حظيت الشمس باهتمام كبير في شعر شاعر العربية المتنبي ولم لا، وهي بالنسبة للإنسان أهم أجرام السماء فهي، مصدر الحرارة والضوء, وهذان العنصران يُعدان أهم مقومات الحياة على سطح الكرة الأرضية, والشمس نجم أصفر ويبلغ نصف قطرها 392,000 كيلومتراً، كما يبلغ حجمها حوالي 1,300,000 مرة حجم الأرض, أما كتلتها فتصل إلى حوالي 333,000 مرة كتلة الأرض, ويدور حولها وفي فلكها جميع كواكب المجموعة الشمسية. قال أبو الطيب: إن هذا الشعر في الشعر ملك سار فهو الشمسُ والدُنيا فلك ومن هذه المكانة المميزة للشمس ورغماً عن بعدها عن الأرض حوالي 93 مليون ميل فإن المتنبي صورها وكأنها حلية وزينة للسماء. قال في قصيدة يمدح بها أبا العشائر: الشمسُ قد حلت السماء وما يحجبها بُعدها عن الحدق وقال أبو الطيب أيضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: وقد ولدتك فقال الورى ألم تكُنِ الشمس لا تنجلُ يقول العكبري في شرح هذا البيت: الورى: الخلق، يقال: ما أدرى أي الورى هو؟ أي أي الخلق هو, والمعنى: يقول: لما ولدتك أمك، وهي الشمس في رفعتها، وعظم قدرها، وجلالة أمرها، استعظم الناس أن يلد مثلها، ومن صار في عظم منزلتها نسلاً، فكيف بك وأمك الشمس جلالة ورفعة. وقال الشاعر أيضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: وفي تعب من يحد الشمس نورها ويجهد أن يأتي لها بضريب يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: أنه ضرب مثلاً بالشمس وبحساده, يقول: من يقدر أن يأتي للشمس بمثل فليأت، فإن لم يقدر فليمت غيظاً، فكما أنه لا مثل للشمس كذلك لا مثل له. ومن المعروف علمياً أن الشمس تقع في مركز المجموعة الشمسية, قال الشاعر في قصيدة يرثي بها محمد بن إسحاق التنوخي: والشمسُ في كبدِ السماء مريضة والأرض واجفة تكاد تمور يقول العكبري في شرح هذا البيت: الواجفة كالراجفة، وهي المطربة, وتمور: تذهب وتجيء, والمعنى: يقول: إن الشمس لما ضعف نورها بموت هذا الرجل فكأنها مريضة، والأرض مضطربة لموته، فهي تذهب وتجيء وهذا كله تعظيم لحاله. وقال أبو الطيب أيضاً في قصيدة يمدح بها علي بن منصور الحاجب: كالشمس في كبد السماء وضوؤها يغشى البلاد مشارقاً ومغاربا يقول العكبري عن هذا البيت: هذه الأبيات هذا البيت وثلاثة أبيات قبله من أحسن الكلام، وأحسن المدح, ومعناه واحد, يريد أنه كثير النفع للحاضر والغائب, وهو مثل الشمس، حيثما كانت ترى نورها، وكذلك هو حيث كنت ترى عطاءه قد غمر الناس قريبهم وبعيدهم. يتضح لنا من بيتي شاعرنا السابقين إشارته الجلية الى موقع الشمس في السماء ,,, في كبد السماء الذي يشبه موقع الكبد في جسم الإنسان, وهذا يوحي بوقوع الشمس في وسط المجموعة الشمسية, وتشمل المجموعة الشمسيةو الشمس ذاتها والكواكب التي تدور حولها، فالكواكب االأربعة القريبة من الشمس، وهي عطارد والزهرة والأرض والمريخ تسمى بالكواكب الأرضية لأنها تشبه الأرض في تكوينها, ويدور حول الأرض قمر واحد، أما المريخ فقمران يدوران حوله، وأما عطارد والزهرة فلا يدور حولها أقمار، أما الكواكب الخمسة الكبيرة الأخرى التي تدور حول الشمس فهي المشترى وزحل وأورانس ونبتون وبلوتو. إضافة لما تقدم فقد أشار الشاعر في قوله: وضوؤها,, يغشى البلاد مشارقاً ومغاربا إشارة مباشرة الى حقيقة