لم يكن ليهوى سهم إعمار يوم الخميس الماضي بنسبة كبيرة بعد عمليات بيع غير مسبوقة أعادت السهم إلى مستويات منتصف العام 2004م , لو لم تعلن هيئة الأوراق المالية والسلع بدبي انتهاء الموافقة الثانية التي منحتها لشركة إعمار العقارية بإعادة شراء 10% من أسهمها بعد مرور عام على إصدارها. لقد شدني ما حدث لسهم إعمار لتخصيص مقالة هذا الأسبوع لسبر أغوار مثل هذه القرارات الخطيرة بصورة علمية وعملية لعلنا نصل إلى نتيجة نستشف منها مدى إمكانية نجاح تطبيق مثل تلك السياسات المالية ذات التبعات المالية الخطيرة جداً في السوق المالية السعودية. وأتساءل بداية باندهاش: ما الذي دفع عشرين شركة مساهمة سعودية بمبادرة فردية منها إلى رفع خطاب إلى مقام وزارة التجارة والصناعة بالطلب منها تمكينها من إعادة شراء أسهمها في السوق المالية السعودية بصورة استثنائية وعاجلة؟ ولماذا الآن؟ هل نقول: (أحشفاً وسوء كيلة) أم نقول إن ذلك هو آخر الإبداعات التي تفتقت عنها أفكار مجالس إدارات تلك الشركات لاستهداف ما تبقى لدى صغار المستثمرين من أموال قليلة يذهب جلها لتسيير المصروفات اليومية لهم ولمن يعولونهم؟ بلا شك أن خيار إعادة شراء الشركات لأسهمها هو خيار استراتيجي ذو دلالات كبيرة لا يدركها إلا المتخصصون في العلوم المالية والاقتصادية ومديرو التمويل في الشركات؛ فهذا الخيار في حال إقراره فإنه يكون لتحقيق أهداف محددة، منها ما يتعلق بالشركة، ومنها ما يتعلق بالسهم نفسه، وبالتبعية مصالح المستثمرين في سهم الشركة. ويجب ألا يتبادر إلى الذهن أن الهدف الأساسي للسماح للشركات بإعادة شراء أسهمها هو فقط توفير الدعم المادي لسعر السهم في السوق حيث يعتقد كثير من المستثمرين أن مثل هذا التدخل سوف يؤدي إلى ارتفاع سعر السهم في السوق كرد فعل طبيعي على زيادة الطلب (الوهمي) والذي يأتي بالطبع من جانب الشركة ومن شريحة كبيرة من المستثمرين الذين يعتقدون (خطأً) أن السهم سوف يواصل ارتفاعاته لفترة طويلة؛ وبالتالي يمنون أنفسهم بتحقيق أرباح رأسمالية خيالية من هذا السهم أو ذاك. الجدير بالذكر أن الشركات تسعى لإعادة شراء أسهمها وفقاً لسياسات مالية داخلية دقيقة نذكر منها - على سبيل المثال -، لعله يعتبر أشهرها وأهمها على الإطلاق، حين اكتسح عالم المال والأعمال في أمريكا وغيرها في نهاية حقبة التسعينات موضة منح الموظفين فرصة التملك في الشركة عن طريق منحهم الجزء الأكبر من الأسهم المشتراة ليصبحوا من ملاك الشركة كخيار تعويضي لا يترتب عليه تقديم أي نقد للموظفين أو تخفيض للأرباح، وهو ما سيدفعهم للعمل بجد ومثابرة لرفع مستوى الأداء في الشركة، والذي سينعكس بالتأكيد إيجابياً على سعر السهم في السوق المالية. وهنا يجب الانتباه إلى تغير نسبة ربحية السهم EPS الأساسية في ظل ممارسة الشركة لخيار إعادة الشراء وتمليك موظفيها جزءاً من تلك الأسهم. ولحسن الحظ فإن معايير المحاسبة الدولية تشترط على الشركة نشر نسبة الربحية الأساسية وطريدتها نسبة الربحية (المذوبة) وهي دائماً أقل من نسبة الربحية الأساسية، والفارق بينهما ذو دلالات محاسبية