يعد صيام شهر رمضان الكريم من أعظم ساحات الجهاد الروحي للإنسان في الإسلام، ففيه يمسك الإنسان طوعاً عن الطعام والشراب والشهوات ابتغاء وجه الله تعالى، فهو يمتنع بإرادته عن تناول هذه الأشياء التي يشتهيها ولا يمد يده إليها وهي ميسورة له، فهو يجوع وبجواره طيب الغذاء، ويظمأ وأمامه بارد الماء فهو اختبار حقيقي لدرجة إيمان المسلم وإرادته. ولقد كان سلفنا الصالح من صحابة الرسول والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، وكانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامهم ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه، من اللغو واللهو والغيبة والنميمة والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، وكانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام، وكانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، فشهر رمضان ليس شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس، ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل، هو شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وفيه تتفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع فيه الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد. فلماذا هناك تقصير من بعض المسلمين حين تتحول سعادة الروح في كثير من الأحيان إلى انفلات البدن وتأخذ الأرض زخرفها وتتزين وكأن الدنيا هي الباقية، صيام بالنهار جوعا وعطشا وإفطار بالليل لهواً ولعباً باسم رمضان، وفي الحديث الصحيح: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) رواه ابن حبان.. لذا على المرأة المسلمة تعليم الناشئة على آداب الصيام الآتية: 1 - ليس للطاعات موسم معين ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصي، بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره.. قيل لبشر الحافي رحمة الله: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: (بئس القوم قوماً لا يعرفون الله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها). 2 - رمضان هو شهر التطهير، فمن أجل الله وحده ترك الإنسان لذاته وشهواته وصام عنها شهراً كاملاً من تبين الفجر إلى غروب الشمس إيماناً واحتساباً، فكان هذا الشهر تطهيراً له من دنس السيئات، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فشهر رمضان ليس شهر صيام فقط بل هو صيام بالنهار وقيام بالليل، فيه تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يقومون الليل بصلاة التراويح، فما أجملها وأرقاها من حياة للإنسان المؤمن أن يكون بالنهار صائماً وبالليل قائماً وهو يحس بسعادة روحية لا يعرف قدرها من سجن في رغباته المادية فحرم تلك السعادة. 3 - في شهر رمضان يحس المسلم بمقدار نعمة الله عليه في الشبع والري، فإن إلف النعم يفقد المرء الإحساس بقيمتها، ولا تعرف النعم الكثيرة إلا عند فقدها، وهنا يحس الإنسان بفرحة فطرية حين حل له ما كان محرماً عليه طوال يومه وهو ما عبر عنه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه). 4 - رمضان هو شهر التعاطف، وبالصوم يشعر المسلم بآلام الآخرين وبجوع الجائعين وبحرمان المحرومين حين يذوقون مرارة الجوع وحرارة العطش فيعطف عليهم قلبه وتنبسط إليهم يده، ولهذا عرف رمضان بأنه شهر المواساة والبر والخير والصدقات، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان أجود ما يكون، فهو أجرى بالخير من الريح المرسلة. 5 - لابد من استقبال شهر رمضان الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً لا تقليداً وتبعية للآخرين بأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم لنفوز بالمغفرة والعتق من النار، ولابد أيضاً من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل وتعجيل الفطور إذا تحققنا من غروب الشمس والزيادة في أعمال الخير وأن يقول الصائم إذا شُتم (إني صائم) فلا يسب من سبَّه ولا يقابل السيئة بمثلها بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن ليتم صومه ويقبل عمله، قال المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه -: (إنما الصوم جنة (أي وقاية) فإذا كان أحدهم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل، إني صائم إني صائم). 6 - لابد من المحافظة على صلاة التراويح اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وخلفائه الراشدين واحتساباً للأجر والثواب المترتب عليها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وكذلك أن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار اتباعاً للسنة وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن وتنزل الروح والملائكة فيها، وهي الليلة التي من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان. فلابد من الاجتهاد في كل ليلة منها بالصلاة والتوبة والذكر والدعاء والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار لعل الله أن يتقبل منا ويتوب علينا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار. 7 - لابد للصائم من المحافظة على تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان وغيره بتدبر وتفكر ليكون حجة له عند ربه وشفيعاً له يوم القيامة، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة لقوله تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) (123) سورة طه. 8 - لابد للصائم من الإلحاح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار عند صيامه وسحوره فإن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حين يفطر، وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي استجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )(60) سورة غافر. رمضان شهر فريد في حياة الفرد المسلم وفي حياة الأسرة المسلمة وفي حياة الجماعة الإسلامية، ففيه تتجدد الحياة كلها، تتجدد العقول بالعلم والمعرفة، وتتجدد القلوب بالإيمان والتقوى ويتجدد المجتمع بالترابط والتواصل، وتتجدد العزائم باستباق الخير وتكثر حوافزه، وتقل أسباب الشر ودواعيه، وتطرد ملائكة الخير شياطين الشر، فما أحوج أمتنا إلى أن تستفيد من شهر رمضان، فهو موسم المتيقنين وميدان المتسابقين ومغتسل التائبين، ولهذا كان السلف إذا جاء رمضان يقولون: (مرحباً بالمطهر) فهو فرصة للتطهر من الذنوب والسيئات كما أنه فرصة للتزود من الصالحات. فلنتخذ من شهر رمضان معسكراً إيمانياً لتجنيد الطاقات وتعبئة الإرادات وتقوية العزائم وشحذ الهمم وإذكاء البواعث للسعي الدؤوب لتحقيق الآمال الكبار وتحويل الأحلام إلى حقائق والمثاليات المرتجاة إلى واقع معاش. (*) أستاذ بكلية التربية للبنات بالرياض (الأقسام الأدبية)