يمثّل العمل الخيري مشروعا إنسانيا يستهدف مساعدة ومواساة الفقراء والمساكين والأرامل والمعوزين، ومن هنا فإن دعم مشروع العمل الخيري الذي يصب في هذا الاتجاه يمثل قربة إلى الله وممارسة أخلاقية وإنسانية. والجمعيات الخيرية الأهلية تمثل العمل المؤسسي المنظم لهذا العمل الخيري الإنساني عبر منحها رخص مزاولة هذا النشاط ودعمها من الدولة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية. إلاّ أن هذه الجمعيات والجهات الخيرية تعاني في كثير من الأحيان من وجود بعض المعوقات التي تعيق تلقي تلك الجمعيات تبرعات وصدقات المحسنين والباذلين، وكذلك معوقات في تلقي وقبول بعض الهبات خاصة العقارية منها، كما أن هناك من يرى أن هذه الجمعيات قد حُرمت أيضاً من نصيبها من زكاة الشركات والمؤسسات حيث تستقطعها كاملة مصلحة الزكاة والدخل، فيما يرى بعض المهتمين بالعمل الخيري أنه من المفترض أن يكون للجمعيات الخيرية نصيب من هذه الزكوات بشكل مباشر حتى تستطيع تلك الجمعيات القيام بواجباتها تجاه العمل الخيري بشكل مناسب؛ مما يدعم جهودها في تقديم العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين. موافقات إدارية وتواقيع محاضر قبل إنهاء الإجراءات في المحكمة أو كتابة العدل إجراءات إدارية! وقال «د.محمد السيف» -مدير جمعية أسرة ببريدة- لقد يسر الله لهذه البلاد المباركة قادة وولاة أمر يحبون الخير ويساعدون عليه ويدعون إليه، وما نلاحظه في بعض الإجراءات المتبعة في دعم الجمعيات وإتاحة الفرصة لأهل الخير للتعاون مع هذه الجمعيات؛ نلاحظ أنه يتعارض مع حرص الدولة على تيسير أمور هذه المؤسسات والجمعيات التي تؤدي دوراً ريادياً ومجتمعياً كبيراً، بل قد يوازي أداؤها وبذلها جهد جهات عدة، مشيراً إلى أن من هذه الإجراءات الروتينية، موضوع قبول الهبات، فحين يريد المتبرع من أهل الخير والسعة التبرع بعقار استثماري أو حتى مقر إداري لجمعية خيرية؛ فإن هذا التبرع يلاقي التعقيد وطول الإجراءات الشديدة الشيء الكثير؛ تبدأ بإلزامه بأخذ موافقة مجلس إدارة الجمعية على قبول الهبة، ثم تعقد جلسة للجمعية العمومية الذين ربما يزيد عدد أعضائها على المئات وقد يكونون متفرقين في البلاد، وبعد موافقة العمومية تبدأ موافقة الوزارة، ثم تبدأ المرحلة الثانية مع وزارة العدل والمطالبة بتفويض أحد منسوبيها موقعة بأسماء مجلس الإدارة، وغير ذلك من الإجراءات التي ربما فوتت على هذه الجمعيات فرصة ثمينة فقد يمل المتبرع ولسان حاله يقول: (أنا أريد أن أعطيكم ولست آخذ منكم)!. د.السيف: الغرب يُعفي الأغنياء من الضرائب عند مساعدة الفقراء وخدمة برامج المجتمع وأضاف:»نأمل النظر في هذه الإجراءات، وتسهيل عملية الهبات فيكفي قبولها من قبل الشخصية المعتبرة المسؤولة في المؤسسة أو الجمعية مثل رئيس مجلس الإدارة أو الممثل المالي وهو المسؤول المعتبر لدى الوزارة، كما نأمل أن تسهل عملية الإفراغ لدى كتابة العدل متى تأكد رغبة المتبرع وملكيته للهبة». د.