واستثمارية كبيرة. وحينما بدأ المستثمرون والمحللون الماليون التركيز على نسبة الربحية (المذوبة) كمعيار أساسي في عملية تقييم أداء الشركة، بدأ مديرو الشركات ربط اتخاذ قرار ممارسة إعادة شراء الأسهم بقيمة نسبة ربحية السهم المذوبة، حيث تزيد نسبة مشترياتهم من أسهم الشركة كلما كانت مستويات الأرباح أقل من معدل النمو التاريخي في نسبة ربحية السهم المذوبة، وذلك لكي يتمكنوا من التأثير في قيمة تلك النسبة لصالحهم. وهذا يعني أن النمو لا يعزى دائماً - في ظل ممارسة الشركة لهذا الحق - إلى تحسُّن أداء الشركة بل إلى نشاط إعادة الشراء، وهنا يجب على المتداولين أن يدركوا أن مديري الشركات يقومون بإعادة شراء لأسهم شركاتهم للتأثير في قيمة ربحية السهم لتبدو محاسبياً بصورة أفضل من حقيقتها وهي عملية مشابهة لعملية (النفخ) الصوري. وعلى الرغم من أن عملية إعادة شراء الأسهم تؤدي إلى تجميل نسبة ربحية السهم المذوبة، فإنها بالتأكيد لا تخلق أية قيمة مضافة للشركة وملاكها؛ وبالتالي لا فائدة يجنيها الاقتصاد المحلي من هذا القرار، وهي عملية يمكن تشبيهها بمن يأخذ (النقد) من جيبه الأيمن ويضعها في جيبه الأيسر لا أكثر. ومن العوامل الأخرى، وهي عوامل ذات أهمية ضئيلة، والتي تدفع الشركات لاتخاذ قرار إعادة الشراء هو كيفية توزيع فوائض التدفقات النقدية المتوفرة لدى الشركة خلال السنة الحالية، والتي تتسبب في إحراج مجلس الإدارة وتبقيها مستقبلياً تحت ضغوط تحقيق فوائض أكبر في السنة القادمة، وكذلك من العوامل قيام الشركة بعملية إعادة هيكلة لمديونيتها الحالية، وكذلك توصيل رسالة مباشرة داخل أوساط السوق بأن الشركة ترى أن السعر الحالي لسهم الشركة مقوم بأقل من قيمته الحقيقية. ويجب التذكير هنا بأن قيام الشركة مباشرة بشراء أسهمها من السوق المالية لتعزيز قيمة السهم السوقية هو سياسة غير ناجحة علمياً وعملياً في جميع الأسواق المالية؛ المتطور منها كبورصة نيويورك أو الأقل تطوراً كالسوق السعودي؛ لأن ارتفاع قيمة السهم السوقية لا يأتي بسبب خلق طلب وهمي ومؤقت بل يأتي من تحسن أداء الشركة وتحسن مؤشراتها المالية بالتبعية، والتي تعتبر نسبة ربحية السهم استثمارياً من أهمها على الإطلاق، والتي من أجلها يقوم مديرو الشركات بتطويع قرار إعادة الشراء لتعزيز قيمة تلك النسبة؛ وبالتالي ارتفاع قيمة السهم السوقية كرد فعل طبيعي؛ حيث إن المستثمرين يقيمون (إيجابياً) الشركات التي تحقق نمواً سنوياً مستقراً في نسبة ربحية السهم ومدى توافق ذلك مع توقعاتهم السابقة، علماً بأن قرار إعادة شراء الشركة لأسهمها يؤدي إلى انخفاض استثمارات الشركة الحالية أو قد يدفع بالشركة إلى دهاليز الاقتراض، وكلتا النتيجتين حتماً تؤديان إلى انخفاض الأرباح المستقبلية للشركة. وأخيراً، وفي ظل ما تم طرحه أعلاه، نتساءل: هل من المناسب السماح للشركات السعودية بممارسة حق إعادة الشراء لأسهمها أم لا؟ سنتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل في المقالة المقبلة بإذن الله. أستاذ العلوم الاقتصادية والمالية المشارك بجامعة الملك سعود