هذه القصة من السوالف الخالدة التي أصبحت مضرباً للمثل بالوفاء في حقوق الخوي.. قصة شهيرة، شاهد هذه القصة بيت قصيدتها الذي أصبح مضرباً للمثل بالوفاء ويتردد كثيراً في مجالس الشعراء.. خوينا ما نصلبه بالمصاليب ولا يشتكي منا دروب العزاري هذه القصة رواها ودوَّنها فهد المنيع الرشيد في كتابه (شعراء من الرس) صفحة 32 أنقلها لكم كما جاءت بديوان فهد المنيع: في بداية القرن الثاني عشر الهجري كانت هناك قافلة حجاج من أهل الرس قادمة على الجمال من بيت الله الحرام بعد أداء فريضة الحج، وفي أول الطريق أصيب أحد الركب بمرض (الجدري)، واستمرت القافلة بسيرها والمصاب بصحبتهم، وعند منتصف الطريق وعند (جبل بلغه)(1) اشتد المرض على المصاب؛ مما جعل ركوبه على الراحلة متعذراً كلياً، فقرَّر رجال القافلة أن يحمل المريض فيربط بالحبال على أحد الجمال ويكون بصحبتهم حتى يقضي الله في أمره. وحبَّذ هذه الفكرة رئيس القافلة، ويدعى (ابن رخيص)، ولكن البعض الآخر لم يوافق على هذا القرار، بل رأى أنه من الضروري إبقاؤه والجلوس بصحبته في هذا المكان؛ لأن الرباط بالحبال على الراحلة يضرُّ الرجل الصحيح، فكيف برجل مريض جلده يشبه الزجاجة من حبات الجدري المختلطة مع بعضها في جلده، وأن هذا الإجراء لو تمَّ لكان رهيناً بوفاة الرجل؟! وقد قام بطل من هؤلاء الرجال ونذر على نفسه أن يجلس عند هذا المريض حتى يقضي الله في أمره إما وفاة دون تعزير وإما حياة يريدها الله له بسبب ذلك. وهذا البطل هو أحد رجالات الرس، ويدعى محمد بن منصور بن ريس؛ حيث جلس مع المصاب في سفح جبل وبين أودية ليس فيها إلا الضباع والذئاب، ونظم هذا البطل قصيدة أرسلها مع الركب إلى والدته بالرس؛ حيث إنها لا بدَّ أن تسأل عن ابنها الذي لم يصل ضمن صحبه.. أما القصيدة فهي كما يلي: قل هيه ياهل شابيات المحاقيب اقفن من عندي جداد الاثاري قفن بالرخصة كما يقفي الذيب ليا طالع الشاوي بليلٍ غداري لكن صفق اذيالهن بالعراقيب رقاصةٍ تبغى بزينه تماري يابن رخيص كب عنك الزواريب عمارنا يابن رخيص عواري خوينا ما نصلبه بالمصاليب ولا يشتكي منا دروب العزاري لزماً تجيك امي بكبده لواهيب تبكي ومن كثر البكاء ما تداري تنشدك باللي يعلم السر والغيب وين ابني اللي لك خويٍ مباري قل له قعد في عاليات المراقيب في قنةٍ ما حوله الا الحباري يتنا خويه لين يبدي به الطيب ولا يجيه من الصواديف جاري ان كان ما قمنا بحق المواجيب حرمن علينا لابسات الخزاري وعندما برئ المصاب من مرضه عاد الاثنان إلى الرس، وسمي ابن ريس بعد ذلك (أبا الضلعان) تكريماً له على هذا العمل البطولي، ولا تزال سلالة المذكور تُعرف بهذا الاسم حتى وقتنا الحالي. وهكذا الشعر يخلد الفعل الجميل ويبقى لصاحبه وتتدواله الأجيال على رغم مرور مئات السنين.. وعلى المحبة نلتقي مع سالفة أخرى. الهوامش (1) جبل بلغه: جبل يقع غرب القصيم