الشاوي: الجمعيات الخيرية تعاني من عدم تمكينها من الحصول على زكاة الشركات والمؤسسات هبات وزكاة وأوقاف وقال «د.عبدالعزيز الشاوي» -مدير المركز الخيري ببريدة- إن الجمعيات الخيرية تتلقى ما يرد إليها على شكل هبات وزكاة وأوقاف، مشيراً إلى أن هناك فرقا بين هذه الأنواع، من حيث سهولة حيازة الأوقاف؛ لأن الإجراءات المرتبطة بالمحكمة العامة لإصدار صك الوقفية لا يشترط حضور أو إذن الموقف عليه لإنهاء الإجراءات، بل إنها تتم بكل يسر وسهولة، أما الهبات العقارية فإنها مرتبطة بكتابة العدل، وفي أحيان كثيرة لا تتم الهبة من طرف واحد وهو الواهب، بل يطلب حضور الموهوب له «الجمعية الخيرية»، ومن يمثلها وهو المدير العام على أن يكون مخولاً من مجلس الإدارة بقبول الهبة؛ علماً أنها تمثل نفعاً محضاً. د.محمد السيف وأضاف:»هذه الطلبات تحتاج إلى وقت وربما أنها تكون سببا في عزوف الواهب عن تقديم الهبة؛ لأنه كان يتوقع أن تسهل إجراءاته في دفع صدقته وهبته، خاصة أنها هبة وليست بيعا أو شراء يشترط فيها إيجاب وقبول وتحديد الثمن وغير ذلك من الشروط الشرعية»، داعياً إلى تسهيل الإجراءات المطلوبة من المانحين والواهبين وتشجيعهم على البذل والعطاء للجمعيات الخيرية -التي هي بأمس الحاجة للموارد الثابتة التي تعينها على الاستمرار في تقديم رسالتها التي من أجلها أنشئت، وهو تقديم العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين والمساكين وخدمتهم-. التبرعات النقدية وأوضح «د.الشاوي» أن هناك تشددا في تمكين الجمعيات الخيرية من قبول التبرعات النقدية عبر البنوك -التي تخصم من حساب المتبرع لصالح أحد المشروعات أو البرامج الخيرية-. وقال:»بالنسبة للأوامر البنكية المستديمة التي تعتبر من أهم الموارد النقدية الثابتة للجمعيات -التي تحوّل شهرياً من حساب المتبرع إلى حساب الجهة الخيرية- كان النظام في السابق يسمح بأن تزور الجهة الخيرية المتبرعين في أماكنهم وتقديم النموذج وتعبئته والتوقيع عليه من المتبرع، ثم تسلّم الجهة الخيرية جميع هذه الأوامر إلى البنك الذي يفعّلها مباشرة لصالح الجهة الخيرية، لكن في الآونة الأخيرة منعت البنوك هذه الطريقة استناداً إلى تعليمات لديها بأنه يجب على المتبرع الحضور بنفسه إلى مبنى البنك الذي يوجد فيه حسابه الشخصي، وليس في أي فرع من فروع البنك وأن يعبئ النموذج ويوقعه داخل البنك»، مشيراً إلى أن هذه الطريقة منعت كثيراً ممن يرغبون تقديم مثل هذه المساعدات المستمرة للجهات الخيرية؛ بسبب هذه التعقيدات، وبالتالي حرمان الجهات الخيرية من تبرعات كثيرة. د.عبدالعزيز الشاوي شرط تعجيزي! وقال «د.