للتلفزيون أهمية لا توصف في شهر رمضان المبارك، وفي كل موسم يبدأ التنافس على أشده بين الأعمال الدرامية ليس في محطة متخصصة بل في كل المحطات التلفزيونية دون استثناء، حتى أن بعض المحطات الإخبارية أعطت حيزاً لبرامج ثقافية أو دينية أو حتى تحقيقات اجتماعية ليكون لها دور ووقع في المنافسة، ولكي لا تغيب عن أنظار ومتابعة المشاهدي. في الإجمال يتحول خلال شهر رمضان اهتمام المشاهدين إلى البرامج الأخرى خصوصاً المسلسلات على حساب نشرات الأخبار التي يعمد الكثيرون للتغاضي عنها. في العشرة الثانية من رمضان بدأت تظهر بعض نتائج نسبة المشاهدة تقريباً فكل محطة تلفزيونية لها متابعة مختلفة عن غيرها، ويمكن القول إن القنوات التلفزيونية كلها في المراتب العالية تقريباً مع بعض الاستثناءات في محطات ليست في دائرة المنافسة أو ليست أصلاً في دائرة البحث عن المنافسة. وتظهر معارك الفضائيات على أشدها في غياب حصرية عرض الأعمال الدرامية المختلفة وهنا أيضاً تقع بعض الاستثناءات؛ فقلة من المحطات التي يمكن اعتبار العروض الفضائية حصرية، مثلاً معركة تلفزيون الشرق الأوسط MBC والمؤسسة اللبنانية للإرسال LBC واضحة من ناحية استقطاب المشاهدين، وفي المقابل هناك معركة مقابلة بين قنوات (الحكايات) و(المسلسلات) أي بين شبكةART و(أوربت). فلكل محطة يبقى هناك متابعة مختلفة إلا أن النجم الأكثر سطوعاً بين القنوات ليست المحطة بحد ذاتها بل العمل الدرامي نفسه؛ لأن المشاهد هو المستفيد من عدم الحصرية هذه، فعندما ينشغل من متابعة مسلسل يستطيع أن يلحق به في محطة أخرى ليعرف الأحداث التي فاتته, من هذا المنطلق يكون التنافس على المسلسل بشكل عام. لهذا قد تكون العملية الإحصائية العامة رهنا ببعض الاستفتاءات العامة أيضاً، وليست الاستفتاءات الشعبية الكثيفة، فإذا تم الاستفتاء على نسبة مئوية يبقى هناك المئات. وفي شكل عام يبقى الأبرز في الأعمال المتنافسة من حيث النجوم والقصة، ففي MBC يظهر مسلسل (العندليب) الأكثر مشاهدة، خصوصاً بعد شهرين من التحضير عبر مسابقة العندليب التي قدمتها المحطة لاختيار شخصية الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، فجاءت المتابعة كثيفة، ومع هذا لم يكن العرض حصرياً إذ تعرضه في وقت مختلف قناة (دريم 2) أيضاً. ومن بين البرامج الأكثر شعبية ومتابعة أيضاً مسلسل (حدائق الشيطان) التي تهتم بعرضه الكثير والكثير من المحطات. وفي المقابل تعرض LBC قصة حياة الفنانة الراحلة سعاد حسني في مسلسل (ساندريلا) والذي تعرضه أيضاً أكثر من محطة في أوقات مختلفة، بينما تلفزيون دبي والرأي والمستقبل والمصرية وغيرهم تعرض أعمالاً أيضاً متشابهة ويبقى التنافس على توقيت العرض في الوقت الممكن، وليس في وقت الذروة في المسائيات والسهرات. بينما تبقى البرامج الدينية والمسابقات هي صاحبة الوقع الأكثر حصرية، ففي MBC برنامج (حروف وألوف) الذي يقدّمه للسنة الثانية على التوالي المذيع محمد الشهري، ويقع في دائرة المنافسة مع الكثير من المحطات وبينها المستقبل التي شهدت عودة (ميشو شو) الذي كان في أوقات