في حين تجتاح القوات الإسرائيلية قطاع غزة مخلفة وراءها قتلا وتدميرا وتخريبا بسبب أسر أحد جنودها، كانت قوات أخرى للكيان الصهيوني تدمر وتخرب في القرى الحدودية اللبنانية بعد نجاح حزب الله في أسر اثنين من جنود إسرائيل، وبدأت لهجة التصعيد والتهديد هي المسيطرة على الشارع الإسرائيلي وهو ما عكس تصعيدا موازيا في الشارع العربي وسط مخاوف دولية من انفلات الوضع في منطقة الشرق الأوسط ودخول المنطقة في حرب عربية - إسرائيلية خامسة، وبالرغم من استبعاد عدد من المحللين السياسيين حدوث مثل هذه الحرب في الوقت الراهن على الأقل، إلا أن هناك روى أخرى تقول بإمكانية عودة الصراع العربي - الإسرائيلي بمعناه المسلح إلى سابقة خاصة مع دول الطوق. الجزيرة استشرفت مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي مع عدد من الخبراء والمحللين لمعرفة ماذا سيحدث مستقبلا من واقع قراءات وتوقعات ذوي الشأن . اللواء طلعت مسلم الخبير العسكري قال إنه من الصعب القول بأننا على أبواب حرب خامسة بين العرب والكيان الصهيوني، ولكن ذلك لا يمنع أننا على أبواب مواجهة عربية على نطاق واسع بطريقة لم تحدث من قبل، وسوف تكون على كل المستويات سياسيا ودبلوماسيا. وأوضح الخبير العسكري أن الجيوش العربية النظامية لن تدخل حربا مجتمعة ضد إسرائيل في هذه الآونة ولكن المواجهة ستكون معتمدة بشكل أساسي على المقاومة الشعبية، وإن كانت الجيوش لن تكون بعيدة عن ذلك فهي مما لا شك فيه سوف تأخذ في البداية موقع الدفاع لكنها لن تسمح بأية حال بانتهاك سيادة أراضيها وأن ذلك كله سيتم بشكل منفرد دون تنسيق جبهات كما حدث من قبل؛ لأن الظروف الدولية والإقليمية تحول دون حدوث حرب عربية شاملة على إسرائيل . الدكتور عبد الله الاشعل أستاذ القانون الدولي والمحلل السياسي أشار إلى أن التاريخ الإجمالي للصراع العربي - الإسرائيلي يقودنا إلى العديد من الدروس والنتائج، التي من الممكن أن تكون الأساس الصادق للتعامل مع عقد جديد من الصراع. إنه من الواضح عدم جدوى الاستمرار في الخطابات الاحتجاجية، بل إن الأكثر أهمية أن نكون على بينة بأن العرب حتى هذه اللحظة كانوا ضحية كل التطورات العالمية والإقليمية، ولم يتولوا زمام المبادرة على الإطلاق، حيث توقفوا عند مرحلة رد الفعل على هذه التطورات. وهذه النتيجة لا تتماشى مع الحقيقة المعروفة، وهى أنهم يملكون كل الوسائل التي تجعلهم في المقدمة. أوضح الاشعل ان مقارنة صورة العالم العربي بإسرائيل في عام 2005 تبدو قطعاً في صالح إسرائيل. فإسرائيل نشطة جداً في تنمية قدراتها، وكذلك في التأكيد على تفوقها العسكري، وإمكانية سيطرتها على الموقف. بل والأكثر أهمية هو دفعها بأن العرب إرهابيون في حين تصف نفسها بأنها الشريك القوي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، واستبعد الأشعل على ضوء هذه المؤشرات حدوث حرب خامسة بين العرب وإسرائيل في الوقت الراهن على الأقل. الدكتور عاطف الغمري المحلل السياسي قال: إن التصعيد الإسرائيلي مقصود ومدبر له من قبل سواء تمت عمليات الأسر أم لم تتم والدليل علي ذلك انه عقب انتهاء