تحدث تغيرات سياسية هامة على خريطة إيطاليا داخليا قبل خارجيا تحتل ثلاثة عقود من الزمان، حتى إقرار الوحدة الإيطالية في 20 سبتمبر 1870م بعد دخول القوات المسلحة إلى العاصمة روما، تغيرات سياسية، وتأليف أحزاب جديدة، وقرارات تمس الحياة الاجتماعية الإيطالية في الصميم، وكلها مهدت للأرضية والتي سار عليها الأدب الإيطالي مستقبلا، في عام 1877م تُسنُّ قوانين عن التعليم، وأخرى تلغي إجبارية التعليم الديني المسيحي، وثلاثة تصادر أراضي الكنسية، 1882م يتكون حزب العمال الإيطالي، 1895م يظهر الحزب الاشتراكي في عام 1904م يتألف حزب الشعب الكاثوليكي، ثم تتعدد الإضرابات في سبتمبر من نفس عام 1904م اضراب عام في شمال إيطاليا يمتد بعد ذلك الى أماكن ومدن أخرى, بعدها تقوى شوكة الاستعمار الايطالي، فتحتل إيطاليا ليبيا العربية عام 1912م, ثم تعود الاضرابات في أكثر مدن إيطاليا في الثامن من يونيو عام 1914م، الأمر الذي مهد الى الأزمة السياسية التي اجتاحت إيطاليا في نفس عام 1914م، وكان لكل ذلك أسباب عديدة, حُمى التصينع بعد سيطرة الرأسمالية سريعا على الشمال الإيطالي، الوحدة المُصاغة من علٍ والتي حملت في طياتها وجه الرأسمالية، ظهور بذور الفاشية, وأمام هذه الأسباب كان لابد للحياة الثقافية أن تتأثر في مختلف مساراتها فتعثر نمو الآداب، ولم يُفلح المسرح في إقرار استمرارية العروض كخطة كان يحلم بها المسرحيون في تعبير ردّدوه في مطالبهم A TEATRO STABILE المسرح المستقر ، وأيدّه آنذاك الناقدان الأدبيان الإيطاليان رومونيكو لانزا من تورينو، إدواردو بوتت من روما, D. LANZA, و. BOUTET. تيارا الأدب,, المستقبلية، الشفقية CREPUS COLARISM, FUTURISM تياران أدبيان من أبرز أشكال الحياة الأدبية والثقافية في إيطاليا قبل الحرب العالمية الأولى, تيار المستقبلية يسير وفق منهجه المانيفست MANIFEST الذي صدر عام 1915م، وتيار الشفقية بمعنى الغسق غير الواضح الذي لا يستطيع العودة الى تيار جموع المواطنين من الطبقة الوسطى وهو ما عثر عليه الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو مستقبلا في قصصه ورواياته ودراماته . يُفجر تيار المستقبلية الإيطالية فيليو توماسو مارينيتي F.T.MARINETTI 22/12/1876 2/12/1944م ، وهو شاعر وقاص وكاتب درامي تعلم في باريس وبافيا وجنوا، وانشأ مجلة الشعر POESIA وهو ما اعتبر منهجا مضادا لأدب ومسرح الطبقة الوسطى, مسرحيات مستقبلية قصيرة الزمن لا تتعدى عشر دقائق، خالية من المنطق، متزامنة الحدث SIMULTANEOUS كثيرة الكلمات المُركبة، اصطناعية SYNTHETIC، زائفة كالاصطناع الكيميائي, لم يخرج المستقبليون عن هذه العناصر التي ذكرتها في آدابهم، ولذلك لم يستمر هذا الأدب طويلا، حتى بعد انتقاله الى دول أوروبية أخرى، وخاصة روسيا التي انبهر شاعرها فلاديمير فلاجيميروفتش ماياكوفسكي 17/7/1893 14/4/1930م V.V. MAYAKOVSKI بالمستقبلية وآدابها، وفنونها التشكيلية, وبينما انحرفت المستقبلية الإيطالية الى الفاشية، انحرفت المستقبلية الروسية الى الماركسية، وعجّل الانحرافان في نهايتها, لماذا؟ لأنها في الأدب تقطع العلاقة بالقديم ماياكوفسي يؤيد تأييدا أعمى ثورة بلاده ويصبغ الشعر بالسياسة، كما يبدو في مؤلفيه كيف يمكن كتابة الشعر؟ KAK GYELATY SZTVIHI، كيفية إعداد الشعر ، يكتب مارينيتي حركية كهربائية جنسية ELETTRICITA SESSUALE، مسرح المفاجأة TEATRO DELLA SORPRESA ، ويبقى بعد ذلك موقف الأدب الإيطالي تايها بين سقوط إيجابية الفلسفة، وانحدار الفكر المجتمعي، وأزمة الأدب المسرحي في تياري المستقبلية والشفقية، وعلامات مسرح الجروتسك GROTESQUE المسرح الغريب على نحو بشع أو مُضحك ، وكلها مساحات فراغ في ساحة الآداب الإيطالية مهدت لآداب بيرانديللو فيما بعد. عقد العشرينيات والثلاثينيات,, التيار الثالث استطاع لويجي بيرانديلو 28/6/1867 10/12/1936م LUIGI PIRANDELLO أن يكون بطل التيار الثالث في الأدب الإيطالي الحديث بما أبدعه من ذخيرة أدبية ودرامية في الشعر والقصة والرواية والدراما، وهو مادفع به الى استقحاقه جائزة نوبل التي حصل عليها في عام 1934م, حادثتان هامتان في حياته دفعتا به الى انتاجه الغزير في اتجاهات أدبية عديدة, الحادثة الأولى ميلاده فوق تراب صقلية البائسة في الجنوب الإيطالي، حيث تعارضُ مستوى المعيشة بين الشمال الغني والجنوب المتواضع كبعد الارض عن السماء, والحادثة الثانية هي صحوة فلاحي صقلية بين عامي 1893، 11894م والتي بذرت في نفسه بذور الحركة الاشتراكية في آدابه ودراماته, حتى أضحى مُرتدا عن ماضيه, فأبوه أحد دعاة الوحدة الإيطالية، وأمه ابنة أحد ثُوار الوحدة، ومع ذلك، ورغم ثراءه من أعماله الأدبية الأولى، إلا أنه يتحول تحولا جريئا، حتى يكاد يُشبه زميله الروسي ليو تولستوي الثري الذي كتب عن الفقراء والمعوزين, لقد كان بيرانديللو صنواً للواقعية في الحياة, يدخل عام 1924م الى عضوية الحزب الفاشي، لكن تكوينه الواقعي والاجتماعي يتعارض مع منهج الحزب فيخرج منه مُسرعا, ان التيار الثالث الذي قام على أكتافه تُسميه كثير من المراجع الأدبية تيار الفجر أو ضوء الصباح DAWN، بزوع الشعر، واتضاح القصة والرواية للعين والعقل، وبدء الدرامات المؤثرة في الجماهير. يكتب القصيدة الشعرية الحزن المبتسم MAL GICONDO عام 1889م فيعكس نور الفجر الليري, ثم يُفاجئ العالم بقصته حياتا مايتا باسكال عام 1904 IL FU MATTIA PASCAL, وفي العشرينيات يبدأ كتابته للدراما في وقت متأخر, والظاهر أنه استفاد من كتاباته الشعرية والقصصية والروائية فيما كتبه من درامات هي في الحقيقة أصعب وأشق الكتابات الأدبية, يُعلق الناقد والفيلسوف والسياسي الإيطالي أنطونيو جرامسكي ANTONIO GRAMSCI 1891 1937م على دراماته فيقول: كوميدياته قنبلية تثير حمماً بركانية تنفجر في عقول المشاهدين، مثل المادة إشعاعية النشاط، تُحرك من أحاسيسهم المتحجرة، قاضية على أفكارهم المُعششة في دواخلهم , وبيرانديللو القادم من صقلية والمستقر في روما يحاول بآدابه رفع الظلم عن رفقاء وطنه في الجنوب، وتنمية الأرض الزراعية هناك، وحماية رجال المناجم التعساء في وطنهم, وهو ينجح في أن يجعل أدبه يمتد ليأخذ مكانه جنبا الى جنب الآداب العالمية,في الإبداع الروائي تُلاحظ علاقة وثيقة بين الروايات والدرامات التي كتبها قبل عام 1922م, روايته المُعنونة روايات لسنة واحدة تظل خالدة في تاريخ الروايات الأوربية. ومع دخول بيرانديللو متأخراً الى تأليف الدراما، فقد فجّر دراميات أولى مسرحياته ست شخصيات تبحث عن مؤلف SEI PERSONAGGI IN CERCA DAUTORE مستعملا نظرية المسرح داخل المسرح كمخرج مسرحي, بعدها يتكون مسرح يحمل اسمه في نيويورك، كما يؤلف بنفسه فرقة مسرحية يجوب بها عدة دول أوروبية مؤكدا في فلسفته الدرامية احداث مسرحية بسيطة تقوم عليه عُقدة الدراما، لكنها عصرية لحماً ودما, وهو بهذه الفلسفة البسيطة قد أثر في كُتاب الدراما الأوروبية من زملاء عصره الإيرلندي صمويل بيكيت، الفرنسي جان بول سارتر، والسويسري فردريك دورينمات عامدا الى تفكيك تيارات الدراما من الداخل ليضع محلها شكلا دراميا آخر يحوطها داخليا وخارجيا ايضا يفوح بأوصال الحقيقة عن الحياة القائمة, فالحقيقة من وجهة نظرة نسبية, إذ من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان تتعرف على حقيقة الحياة, لأن كل مايحدث ما هو إلا تغّير في الأحاسيس وتكوين لأحاسيس أخرى,هكذا تبدو درامته الليلة نرتجل التمثيل STAERA SI RECITA DA SOGGETTO, يُعلق بيرانديللو على مسرحه فيقول: الجسم الذي تقتله على المسرح,, هو الفوضى CHAOS . في إثر بيرانديللو,, التيار الرابع سيطرت آداب ودرامات بيرانديللو على فترة ما بين