علمية، وهي ان الطاقة المشعة أو المنطلقة من الشمس أو غيرها من النجوم من ضوء وحرارة تحيط بالكرة الأرضية، ويمكنها الوصول الى الكرة الأرضية وغيرها من الكواكب مشارقها ومغاربها. قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعتذر له: خُذ ما تراهُ ودع شيئاً سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يخاطب نفسه ويقول: امدحه بما تشاهده من فضله وتراه من مجده، ودع عنك شيئاً سمعت به ولم تشهده، وأُخبرت عنه ولم تبصره، ففضل سيف الدولة على الملوك كفضل الشمس على سائر النجوم الكواكب ، وفيه ما يغني عنهم، وهو أكرم منهم، كما أن الشمس تغني عن زحل, وهذا من قول الحكيم: العيان شاهد لنفسه، والإخبار يدخل عليه الزيادة والنقصان، فأولى ما أخذ ما كان دليلاً على نفسه. والمعنى: فيما قرب منك عوض عما بعد عنك، لا سيما إذا كان القرب افضل من البعد. نتبين من بيت شاعرنا هذا وغيره من الأبيات عبقرية المتنبي الذي استطاع في بيت واحد أن يلخص لنا الفروق العديدة بين الشمس وزحل، فالشمس نجم مضيء يشع حرارة وضوءاً، أما زحل فكوكب خامد. يقول شرارة 1988م : وإذا نحن انتقلنا الى إطار آخر من أطر الحضارة البشرية في العصر الحديث، عثرنا على أديب من جنيف هو هنري فريد ريك أمييل يقول: الشعر الحقيقي أكثر من العلم، لأنه تركيبي النزعة، يلتقط لأول وهلة ما يستطيع تمازج العلوم كلها أن يفضي إليه في آخر المطاف، ويدرك خلاصته مرة واحدة كنتيجة نهائية, وإن الشاعر ليكتنه روح الطبيعة، بينما العَالِم لا يفيد إلا في تكديس المواد لإقامة الدليل عليها. لقد سبق وأن ذكرنا أن الطاقة المشعة أو المنطلقة من الشمس تنتج من التفاعلات النووية الاندماجية داخل الشمس, وقد قسمت الإشعاعات الشمسية الى: 1 إشعاع كهرومغناطيسي، ويمثل بالضوء المرئي، والإشعاع فوق البنفسجي، وما دون الأحمر وموجات الراديو، والأشعة السينية، وأشعة جاما, وهذا الإشعاع يصل الى الأرض بسرعة تعادل سرعة الضوء تماماً، ويقطع المسافة من الشمس الى الارض في حوالي ثمان دقائق. 2 جزيئات ذات شحنات كهربائية، وهذه الجزيئات تتحرك بسرعة أقل من سرعة الضوء وتصل الى الأرض خلال عدة ساعات بعد انبثاقها، وتظهر هذه الجزيئات على هيئة سحب شمسية غازية مكهربة. وقد أشار شاعر العربية الفذ أبو الطيب المتنبي الى ملامسة اشعة الشمس وضوئها لطرف العين، وإحساس الإنسان بها دون ان يقدر على مسكها. قال في قصيدة يمدح بها المغيت بن علي العجلي: كأنها الشمسُ يُعيي كف قابضه شُعاعها ويراه الطرف مقتربا يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: انه شبهها محبوبته بشعاع الشمس في القرب من الطرف، وبعده عن القبض عليه. وقال أحمد بن الحسين الجعفي أيضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: كأن شُعاع عين الشمس فيه ففي أبصارنا عنه انكسارُ يقول العكبري عن هذا البيت: يقول المتنبي : لإجلالنا له، ولعظمه عندنا، لا نملأ أبصارنا منه لقد أعجب هذا البيت قلقيلة 1403ه 1983م حيث قال: إذا كان لنا موقف نقفه من المتنبي، فهو التقدير والإعجاب، لقوله بانكسار الأشعة أو لإرهاصه به, فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فلمعرفته كيفية الرؤية، ولاستعماله لفظ انكسار الذي صار مصطلحاً علمياً في نفس