سابقة البرنامج الأكثر شعبية وشيوعاً وشهرة. وبين المسافرون ورحلة والافتاء، يقف المشاهد حائراً لأنها لا تكون إلا في وقت انتظار مدفع الإفطار أو في لحظات التحضير له. وكأن في التوقيت الميت. وإذا بحثنا عن الأفكار التوجيهية التي تقدمها المحطات يظهر مسلسل (المارقون) للمخرج نجدة أنزور على شاشة LBCبين باقة الورود التي تقدمها الفضائيات، لما يحمل في ثلاثياته ضمن العشرة أجزاء من رسالة مبطنة أو مباشرة للشعوب والحكّام وحتى للأنظمة في مواجهة الإرهاب. فإذا توقفنا ملياً أمام (المارقون) فنجده يطرح موضوع الإرهاب في مقاربة إخراجية رفيعة المستوى، حبكة بطريقة أحياناً فيها ترابط وأحياناً بطريقة متباعدة، إلا أن الروايات لا تدفع المشاهد للملل من السرد المطوّل، وأيضاً يأتي تنويع وجوه الممثلين واختلاف جنسياتهم العربية وكأنهم يتحدثون بألسنة شعوبهم لما تعرض له شعوبهم من عمليات إرهابية، وهذا التنويع تطلب تنويعاً في مواقع التصوير، وهنا ظهرت قدرة المخرج على أن يضفي مشاهد الحقيقة على العمل، إذ حمل معدات التصوير وفريق العمل إلى بعض مواقع الحدث ليكون أقرب إلى الواقعية في تقديم الصورة، حتى لو كان بعضها بعيدا بعض الشيء عن الواقعية في القصص المختلفة. وفي العمل سعى المخرج نجدة أنزور ليس لإدانة الأشخاص أو الإرهاب بحد ذاته، بل كان من المدافعين عن صورة الإسلام في محاولة منه لإلقاء الضوء على التوجيه ومن أين يأتي، وعلى جهل البعض بتعاليم الإسلام وتوجيهه بطريقة متطرفة بتوجيه خارجي، محاولاً أن يفصل تهمة الإرهاب عن المسلمين والإسلام. العمل عميق يتضمن رسالة واضحة وجريئة. وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة، (أين هو مكمن الإرهاب ومن يغذيه) فهل يستمع المشاهد ويبحث في طيات الحلقات ليستكشف ما هو هدف رسالة أنزور من (المارقون)؟ أما العمل الثاني وهو حصري أيضاً على شاشة LBCهو مسلسل (المحروس) والذي يعتبر العمل الدرامي الذي يقدمه نجدة أنزور أيضاً الوحيد بأسلوب (الفانتازيا) وعلى رغم الصورة التاريخية التي يظهرها إلا أن الفكرة الأساسية هي عصرية بامتياز؛ لأنها رسائل سياسية مباشرة بصورة وبحبكة خيالية بأزياء تاريخية مزركشة، تتحدث عن أحداث ووقائع من العصر الجديد وعن شعوب القرن الحادي والعشرين. عملان يمكن وضعهما في سلة الفاكهة التي تقدمها القنوات الفضائية العربية، أو لتكون كعكة مميزة بين الأعمال الدرامية.والحقيقة الأخرى هي طغيان البرامج الخليجية التي لم يلقِ النقاد الضوء عليها في النقد ومنها على سبيل المثال مسلسل (الإمبراطورة) الذي يعتبر نقلة نوعية في عالم الدراما الخليجية، أو مسلسل (جمرة غضا) الذي يحاول أن يلامس الحقيقة الاجتماعية التي تعاني منها الكثير من المجتمعات العربية وليست الخليجية فقط من ناحية الجبروت أو القوة. ولن ننسى المسلسلات الخليجية الكوميدية التي تخطت حدود المناطقية لتكون في دائرة المنافسة مع العديد من البرامج الفكاهية الأخرى، ففي الموسم الحالي للأعمال التلفزيونية يمكن القول إن الأول لم يحدد برقم المحطة أو جهة إرساله بل بالعمل نفسه.