزال هو الذي بناها فسميت المدينة باسمه وآخرون يقولون بأن جذر الاسم موجود في اللغة اليمنية القديمة بمعنى القوة والمنعة ويقال تصنّع بمعنى تحصن والبعض يشير إلى أن سام بن نوح طاب له السكن بها لكثرة بساتينها..وأثناء تحليق الطائرة على ارتفاع يزيد عن 25 ألف قدم قاطعة صحراء الربع الخالي كنت أردد بيت شعر شهير . لابد من صنعاء وإن طال السفر وإن تحنى كل عود وانعقر على رأس الوفد وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية الدكتور أبو بكر باقادر الذي استقبل أعضاء الوفد عند سلم الطائرة بابتسامة مشرقة كانت كافية لاستيعاب مضامينها بأن أهم مرتكز في الرحلة تمثيل الوطن تمثيلاً مضيئاً لما تأخذه من أبعاد ثقافية واجتماعية من جميع الجوانب .. ومن بين أعضاء الوفد شاعرنا الكبير محمد الثبيتي والدكتور الروائي سلطان القحطاني وأسماء جميلة ومضيئة لها دورها المؤثر في المشهد الثقافي السعودي . حطت الطائرة في مطار صنعاء .. استقبلتنا المدينة بتاريخها وحضارتها وهيبتها ومبانيها العتيقة وقهوتها العربية المرة المستطابة وأصالة إنسانها .. كانت وجوه المستقبلين تنضح بالود والسرور والترحيب لتقلنا حافلات إلى فندق سبأ في قلب المدينة .. كنا نعيش لحظة الانبهار من العمارة اليمنية القديمة .. فزاد حرارة اللقاء في بهو الفندق الذي يأخذ النمط المعماري القديم مع التجديد في أساليب وهندسة العمران .. من بين المستقبلين الشاعر والأديب الأستاذ محمد القعود وإبراهيم وغيرهم .. وقبل أن تطل بنت السماء المضيئة .. كانت عيون المدينة غافية ، الهدوء يضرب في أوصال المدينة ، وقتها بدأت المدينة كعروس يمانية متشحة بملابس مطرزة بالذهب والفضة تجلس على كرسي من العقيق اليماني الخالص .. يحيط بها سيفان يمانيان منيعان هما جبلا عصر ونُقُم ."يتبع".