المجال الذي استعمله فيه وبنفس المعنى الذي أراده منه. لقد ثبت علمياً ان سطح الشمس ليس ساكناً بل هو في حركة عنيفة وكأنه سطح هائج تحدث فيه انفجارات هائلة، وتمتد منه ألسنة لهب عظيمة, ويرجع ذلك الى ان جوف الشمس عبارة عن مركز للقوة الذي تتولد داخله حرارة هائلة تنساب نحو الخارج في تيارات حرارية هلى هيئة نتوءات واندلاعات ونافورات حرارية تنطلق من جسم الشمس بسرعة مذهلة. قال الشاعر في قصيدة يمدح بها أبا العشائر: ليس قولي في شمس فعلك كالشمس ولكن في الشمس كالإشراق يقول العكبري: المعنى: انه استعار لفعله شمساً لإضاءته يقول: لا يبلغ قولي محل فعلك ولكنه يدل عليه وبحسنه، كالإشراق في الشمس. والمعروف أن إشراق الشمس أوسع وأكثر انتشاراً من الشمس ذاتها كجرم من أجرام السماء. ولقد أشار أبو الطيب أيضاً الى الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر التي تلوح في أشعة الشمس خصوصاً عندما ينفذ ضوء الشمس عبر هوة ضيقة. قال في قصيدة يمدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي: وإن من العجائب ان تراني فتعدل بي أقل من الهباء يقول العكبري عن هذا البيت: الهباء: شيء يلوح مثل الذر في شعاع الشمس والمعنى من العجب معرفتك لي، ثم إنك تسوي بيني وبين خسيس أقل من الهباء، يعني غيره من الشعراء. وورد في لسان العرب لابن منظور: الهباء: التراب الذي تطيره الريح فتراه على وجوه الناس وجلودهم وثيابهم يلزق لزوقاً, والهباء: الغبار، وقيل: هو غبار شبه الدخان ساطع في الهواء, والهبوة: الغبرة, والهباء: الشيء المنبث الذي تراه في البيت من ضوء الشمس شبيها بالغبار. وقال الشاعر أيضاً في قصيدة يمدح بها علي بن صالح الكاتب: ودقيق قدى الهباء أنيق مُتوالٍ في مُستوٍ هزهاز يقول العكبري في شرح هذا البيت: الهباء: هو ما تراه في الشمس إذا دخلت من موضع ضيق. والأنيق: الحسن, ومتوالي: يتبع بعضه بعضاً, ومستو: صحيح الضرب: اي في متن مستو, وهزهاز: يتحرك يجىء ويذهب، وسيف هزهاز وهزاهز، كأن ماءه جوهره يذهب ويجيء. يصف أبو الطيب في هذا البيت سيفه، وشبه بريقه من تفاوته بتردد الهباء في ضوء الشمس, وهنا في هذا البيت والبيت الذي قبله استخدم شاعرنا الجسيمات الدقيقة التي تتردد وتتحرك في شعاع الشمس ليضرب بها مثلاً على وهن وضعف وخسة غيره من الشعراء بالنسبة له، اضافة الى أنه استخدمها ليبرهن بها وبترددها على نقاوة وحدة ورهافة وصفاء سيفه. ووصف أبو الطيب مرة أخرى الشمس بأنها فريدة لا يوجد لها مثيل، فهي نجم أوحد، أو بمعنى آخر أم المجموعة الشمسية. قال في قصيدة يمدح بها فاتكاً: كفاتك ودخولُ الكاف منقصة كالشمس قُلتُ وما للشمس أمثالُ يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: إذا قيل كفاتك ودخول الكاف منقصة ، جعل له شبيه، فانتقص بذلك، وإنما قولي كالشمس، وإن كانت لا شبيه لها. وقال ايضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: رأت لون نورك في لونها كلون الغزالة لا يُغسلُ يقول العكبري في شرح هذا البيت: أصل الغزالة: ارتفاع الشمس، وهو وقت سميت به, وغزالة الضحى: أولها, وقيل: الغزالة: الشمس، سميت بذلك لأن حبالها كالغزل الذي تغزله المرأة. وورد في لسان العرب: الغزالة: الشمس، وقيل: هي الشمس عند طلوعها، يقال: طلعت الغزالة، ولا