حرب يونيو1967 راحت الوثائق والمعلومات السرية تكشف عن أن (إسرائيل) كانت تجهز لهذه الحرب قبلها بسنوات، تطبيقاً لاستراتيجية (إسرائيلية) ثابتة، تتبع نهج التحرش المستمر بالدول العربية ودفعها إلى رد فعل، تسرع (إسرائيل) بتلقفه، وتصوره للعالم الخارجي، على أنه مبادرة بالعدوان، ثم تبدأ فوراً بتنفيذ خطتها المجهزة مسبقاً، التي دربت عليها جيشها، لتحقيق أهدافها التوسعية، التي هي أساس المشروع الصهيوني وهي الاستراتيجية التي لا تزال تطبق منذ بن جوريون (1948) وحتى أولمرت (2006)، وكان ينبغي ألا تتغافل عنها الفصائل الفلسطينية، وتخرجها من حساباتها، حتى لاتسمح بجرها إلى الفخ (الإسرائيلي). واشار الغمري إلى تردد معلومات عن عملية عسكرية (إسرائيلية) يجري التجهيز لها قبل اختطاف الجندي بأسبوعين، لتحقيق مجموعة أهداف تشمل: اختصار المشوار الذي أعلنه اولمرت في آخر لقاء له مع الرئيس بوش الشهر الماضي، من أنه سيتخذ إجراءات أحادية الجانب لحل النزاع (الإسرائيلي) الفلسطيني، وإعلان حدود (إسرائيل) النهائية، إذا لم يجد أمامه شريكاً فلسطينياً وتثبيت نظريتهم عن عدم وجود هذا الشريك ولكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتحطيم بنية المجتمع، فضلاً عن الأهداف بعيدة المدى للتوسع، والقائمة منذ وجدت «إسرائيل» كدولة، بلا حدود نهائية معلنة، وانتهاز كل فرصة متاحة لتمدد الحدود، طبقاً لنظرية بن جوريون عقب قيام «إسرائيل» من أنهم ليسوا في عجلة لسلام نهائي مع العرب، إلى أن تستقر «إسرائيل» على حدودها النهائية، بمعنى استكمال التوسع واحتلال مزيد من أراضي العرب. رشاد الشامي أستاذ الأدب العربي والمحلل السياسي قال: إن أي دراسة استشرافية لمستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي لابد ان تعتمد علي تاريخ هذا الصراع وهي فترة زمنية تمتد من عام 1882 (عام أول هجرة صهيونية إلى فلسطين) وحتى الآن، وقسّم الشامي هذا التاريخ إلى مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى وتمتد من (1882- 1949)، والمرحلة الثانية وتمتد من (1949- 2005)، وهما مرحلتان متقاربتان زمنيا (الأولى 67 عاما، والثانية 56 عاما وأوضح ان المشروع الصهيوني نجح إلى حد كبير، في إنجاز الأهداف المرجوة: على مستوى الهجرة، وصل عدد اليهود في فلسطين منذ الهجرة الأولى عام (1882) وحتى إقامة الدولة وعبر خمس هجرات كبيرة ومتوالية من الهجرات الصهيونية، إلى 650 ألف يهودي، كما نجح المشروع الصهيوني في إعداد البنية التحتية والكوادر البشرية القادرة على تشكيل دولة بكل المقومات المتعارف عليها، وفي كل القطاعات. ونجح المشروع الصهيوني في إنزال أول هزيمة عسكرية، ليس بالفلسطينيين فقط، بل بالدول العربية المحيطة بفلسطين كما اقنع الدول العظمى بمساندة المشروع وأهدافه، وفي المرحلة الثانية حققت إسرائيل تقدما ملحوظا في كل مجالات قياس التقدم في العالم الغربي وفي أمريكا. لكن على المستوى البشري والسكاني لم يحقق المشروع الصهيوني ما كان يصبو إليه لذلك فهو لن يقدم على حرب خامسة خشية تسببها في مقتل عدد كبير من المواطنين الإسرائيليين .