الحربين العالميتين, بعدها جاء تيار الاتجاه الى العصرية، قاده الممثل الإيطالي روجيرو روجيري 1871 1953م RUGGERO RUGGERI والممثلة الإيطالية الشهيرة إلينور دوسي ELEONORE DUSE, وفي عام 1931م يؤلف انطونيو جوليو براجاليا A.G BRAGALIA 1890 1960م في روما مسرح DEGLI INOIPENDENTI المسرح المستقل يحتضن المؤلفين الدراميين الجُدد من أجل دراما طليعية شارحا فكرته في كتابة المسرح المُمسرح DEL TEATRO TEATRALE ومُستعينا باخراجه لمسرحيات مؤلفين عالميين مثل التشيكي كارل تشابك، الاسباني فدريكو جارسيا لوركا، الامريكي يوجيه اونيل، والانجليزي إيرلندي المولد اوسكار وايلد 1 . لكن الكاتب الدرامي البرتو كاسيلا 1891 1967م A.CASELLA هو الإيطالي الذي تبع وصايا بيرانديللو الدرامية، محافظاً في دراماته على فلسفة المعلم وتابعا لخطواته الإبداعية. دراماته المعنونة عُطلة الموت LA MORTE IN VACANZA صورة لمضامين درامات بيرانديللو الفكاهية الحاملة لمرارات البشر أخرج المخرج المصري فتوح نشاطي المسرحية بالمسرح القومي المصري في خمسينيات القرن الماضي تحت اسم الموت يأخذ اجازة . في بداية العقد الثالث وما بين الحربين يواجه هذا التيار الرابع مُضايقات الفاشية، كما واجهها بيرانديللو من قبل,ويسعى موسوليني شخصياً الى استمالة الممثلة إلينور روسني لتمثل مسرحيات دعائية لمذهبه السياسي الخانق, لكن بلا أمل. ويدعو هذا الموقف أشهر ممثلات إيطاليا الى الهجرة الى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتموت في 21/4/1924م في بتسبرج PITTSBURGH, إن هلع موسوليني من المسرح قد حدا به الى تأليف مسرحية مثلتها المسارح المتآمرة مع الفاشية، والتي كان همُها تحذير جماهير الشعب الإيطالي باسم الحلم الفني المسرحي يسجل التاريخ أسماء فدريكو فاليريو راتي F.V. RATTI، جيوفاني كافيشيولي G.CAVICCHIOLI كأعداء ومسرحيين مأجورين في حركة الادب المسرحي الإيطالي , نسيت أن أذكر أن مسرحية موسوليني لقيت فشلاً جماهيريا كاملا. مسرح نهايات القرن العشرين,, التيار الأخير كان لابد من إقرار المسرح والسينما حكوميا, أنشأت إيطاليا إدارة خاصة بميزانية ضعيفة DIREZIONE GENERALE DELLO SPETTACOLO لم تُسعف الضعف في الفنين، ثم اتبعتها عام 1959م الى وزارة السياحة. ومع ذلك ظل حلم المسرح المستمر يوميا يتحقق في مدن كبيرة مثل ميلانو، تورينو، تريستا، وروما العاصمة مسرح ميلانو الصغير PICCLO TEATRO من أشهر المسارح العالمية اليوم , وتعمل بغير انتظام مسارح كوميدية كمسرح ادواردو دو فيليبو EDOARDO DE FILIPPO حتى وفاته عام 1984م. ومسارح أخرى للهواة وفرق الجامعات. لكن جيل الستينيات من المخرجين الإيطاليين يُعزى اليهم وضع السلطة المسرحية تحت أيديهم، الأمر الذي تقدّم بالمسرح الإيطالي الى خطوات محلية وعالمية أيضاً لوتشيني فيسكونتي، ماريو شياري، جورجو سترلر 2 . إلا أن البحث في الفنون المسرحية الإيطالية وفي النشر الفني يدعم الحركة المسرحية المعاصرة دعما يتسم بالعلمية الفنية, فمؤلفات سيلفيو دا أميكو S.D AMICO، والمجلات الفنية التخصصية سيناريو، الرقى الإيطالية للدراما، الرقى الإيطالية للمسرح ، SCENARIO, RIVISTA ITALIANA DEL DRAMMA, RIVISTA ITALIANA DEL TRATRO تنشر فكر الآداب الدرامية، والنقد المسرحي، ودراسات تحليل العروض المسرحية, إن أعظم ما خلّده سيلفيو هو دائرة المعارف المسرحية ENCICLOPEDIA DELLO SPETTACOLO 11 جزءاً الى جانب مؤلفات تحمل عناوين تاريخ المسرح الإيطالي، عصور المسرح الإيطالي، الإخراج المسرحي، تاريخ المسرح الدرامي 4 مجلدات . IL TEARTO ITALIANO. EPOCHE DEL TEAT RO ITALINO METTERE IN SCENA, STORIA DEL TEARO DRAMMATICO. هوامش 1- KARL CAPEK, FEDERICO GARCIA LORCA, EUGENE O,NEILL, OSCAR WILD. 2- L.VISCONTI, M. CHIARI, G.STREHLER.