يقال غابت الغزالة، ويقال غربت الجونة، وإنما سميت جونة لأنها تسود عند الغروب، ويقال: الغزالة، إذا ارتفع النهار، وقيل: الغزالة عين الشمس وغزالة الضحى وغزالته بعد ما تنبسط الشمس وتضحى، وقيل: هو أول الضحى إلى مر النهار الأكبر حتى يمضي من النهار نحو من خمسه. من المعروف علمياً أن الشمس تدور حول محورها من الغرب الى الشرق، وتقطع هذه الدورة في مدة 25 يوماً من أيامنا الأرضية، وهذا ما يعرف بيوم الشمس. قال الشاعر في قصيدة يمدح بها عبدالواحد العباس: وجرين مجرى الشمس في أفلاكها فقطعن مغربها وجزن المطلعا ومن المعروف ايضاً ان ضوء الشمس الناتج من سطحها المتوهج يخطف الأبصار، ولا تقوى عيوننا على مواجهته، وبالرغم من أن الشمس تبعد بملايين الأميال, والنور الذي ينبثق من الشمس دلالة واضحة على استمرارية عطائها لجميع الكواكب، كما أنها لا تغيب أبداً ودائمة الإشراق، حتى ان غروبها عن أحد أوجه الكرة الأرضية يعني شروقها على وجه آخر. قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: بسيف الدولة الوضاء تُمسي جُفُوني تحت شمسٍ ما تغيب يقول العكبري عن هذا البيت: الوضاء الوضيء: المبالغ في الوضاءة، وهي الحسن, وهذا كله للمبالغة , والمعنى: يريد أنه ينظر منه الى شمس لا تغيب، لأن الشمس تغيب ليلاً، وهذا شمس موجودة ليلاً ونهاراً الشمس لا تغيب ولكنها تغيب على بعض أجزاء الكرة الأرضية وتشرق على غيرها بسبب دوران الأرض حول الشمس . وقال ايضاً في قصيدة يمدح بها كافوراً: ولا تجاوزُها شمس إذا شرقت إلا ومنه لها إذن بتغريب يقول العكبري عن هذا البيت: شرقت الشمس: إذا طلعت وأشرقت : إذا استوت وأضاءت, وتجاوزها الضمير لمصر, شرقت الشمس على مصر ولن تبرحها إلا بأمر كافور!! فمن أين أتت الشمس، وتغرب على من وتشرق على من يا أبا الطيب؟ . وقال المتنبي أيضاً في قصيدة يمدح بها كافوراً: ولكنه طال الطريق ولم أزل أفتشُ عن هذا الكلام وينهبُ فشرق حتى ليس للشرق مشرق وغرب حتى ليس للغرب مغربُ يقول العكبري في شرح هذين البيتين: المعنى: أنه يعتذر إليه في مدحه غيره، ولكنه يقول: بعد الطريق بيننا، ولم أزل يطلب مني الشعر ووأتكلف المديح، وينهب كلامي. وقد بلغ كلامي أقصى الشرق واقصى الغرب, يريد أنه انتهى الى حيث لا شرق له وكذك في الغرب !! . وقال أحمد بن الحسين في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: وما قُلتُ للبدرِ أنت اللجينُ ولا قلتُ للشمس أنتِ الذهب يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: لم انقص من مجدك وفضائلك شيئاً كما ينقص البدر، بأن يشبه باللجين الفضة والشمس بالذهب، وهذا مثل ضربه. نتبين من هذا البيت أن شاعرنا قد يشبه لون الشمس بلون الذهب، وذلك للونها الأصفر المميز، وقد سبق لنا وأن ذكرنا ان الشمس قد تم تصنيفها علمياً على أنها نجم اصفر متوسط الحجم. من المعروف أن أشعة تؤثر على بشرة الجلد البنية والبيضاء وتغير لونها، نتيجة للتفاعل بين أشعة الشمس والخلايا الصبغية في البشرة, وتلاحظ هذه الظاهرة بوضوح في المناطق الصحراوية والاستوائية، والمناطق الأخرى المشمسة، أو على الأقل عندما يتعرض الإنسان لأشعة الشمس لمدة طويلة، حيث تعمل أشعة الشمس على إعطاء الجلد لوناً داكناً, ومن المدهش ان هذا التأثير لا يحدث على الشعر