الحمد لله الذي أعد للمؤمنين دار كرامته وللمنافقين والكافرين أليم عقابه جزاء وفاقا، أحمده سبحانه وأشكره على عموم فضله ونعمه التي من أجلها صفات الخير لمبتغيها وسالكيها وتبين طرق الشر لمريد اجتنابها والهروب عنها وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له معز من أطاع ومذل من خالف أمره وعصاه في دنياه وأخراه وأشهد ان محمدا عبده ورسوله أكمل المؤمنين إيمانا وأحسنهم خلقا واعرفهم بالله صدقا ويقينا، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه المتآزرين على مايقتضيه الإيمان برب العالمين وعلى ما يتحصنون به من شر الشياطين. أما بعد: فيا أيها الناس,, اتقوا الله تعالى، واعلموا انه ما من إنسان يشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الا ويرجو رحمة الله ومرضاته ومغفرته وجنته وسعادته في دنياه وآخرته، وان من يرجو هذه الامور فلابد ان يخاف من أضدادها، فيخاف من غضب الرب وسخطه، ومن الجبار وسطوته، ومن التعاسة والشقاوة وانعكاس أمره عليه في دنياه وآخرته، وهذه صفات المؤمنين المتقين كما بينها تعالى بقوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم فهذه الصفات هي أسباب النصرة والرحمة، والعزة والكرامة والمغفرة ودخول الجنة قال ابن كثير معناه: أي يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الصحيح المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وفي الصحيح ايضا مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر . فمقتضى هذا ان المؤمن يحب لأخيه كل خير ويود ان يبعد عنه كل شر، كما يرغب ذلك لنفسه وهذا من أكمل الإيمان واتمه قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وهذا ما تعنيه الولاية في قوله بعضهم أولياء بعض فالولي لا يغش من تولاه ولا يخونه وأيضا هو معنى الدعوة الى الخير والى المعروف كما تقتضي الولاية بين المتوالين والمتآخين وان يزيحوا المنكر عن مجتمعاتهم وينزهوا أنفسهم عن أدرانه وآثامه، وان يتوجهوا الى ما يصلهم بربهم وخالقهم، ويداوموا عليه وهي الصلاة وان يصلوا ما أمر الله بصلته من خلقه بسلام او مال، وهذا ما تفرضه طاعة الله وطاعة رسوله، فمتى وجدت هذه الاسباب وجد الفرد الصالح، ووجدت الأمة المتحدة بالإيمان. بعضهم أولياء بعض يتجهون بهذه الولاية الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعلاء كلمة الله وتحقيق الوصاية لهذه الأمة في الأرض ويقيمون الصلاة الصلة التي تربطهم بالله ويؤتون الزكاة الفريضة التي تربط بين الجماعة المسلمة وتحقق الصورة المادية والروحية للولاية والتضامن. ويطيعون الله ورسوله فلا يكون هوى غير أمر الله، وأمر رسوله، ولا يكون لهم دستور إلا شريعة الله ورسوله، ولا يكون لهم منهج إلا دين الله ورسوله، ولا يكون لهم الخيرة اذا قضى الله ورسوله وبذلك يوحدون نهجهم وهدفهم وطريقتهم فلا تتفرق بهم السبل عن الطريق الواحد الواصل المستقيم. أولئك سيرحمهم الله والرحمة لا تكون في الآخرة وحدها، انما تكون في هذه الارض اولا ورحمة الله تشمل الفرد الذي ينهض بتكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وتشمل الجماعة المكونة من أمثال هذا الفرد الصالح -برحمة الله- في اطمئنان القلب والاتصال به، والرعاية والحماية من الفتن والاحداث ورحمة الله في صلاح الجماعة وتعاونها وتضامنها واطمئنان كل فرد للحياة واطمئنانه لرضا الله. ان هذه الصفات الاربع في المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقام الصلاة وايتاء الزكاة لتقابل صفات المنافقين الامر بالمنكر والنهي عن المعروف ونسيان الله,, وان رحمة الله للمؤمنين لتقابل لعنته للمنافقين والكفار، ان تلك الصفات التي وعد الله المؤمنين عليها بالنصر والتمكين في الارض ليحققوها في وصايتهم الرشيدة على البشرية. إن الله عزيز حكيم قادر على إعزاز الفئة المؤمنة ليكون بعضها اولياء بعض في النهوض بهذه التكاليف حكيم في تقدير النصر والعزة لها لتصلح في الارض وتحرس كلمة الله بين العباد واذا كان عذاب جهنم ينتظر المنافقين الكافرين وكانت لعنته لهم بالمرصاد وكان نسياه لهم يدفعهم بالضآلة والحرمان، فإن نعيم الجنة ينتظر المؤمنين. جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن . فاتقوا الله أيها المسلمون وكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص .