قبل حوالي نصف قرن من الزمان حدث قحط شديد في أحد ربوع البادية، مات بسببه الحلال وقلّت الأرزاق، فرحل العربان وبقي بيت واحد يقبع في وسطه عدد من الأطفال والنساء، وضاقت الأرض بما رحبت على صاحب البيت المدعو بطيحان السعدي بسبب هذا الموقف المؤلم .. حيث لا يوجد لديه راحلة يحمل عليها بيته وأطفاله. وفي أحد الأيام شاهد مجموعة من الرجال يمشون على أقدامهم متجهين نحوه، فظنهم بعض (الحنشل) الذين جاءوا لينهبوا بيته وأمتعته ولكنهم عندما أقبلوا أخذوا ينشدون بعض القصائد الحماسية فعرفعهم وكانوا من فخذ الهضبة من قبيلة شمر جاءوا لإنقاذه فحمل قسم منهم البيت على أكتافهم وحمل الباقون بقية الأمتعة واتجهوا إلى الحي الذي يبعد مسافة طويلة إذ استغرقت مسيرتهم ثلاثة أيام على الأقدام حيث يحطون البيت في المساء، وفي الصباح يحملونه حتى أن بعضهم كان يحمل الأطفال إلى أن أوصلهم إلى الحي. بعد ذلك قال بطيحان هذه القصيدة يمجد أفعالهم ويذكر معروفهم في إنقاذه هو وأطفاله: بديت بالله قبل ما أبديت بلسان الله كريم وكلنا محترينه تعود لي عودة رياض وسمهدان عقب المحل ربي عطاها بحينه يا عيال ياللي فوق عجلات الاقران أخذوا جواب بالورق كاتبينه خوذوا جواب من طرايف بطيحان من كوكب كل العرب بأخنينه يوم أن شبت واشلهبت بنيران ردوا على اللي قبل رادينه نعمين بالهضبة مطاليق الايمان كل فتل لي شاربه في يمينه يوم ادبحت ردوا على ما هو كوبان البيت فوق ظهورهم شايلينه والكل منهم بالمحامل بليهان وحتى مساعد فوقهم مركبينه ونعم يا خو عيده بلحية غريبان ابن ركاد القرم عاشت يمينه ويعل عمرك دوم يا ابن دبيان جاب الذلول برشمته راسنينه من جيتهم ما قلت جيعان يا فلان كل ما فرغ عدلى ليا تارسينه يوم العفون بما لهم طار شيطان مات الحلال ولا أدركوا غير فينه ويفدونهم اللي طيبهم بس بلسان اللي يحطون القصيرة خدينه من باب حايل للمدينة لزوزان رأياتهم بيض بعالى بطينه بيض تسن وجيههم كل ميحان بحكاية كل العرب خابرينه وعيال الغفيلة ما هبوا ذكرهم بان طلق وأبو متعب ثنوا مع كمينه ومشكاي لله ثم أشاكي فنيسان ولد الغفيلي قبل ذا باخنينه لا طب فرجه كنه الذيب سرحان ولا جا الثنا لازم يملي يمينه ونعمين بالعواد ليا نار كوبان زوبع هل الرده ما هم شاحذينه هكذا يسطر الرجال في الجزيرة العربية أروع أمثلة الوفاء وحماية الجار، وهكذا يسجلها التاريخ بهذه الأبيات الخالدة في صدور الرواة، وهكذا نفتخر بمتابعة كبار السن لهذه الصور بعد أن سطّروها ونحن ننقلها عنهم.