السيف» إن هذا الموضوع كانت تسير عليه الجمعيات وكان يأتيها منه خير كثير؛ لأنه من القليل الدائم الذي لا ينقطع، ولا يشكّل عبئاً على المتبرعين متوسطي الحال، وفيه فتح المجال لكل الفئات، وهو يسير بطريقة محاسبية ومالية نظامية من الدرجة الأولى. وأضاف:»فوجئت الجمعيات بالإجراءات الصادرة من البنوك بعدم قبول الأوامر المستديمة إلاّ بحضور أصحابها شخصياً للفرع الذي يوجد فيه الحساب؛ مما سبب انتكاسة كبيرة لهذا الرافد الحيوي للجمعية وصعوبة تحقيق هذا الشرط التعجيزي، وغير واضح سبب هذا الإجراء مع كونه قائما على مستند رسمي للبنك، وفيه توقيع الشخص المطابق، ويمكن التحقق بالطرق التي يتم التحقق منها عند صرف الشيكات»، داعياً إلى إعادة النظر في هذه الإجراءات وتسهيل الأمور على المتبرعين ونفع هذه الجهات المحتسبة التي تؤدي دوراً كبيراً، فهذه التبرعات إنما تصرف بطرق نظامية وعبر محاسبين قانونيين وعلى مرأى ومسمع الوزارات المختصة. واقع الزكاة وقال «د.الشاوي» إن من أهم المشاكل التي تعاني منها الجمعيات الخيرية هو عدم تمكنها من الحصول على نصيب من زكاة الشركات والمؤسسات؛ لتغطية بعض الالتزامات الكبيرة على الجمعيات الخيرية -التي هي في أغلبها مصرف من مصارف الزكاة-، مشيراً إلى أن تلك المؤسسات والشركات حينما يطلب منها دفع زكاتها للجمعية فإنهم يحتجون بأن مصلحة الزكاة والدخل تأخذ الزكاة كاملة منهم، ولا تبقي لهم شيئا كي يتبرعوا به للجمعيات أو الجهات الخيرية. وأضاف:»إن بعض المحسنين من أصحاب تلك المؤسسات أمام الإلحاح فإنه يدفع من صدقته وليس من زكاته للجمعيات الخيرية مساهمة منه ومنعاً للإحراج»، موضحاً أن هناك نظاما يساعد الجهات الخيرية وهو أن المتبرع الذي يقدم تبرعاً للجهات الخيرية يخصم من زكاته المستحقة، وحقيقة الأمر أن الذي يخصم هو من الزكاة على رأس المال وليس من الزكاة الواجبة والفرق بينهما كبير. وأشار إلى أن الجهات الخيرية إذا كانت تقوم على دعم الأهالي لها -وهي جمعيات خيرية أهلية-؛ فإنه ينبغي أن تشجع هذه الجمعيات ولو بنسبة 50% من زكاة المواطن، بحيث ان من وجبت عليه زكاة معينة مثلاً 100 ألف ريال وقدم للجمعيات الخيرية 50 ألف ريال بمستندات رسمية من الجمعيات الخيرية؛ فإن هذا المبلغ يخصم من الزكاة المطلوبة منه والباقي يسدده لمصلحة الزكاة، مؤكداً على أن ذلك سوف يكون أكبر داعم للجهات الخيرية ومشجعا للمتبرعين والمزكين،مطالباً بمراجعة نظام الزكاة بما يخدم الوطن والمواطن والجمعيات الخيرية الأهلية. تحفيز الأغنياء وقال «د.السيف» إن الغرب قد سبقنا في مجال مكافأة المتبرعين وجعل ذلك من التحفيز للأغنياء لمساعدة الفقراء ولخدمة برامج المجتمع، حيث يُعفى من الضرائب حين يأتي بإفادة بأنه قد تبرع لقطاع خيري أو جهة اجتماعية، متمنياً أن يتحقق هذا الأمر لدينا عبر طرق قانونية مالية معتمدة من الجهات المختصة بالتنسيق بينها وبين الجمعيات الرسمية؛ بما يعين التجار على المسارعة في إخراج زكواتهم إلى هذه الجهات التي تقوم بإيصالها إلى مستحقيها بأسرع وقت، مشيراً إلى أنه مع اتساع عدد هذه المؤسسات الخيرية وتعدد مسؤولياتها وقيامها بأدوار مشهودة في نفع المجتمع؛ فإنها بحاجة ماسة إلى أن يوقف معها وقفة عناية، وأن يُنظر في موضوع مواردها المالية بما يعينها على التفرغ لتقديم البرامج النوعية والتخطيط السليم والمخرجات المُرضية.