أن يشبه شاعر الغزل محبوبته بالغزال من حيث الرشاقة وحسن الالتفاتة وجمال العينين والعنق فذاك شيء معتاد لا يقوم فارق بين الشعراء في استخدامهم له الا على حسن السبك وجودة الصياغة, واختيار مواقع التشبيه. وأن يشبه الشاعر معشوقته بغصن البان من حيث الليونة ومشية التبختر واعتدال القوام فذلك ما كان مطروقا من قبل الشعراء عامة, فهم يرون في غصن البان والخيزران والموز, وما الى ذلك من كل غصن لين مستقيم يوافق حاله ما يشبهونه به. وان يشبه الشاعر جمال الوجه بالقمر من حيث صفاء اللون ونقاء البشرة وبالشمس من حيث شدة البياض والتميز عن الاقران بكلثمة الوجه وغير ذلك, فذلك ما كان معهوداً لدى الشعراء القدامى خصوصاً الذين تقدمت حياتهم على اكتشاف القمر, وهبوط الانسان على سطحه ومعرفة طبيعة جغرافيته حيث علم انه مجرد كوكب ذي جبال وأودية وأخاديد, وان الضوء الذي يصدر منه ماهو الا مجرد انعكاس أشعة الشمس من على سطحه الى الارض ليس, الا. اما الشعراء الذين علموا بحالة القمر الجغرافية فقد ضربوا صفحا عن التشبيه به بل صرفوا شاعريتهم عن تشبيه الغواني, وذوات الحسن والجمال به. وهذه الاشياء التي كانت عدة لشعراء الغزل عندما يعن لهم الوصف في تغزلاتهم قد نظر بعضهم الى عاديَّتها وكثرة ولوع الشعراء بها فراح يبحث عن غيرها مما يليق بتشبيه محبوبته به, فوجد في أشكال بعض الحروف الهجائية ما يمكن ان يشبه به, وذلك مثل قول الشاعر ابراهيم بن عبدالرحمن بن علي الخياري المتوفي سنة 1083 من قصيدة له: الف بن مقلة في الكتابة قده حاشا فعاذله سما باللين والثغرميم كلنا صاد له والصدغ مثل الواو في التحسين 1 وعلى الجبين بشعره سين بدت سلب العقول بطرة وجبين 2 قد ادركت في الحسن غايته لذا حار ابن مقلة عند تلك السين والعينُ مثل العين لكن هذه نجلاء فاقت عين حور العين سبحان من خلق العيون بقول كن فبدت لسلب نفوسنا في الحين ياللرجال ويالها من فتنة كم أو قفتني في مواقف هون حتى شهدت بديع حكمة خالق في وضع ذاك النقط فوق النون 1 الصاد هنا بمعنى العطشان وليس المعنى بحرف الصاد 2 صدر البيت لأبي سناء الملك والقصيد كلها تشطير وتعجيز لنونية ابن سنا الملك.