وخاصة الشيب. قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يذكر فيها مسيره من مصر ويرثى فاتكاً: تُسوِّدُ الشمسُ منا بيض أو جُهنا ولا تُسودُ بيض العذر واللمم وكان حالهُما في الحكم واحدة لو احتكمنا من الدنيا الى حكم يقول العكبري في شرح هذين البيتين: العذر جمع عذار، والعذار مأخوذ من عذار الدابة، وهو السير الذي يكون على خديها، فاستعير للشعر النابت، في موضع العذار, واللمم: جمع لمة، وهي الشعر الذي يلم بالمنكب، والمعنى: يقول: الشمس تغير ألواننا البيض، وتؤثر في اوجهنا بالسواد، ولا تؤثر مثل ذلك التأثير في شعورنا البيض، ولو احتكمنا الى حاكم من حكام الدنيا، لحكم بأن ما يسود الوجه يسود الشعر، ولكن الله حكم بأن الشمس تسود الوجوه، ولا تسود الشعور. تبدو لنا عبقرية المتنبي بدقة ملاحظته لما يدور وما يحدث من حوله ويستخدمه الاستخدام المناسب في شعره فهو قطع المسافة من مصر الى العراق وتعرض للشمس وحرارتها والى برودة الليل والى الرياح فتغيرت سحنته ومن معه ولكنه لم يحدث تغير في لون الشيب، فلو اسود شعر شاعرنا الأبيض لعاد إليه شبابه!!!. وقال الشاعر أيضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: صحبتني على الفلاة فتاة عادة اللون عندها التبديل، سترتك الحجال عنها ولكن بكِ مِنها مِنَ اللمى تقبيلُ يقول العكبري في شرح هذين البيتين: الفتاة: الشمس، جعلها فتاة لأن الزمان لا يؤثر فيها، كما يقال للدهر الأزلم الجذع: أي طريّ لا يستحيل, والتبديل: التغيير, والحجال: جمع حجلة، وهو بيت يزين بالثياب والستور، وهو بيت العروس, واللمى: سمرة تكون في الشفتين. والمعنى: يقول صحبتني على الفلاة التي قطعتها في سيري، والأسباب التي عاينتها وتجشمتها فتاة لا يهرم شخصها، ولا ينقص حسنها، عادتها في الألوان أن تبدلها، وتنقلها الى الأدمة وتغيرها, وقوله فتاة على سبيل الاستعارة، لأن طلوعها يتجدد في كل يوم، فهي بكر في كل يوم، ويقول لمحبوبته، سترتك الحجال عن هذه الفتاة الشمس التي غيرت لوني، لأنك في كنّ عنها لا يصيبك حرها، ولكن بك منها تقبيل لما في شفتيك من الأدمة، كأنها قبلتك، فأورثتك هذا اللمى الذي في شفتيك. عندما أشار الشاعر الى السمرة في شفتي محبوبته، فقد ذكر بصورة غير مباشرة الى تأثير الشمس وحرارتها حتى ولو بطريقة غير مباشرة على الأنسجة والأماكن اللينة والرقيقة في الجسم وأظهرها الشفاه. ومن المعروف أن ضوء الشمس واشعتها قد تضعف أو تحتجب في النهار بسبب إحدى الظواهر الطبيعية أو غيرها. قال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة لما ظفر ببني كلاب: ولو غيرُ الأمير غزا كلاباً ثناهُ عن شُموسهمُ ضبابُ يقول العكبري عن هذا البيت: الضباب: جمع ضبابة، وهي سحابة تغشى الأرض كالدخان، يقال منه: أضب نهارنا, والمعنى: أنه كنى بالشموس عن النساء، وبالضباب عن الدفع عنهن، لأن الضباب يستر الشمس، ويحول عن النظر إليها. وقال أيضاً في قصيدة يمدح بها كافوراً: جلا اللون عن لونٍ هدى كل مسلكٍ كما انجاب عن لون النهار ضبابُ يقول العكبري: انجاب انكشف, والمعنى: يريد أن الشيب كان كامناً في الشباب، فلما انكشف عنه بدا، أي زال وانكشف وهدى كل مسلك، يعني لون الشيب، فإنه يهدي صاحبه الى كل مسلك من الرشد والخير, وشبه زوال سواد الشباب