ونحن اليوم في بداية هذا الشهر الكريم، هنالك من يشمِّر للعبادة وهناك من يترصد الأكلات الرمضانية اللذيذة، وهنالك من يتوكأ للتسمر أمام التلفزيون لمتابعة المسلسلات وآخرين يستعدون لإخراج الزكوات والصدقات وتلك هي ما أريد الحديث عنه، فغالبيتنا يخرج زكاته وصدقاته في رمضان وهذا عمل طيب نرجو ان يتقبل الله من جميع المحسنين، ولكن كيف يتم اخراج هذه التبرعات؟ فهنالك من يعطيها للمتحاج من الأقربين وهنالك من يعطيها لأقرب من يمد يده أمامه على الطريق، وهنالك من يسلمها للمؤسسات الخيرية والتي استعدت بالحملات الاعلانية والبرامج الخيرية والتي نلمس لديها تطوراً ولكنه دون المستوى، والسبب في رأيي يعود إلى القائمين على هذه المؤسسات فغالبيتهم رجال خيِّرين أفنوا حياتهم في خدمة الفقراء والمساكين.. ولكن السؤال : من منهم حصل على دورات في الادارة والقيادة؟ من منهم قد حصل على دورات في ادارة العمل الخيري ؟ ومن منهم سأل نفسه لماذا نحن نعطي هذه الأسرة أو تلك كل عام ونفخر بأن عدد الأُسر التي ننفق عليها في تزايدٍ مستمر! أليس من المفترض أن يسألوا أنفسهم كم عدد الأسر الفقيرة التي حولناها إلى أسر منتجة؟ أو لم يسمعوا مراراً بالمقولة الشهيرة (أعطه فأساً ليحتطب) أو الحكمة الصينية التي تقول (علّمه الصيد لتشبعه كل يوم) ؟ إنني وللأسف في كل عام ألحظ تزايداً لعدد المساكين الذين يجوبون الطرقات ويطرقون الأبواب باحثين عن صدقة أو زكاة، وإننا كل عام نلحظ أن المؤسسات الخيرية تتزايد، وتحاول أن تعمل كل شيء ولذلك هي تفشل، فتجد المؤسسة الخيرية تبحث عن الأسر الفقيرة وهذه هي وظيفة وحدها، ثم تقوم بجمع التبرعات وهذه وظيفة أخرى، ثم تقوم باستثمار أموال التبرعات وتلك وظيفة أصعب وليست مهمتهم، ثم تقوم بتوزيع التبرعات على المساكين وتلك وظيفة أخرى، وللأسف فقد بنيت هذه المؤسسات على مبدأ الثقة والتديّن والأمانة، وتلك مهمة، ولكن الأهم هو الإدارة، الإدارة التي تحول العمل الفردي إلى عمل مؤسسي حقيقي، مبني على الشفافية، وعلى توزيع المهام والصلاحيات، والرقابة المالية العالية، والحضور الإعلامي الشفاف، والاعداد الاحترافي للبرامج التنموية والإغاثية، بناءً على خطة استراتيجية، وخطط تنفيذية متكاملة، بعد أن يتم تحديد الشريحة المستهدفة من المحتاجين، وتحديد الشريحة المستهدفة من المتبرعين، والعمل لتحويل الأسر الفقيرة من أسر معتمدة على الغير إلى أسر منتجة تلبي حاجاتها وترتقي إلى المساهمة في الاقتصاد الوطني والتنمية في البلاد وتقديم المنتجات والخدمات، وهذا ليس بمستحيل ونحن اليوم نشاهد ما تحققه برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع من إنجازات كبيرة جداً في دعم المؤسسات الصغيرة وتحويل الأسر الفقيرة إلى منتجة ودعم تدريب الفنيين والمتخصصين في التقنية وغيرها كثير من البرامج التنموية التي تتعدى مرحلة الإغاثة التي تقوم بها مؤسساتنا الخيرية، والحقيقة أن هنالك مسببات كثيرة لواقع العمل الخيري وللمجتمع نصيبٌ منه، فلا توجد أي جامعة سعودية تدرس العمل الخيري بالرغم من وجود جامعتين إسلاميتين ولكنهم لا يدرسون العمل الخيري نهائياً، ويوجد آلاف مراكز التدريب ولم نسمع عن دورات لإدارة العمل الخيري وجمع التبرعات، كما أن المجتمع يساعد هذه المؤسسات في ندرة تقديمه للمساعدات العلمية، فنحن نتبرع بمئات الملايين سنوياً للمؤسسات الخيرية ولكن أين الذي تبرع بتكاليف دورة ادارية أو دورة متخصصة بادارة العمل الخيري لمنسوبي المؤسسات والجمعيات؟ وكم حجم التبرعات والزكوات التي يتم تقديمها سنوياً؟ فمصادر مصلحة الزكاة تشير إلى أن حجم ايرادات الزكاة للعام الماضي بلغت 6.5 مليار ريال، ولو افترضنا أن ما تم تقديمه للمؤسسات الخيرية وللمحتاجين بشكل مباشر يصل إلى مايعادل ايراد مصلحة الزكاة فإن الإجمالي سيصل إلى 13 مليار ريال وهذا الرقم لا يتجاوز30 بالمائة من المبلغ المفترض تقديمه من الزكاة لحجم الاستثمارات السعودية؛ حيث إن المبلغ المفترض يتجاوز 60 مليار ريال حسب مصادر متخصصة، كما أن المبالغ التي صرفت كزكاة وصدقات للأسف يذهب أغلبها إن لم يكون جميعها إلى الإغاثة ولم يتم الاستفادة منها عبر تقديم الدعم التنموي للمحتاجين عبر تحويلهم من عالة إلى منتجين! بينما لو تأملنا في ما تقوم به (جمعية العون المباشر) والتي كان اسمها سابقاً (لجنة مسلمي افريقيا) والتي يقودها رائد العمل الخيري الدكتور عبدالرحمن السميط فسنجد أنها حققت انجازات تنموية عظيمة بالرغم من وجودها في أفريقيا والتي تعتبر أكبر منطقة تحتاج للتبرع الإغاثي، فلقد قامت هذه الجمعية بتسيير مشاريع زراعية على مساحة تتجاوز10 ملايين متر مربع، كما قامت بإنشاء وتشغيل أكثر من 100 مركز إسلامي متكامل، وبناء أكثر من 120 مستشفى ومستوصف، وحفر أكثر من 3 آلاف بئر ارتوازي وبناء عدد من السدود في مناطق الجفاف، وفي الجانب التعليمي فقد قامت ببناء وتشغيل أكثر من 200 مركز تدريب نسائي، والتكفل برسوم دراسة أكثر من مائة طالب مسلم فقير، وتقديم أكثر من 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الجامعات الغربية، عدا كفالة أكثر من 10 آلاف يتيم والتكفل بمصاريف أكثر من 3000 داعية وبناء أكثر من 1200 مسجد وغيرها كثير من المشاريع الخيرية العظيمة والتي لها قيمة تنموية تساهم في تغيير حياة هؤلاء الفقراء وليس إشباعهم اليوم وتركهم للجوع غداً.! ورمضان كريم.. كاتب ورجل أعمال