بعد أربع عقود من الزمن على تورط الولاياتالمتحدة في حرب لم تحظ بشعبية في جنوب شرق آسيا يجد الرئيس جورج بوش نفسه مطارداً بشكل متزايد بمقارنة يخشاها البيت الأبيض وهي تصوير العراق على أنه فيتنام أخرى. وتصر الإدارة الأمريكية على أن أوجه الشبه قليلة. ويخوض حرب العراق الحالية جيش جميع أفراده من المتطوعين كما أن الخسائر الأمريكية في الأرواح أقل بكثير ولا توجد مظاهرات مناهضة للحرب على غرار الاحتجاجات التي اندلعت في الستينات. غير أنه عندما يسافر بوش إلى هانوي لأول مرة يوم الجمعة لحضور قمة آسيا والمحيط الهادي التي يستضيفها خصوم سابقون فسيكون ذلك تذكيراً بأوجه شبه بارزة بين الحربين. ويشعر الموالون لبوش بقلق شديد إزاء التفكير في تحول العراق إلى فشل على غرار الفشل في فيتنام لدرجة أن البعض منهم يتردد في مجرد ذكر اسم الحرب التي استمرت لفترة طويلة والتي قسمت الأمريكيين قبل جيل كامل. ويكتفي هؤلاء بالإشارة إلى حرب فيتنام بقولهم (كلمة-في). ومع تراجع التأييد الشعبي لسياسة بوش في العراق بعد تزايد الخسائر الأمريكية وتصاعد العنف فلا يبدو أن بإمكان الرئيس التهرب من المقارنة. وقال أنتوني كوردسمان الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (العراق مستنقع من نواح كثيرة). وأضاف (إنه نظير لفيتنام لا تريد الإدارة الإقرار به). وجاءت أقرب إشارة من بوش إلى مثل هذه المقارنة عندما قال الشهر الماضي إن التصاعد الأخير في العنف بالعراق (يمكن) مقارنته بهجوم تيت الذي قام به مقاتلو فيت كونج وحلفاؤهم في فيتنام الشمالية والذي ساهم في تحويل الرأي العام الأمريكي إلى معارضة الحرب. ونفى البيت الأبيض أن يكون بوش أشار ضمناً إلى أن العراق وصل إلى نقطة تحول مشابهة وأنه كان يعني بدلاً من ذلك أن أعداء أمريكا يحاولون التأثير على انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس. وسواء أكانت تلك النظرية صحيحة أم لا فقد مني الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش بالهزيمة في الانتخابات التي جرت في السابع من نوفمبر تشرين الثاني وفقد خلالها السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ لصالح الديمقراطيين فيما اعتبر رفضاً لسياسة بوش في العراق. وأدى ذلك إلى تصاعد الجدل بشأن ما إذا كان بوش الذي تجنب الخدمة في جنوب شرق آسيا بانضمامه للقوات الجوية التابعة للحرس الوطني في تكساس في عام 1968 يواجه الآن نسخته الخاصة من فيتنام. وأدت الحرب في العراق إلى تراجع معدلات التأييد لبوش إلى الثلاثينات في المائة وهي معدلات يمكن مقارنتها بمعدلات التأييد للرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون خلال حرب فيتنام كما تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الأمريكيين يعتقدون حالياً أن الذهاب إلى العراق كان خطأ من البداية. بل إن مشاورات بوش أمس الاثنين مع اللجنة المشكلة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي والتي يقودها جيمس بيكر وزير الخارجية السابق لدى الرئيس بوش الأب تحمل أصداء فيتنام. وينظر إلى اللجنة باعتبارها أفضل أمل لتغيير النهج رغم أن الخيارات أمامها محدودة. فقرب نهاية فترته الرئاسية التفت جونسون وهو ديمقراطي إلى السياسيين المخضرمين طلباً للنصيحة بشأن فيتنام. غير أن الأمر استغرق من الولاياتالمتحدة حتى منتصف السبعينات لتخليص نفسها بالكامل من فيتنام. ويقول مؤرخون عسكريون إنه في كلا الحربين ذهبت القوات الأمريكية بلا فهم يذكر للثقافة أو للعدو الذي تواجهه. وألقيت أغلب الاخفاقات الأمريكية في فيتنام على وزير الدفاع روبرت مكنامارا الذي وجه جهود الحرب تماماً مثلما فعل وزير الدفاع المتشدد دونالد رامسفيلد في العراق. ومثلما حدث مع مكنامارا واجه رامسفيلد الذي أصبح بتقديمه استقالته الأسبوع الماضي أول ضحايا الانتخابات بالإدارة انتقادات بعدما ترسخت الشكوك بشأن تحقيق النصر في العراق وتصاعدت الدعوات لإيجاد استراتيجية للخروج. ويعتمد بوش حالياً على تولي الجيش العراقي الجديد مسؤوليات بشكل متزايد حتى يتسنى تخفيض عدد القوات الأمريكية. غير أن التقدم بطيء في هذا الشأن. وكانت تلك سياسة اتبعها نيكسون في عام 1969 لتسليم المسؤولية لفيتناميين من أجل الانسحاب. غير أن القوات الشيوعية تمكنت بعد ست سنوات من الاستيلاء على سايجون عاصمة فيتنامالجنوبية. وظهرت (نظرية الدومينو) القديمة في ثوب جديد. فبدلاً من التحذير من سقوط آسيا في أيدي الشيوعيين يحذر بوش من أن العراق قد يصبح الأول بين بلدان عربية تسقط في أيدي الإرهاب وسلم ستيفن هادلي مستشار بوش للأمن القومي بأنه في الوقت الذي لم تتحقق فيه على الإطلاق بعض المخاوف بشأن سقوط فيتنام في أيدي الشيوعيين إلا أن الفارق الرئيس هو أنه على عكس العراق فإن أحداً لم يتوقع (خطراً صريحاً وقائماً) على أمريكا. وتقف أوجه اختلاف أخرى ظاهرة بشدة. ففي فيتنام حارب نحو 500 ألف جندي أمريكي كثير منهم من المجندين الساخطين جيشاً كبيراً من المقاتلين. أما في العراق فيحاول نحو 150 ألف جندي أمريكي تجنب نشوب حرب أهلية طائفية في الوقت الذي يواجهون فيه جماعات مسلحة متفرقة. وقتل نحو 2800 جندي أمريكي في العراق منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في عام 2003 بينما قتل أكثر من 50 ألف جندي أمريكي في حرب فيتنام. وتركت حرب فيتنام علامة ثابتة بالولاياتالمتحدة ظهرت من خلال تدفق الحشود على النصب التذكاري لحرب فيتنام في واشنطن لإحياء يوم قدامى المحاربين أوائل الأسبوع الجاري. غير أن حرب العراق كانت حاضرة في أذهانهم أيضاً. وقال راستي كيرتز (59 عاماً) أحد قدامى المحاربين في فيتنام بينما كان يطالع أسماء رفاقه الذين قتلوا خلال الحرب (لم نفز في فيتنام... وينبغي أن نتعلم الآن من الماضي). من جهة أخرى فشل مجلس النواب الأمريكي في إقرار مشروع قانون يتيح إقامة علاقات تجارية عادية دائمة مع فيتنام مما يمثل انتكاسة قبل زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لهانوي في مطلع الأسبوع المقبل. وجاءت النتيجة المفاجئة مساء الاثنين رغم إعلان وزارة الخارجية الأمريكية رفع اسم فيتنام من قائمة الدول التي تنتهك بشكل خطير حرية العقيدة مشيرة إلى تحسن في التسامح إزاء التعبير عن المعتقدات الدينية.