عن بياض المشيب بارتفاع الضباب عن ضوء الشمس. وقال أبو الطيب أيضاً في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار: طاعنُ الفرسان في الأحداق شزراً وعجاج الحرب للشمس نقابُ يقول العكبري في شرح هذا البيت: الشزر من الطعن: ما أدبر عن الصدر، وقيل: هو على غير الاستواء, والمعنى: يريد أنه حاذق بالطعن في الأحداق إذا أظلم المكان، وصار الغبار نقاباً للشمس فهو عارف بمواقع الطعن. وقال المتنبي أيضاً في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: والباعثُ الجيش قد غالت عجاجتهُ ضوء النهار فصار الظهر كالطفل الجوُّ أضيقُ ما لاقاهُ ساطعُها ومُقلةُ الشمس فيه أحير المقل يقول العكبري في شرح هذين البيتين: غاله يغوله: إذا انتقصه، وأصله الإهلاك, ومنه: الغول, والطفل: وقت غروب الشمس, والظهر: وقت الظهيرة، وهو عند قيام الشمس للزوال, والجو: الفضاء والمعنى: هو الذي يبعث الجيش الشديد بأسه، الكثير عدده، الذي تذهب عجاجته بضوء الشمس، وتطمس إشراقها، حتى تصير في وقت الظهيرة على مثل حالها عند الغروب, وما بعد من الهواء أضيف بساطع هذا الغبار مما قرب، لأنه فيه تجتمع جملته، وتتراقى كثرته يشير الى ارتفاع الغبار في عنان السماء وما قرب فإنما يرده الشيء بعد الشيء، فينجلي منه ولا يجتمع، وعين الشمس أحير العيون بقربها من مستقره ودنوها من مجتمعه, والمعنى: الجو على سعة ارجائه أضيق شيء لبقيه ساطع هذه العجاجة. وقال الشاعر ايضاً في قصيدة يمدح بها ابن العميد: وترى الفضيلة لا ترُد فضيلةً الشمسُ تشرق والسحاب كنهورا يقول العكبري: الكنهور: العظيم المتكاثف, والمعنى: يريد أن من عادة الشمس ان يسترها السحاب إذا اجتمعا، وفيك هاتان الفضيلتان لا ترد إحداهما الاخرى، لأنهما كالمتضادين فيك، ولا ينفي احدهما الأخرى، فيك إشراق الشمس وانهمال السحاب، يشير الى تبلجه عند السؤال، وتدفقه بالنوال. وقد يحتجب ضوء الشمس كظاهرة كونية معروفة، وهي التي تسمى بكسوف الشمس وظاهرة كسوف الشمس من الناحية العلمية معروفة، حيث تدور الأرض حول الشمس، كما يدور القمر حول الأرض, وفي وقت ما أثناء عملية الدوران هذه لا بد أن تقع هذه الأجرام الثلاثة على خط واحد وفي مستوى واحد, وتحدث ظاهرة الكسوف عندما يقع القمر بين الشمس والأرض، ولذلك يسقط ظل القمر الدائري على سطح الشمس فيحجب ضوء الشمس كلياً أو جزئياً عن أجزاء من سطح الكرة الأرضية ويظهر الكسوف الكلي على وجه الأرض مرتين كل ثلاث سنوات، كما إنه يظهر في المكان نفسه من الأرض مرة كل 360 سنة تقريباً, ودورة الكسوف هي الدورة التي يستغرقها ظل القمر ليرجع الى المكان نفسه أو الموقع من المدار الظاهري للشمس، ومدة هذه الدورة 18 عاماً و11 يوماً وثلث اليوم, والكسوف قد يكون جزئياً إذا ظهر جزء من ظل الشمس على الأرض، أو تاماً حلقياً ، إذا حُجب ضوء الشمس عن الأرض. قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها كافوراً: كسفت ساعة كما تكسفُ الشمسُ وعادت ونُورها في ازدياد يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: الذي جرى بينكما بين كافور ومولاه ابن الأخشيد كان كما تكسف الشمس ساعة، ثم زال ذلك، فعاد الود إلى أكثر ما كان من الود، كالشمس إذا ذهب عنها الكسوف، عادت الى أتم ما كانت فيه من النور.