كنا لا نجد البئر بسهولة لو لم يكن الرولة معنا، لأنها تقع في مكان خفي لم يستخدم هذا العام، كما أن الطرق الموصلة إليها معدومة. كانت البئر بعمق ستين قدماً قسناها بحبل كان معنا إلا أن ماءها عذب حلو، وتسمى ببئر (البوصيري)، شربت منها الأغنام والخيول حتى ارتوت، وحتى فرسي التي عرفت فيها الاعتدال في مشربها لم ترضَ بأربع قرب. أصر رعاة ولد علي على مرافقتنا طمعاً بالمرور عبر ديار الرولة تحت حمايتنا، إلا أن محاولتهم بالمرور كانت بالنسبة لي لغزاً محيراً لأنهم يصطحبون بالإضافة إلى الأغنام خمسة عشر جملاً وفرساً جميلة المنظر معها مهرها، ويبدو أنها غنائم الحرب المحللة عندهم. الثالث عشر من نيسان لم تخف درجات الحرارة والأغنام تسير وألسنتها تتدلى خارجاً إذ لم تعد الحيوانات المسكينة تتحمل درجات الحرارة وكان أصحابه قد جزوها طمعاً بإنقاذها وعندما انطلقنا مررنا بتلين عاليين كوكل إلى اليمين والرماح إلى اليسار. ومن ثم وصلنا إلى جماعة تملأ القرب من حفرة كبيرة وعلى الرغم من أن الرولة حقاً الآن على مقربة منا إلا أننا توقفنا في وادٍ جميل مليء بالعشب لنرسل غانماً مع رجلين على ظهر ذلول لكي يعلن وصولنا في خيمة ابن شعلان وقد سررت لتوقفنا في هذا المكان لأن الجمال والخيول سوف تنعم بوجبة عشاء كافية لذيذة ولأن مخيم البدو إذا ما أمضى ليلتين في مكان واحد فإنه يأكل كل شيء حتى تصبح الأرض رقعة جرداء؛ وصل إلينا اثنا عشر أو أكثر من فرسان الرولة قادمين من مضاربهم القريبة وكانوا في سرور لنجاح غزوهم لأن ابن شعلان عاد البارحة وهم يقتسمون الغنائم هذا اليوم قدمنا لهم القهوة كواجب من واجبات الضيافة وكبير ضيوفنا الجدد رجل يُدعى أبو جديلة سأل عما يكون هؤلاء وفيما إذا كانت الأغنام لنا؟ فقلنا إنهم من رفاق الدرب الذين لحقوا بنا ولهذا توقعنا حصول غارة سريعة لأن الرولة هم في حالة حرب ولهم كل الحق بأخذها غنيمة لكن أبا جديلة ضحك فقط وقال لقد اكتفينا وشبعنا جميعاً. وهم هنا بمأمن من أن يتحرش بهم أحد. عاد غانم ليردد الكلمات التي قالها سطام بن شعلان عندما سمع بقدومنا من السبعة: هل أحضروا زوجتي معهم وعلى كل حال أرسل لنا رسالة شفوية ليرحب بنا ويعتذر عن عدم قدومه لرؤيتنا بسبب التعب وخيمته لا تبعد عنا أكثر من ثمانية أميال. يوم الأحد الرابع من نيسان 1878م شاهدنا أجمل منظر طبيعي يمكن أن يشاهد في البادية، إنه مخيم الرولة الذي وصلنا إليه فجأة بعد أن عبرنا سلسلة منخفضة في أرض مرتفعة وأشرفنا منها على سهل صيقل المترامي الأطراف الذي انتشرت فيه على مد البصر خيام لا تعد ولا تحصى وفيها الرجال والخيول والإبل وعلى بعد عشرة أميال امتدت بحيرة صيقل التي كانت بيضاء لامعة تحت الشمس إلا أن المسافة التي بيننا وبينها قد شغلت وكان هناك بعد متساوٍ لكل أجزاء المخيم شرقاً وغرباً عن مكان التجمع وقد قدرنا عدد الخيام بعشرين ألف خيمة والجمال بمائة وخمسين ألفاً وشعرت برهبة وخوف لهذا البحر الهائج من البشر كما لو كنت أشاهد البحر أول مرة لأننا لم نكن قد شاهدنا كل هذا الحشد من الخيام من قبل. وربما كان السبعة وأحلافهم أكثر عدداً ولكن ليس لديهم ربع ما في مخيم الرولة من الجمال التي لم نرَ مثلها في أي مكان آخر. وهذا ما أعطانا فكرة كبيرة عن الحجم الحقيقي لقبيلة الرولة مجتمعة. وأخذنا نكتشف ذلك ونحن نرتحل بخطى عادية وقد أمضينا ساعتين قبل أن نصل إلى خيمة سطام التي تقوم وسط المخيم. لم تكن هناك أغنام باستثناء ما شاهدناه منها على المنحدرات والتلال وقد صعقنا للعدد القليل من الخيول بينها ويبدو أن الجمال هي كل شيء عندهم وأخذنا نعد القطعان التي مررنا بها قطيعاً بعد قطيع مائة.. خمسمائة.. وحتى الألف وكانت الخيام أصغر من خيام السبعة باستثناء خيمة الشيخ التي كانت رائعة وتقوم على تسعة أعمدة وربما تطولت إلى مائة قدم من طرف إلى طرف آخر وشاهدنا فيها قطعة من السجاد وبضعة سروج أو قتب الجمال بالإضافة إلى وعائين عاليين للقهوة ومحماس للقهوة بطول ياردتين يرتكز على عجلات وربما تجد في الخيمة مائة رجل في حالة جلوس استقبلنا رجل في الثلاثين من عمره ووجهه يميل إلى اللون الأسمر نقط بآثار الجدري ويضع على رأسه منديلاً وردياً (شماغ) وحالما ترجلنا كان من الصعوبة أن نتعرف عليه فقد كان سطام بن شعلان شيخ الرولة. إن عائلة ابن شعلان تملك أكبر إرث عائلي في البادية.