كلّما زاد تنوُّع بيئات المحيطين بأي أسرة في أي مجتمع، زاد تنوُّع الأفكار والسلوكيات والدوافع، ولو توافقت في جزء منها اختلفت في جزء آخر، وهذا يُعَد في الحسبان، فاختلاف البيئة يولد تصادماً في الأفكار والرؤى تجاه أي قضية ولا غضاضة في ذلك والاتساق والتنافر دائماً في شد وجذب لإثبات الوجود تارة ولإظهار الذات تارة أخرى وأسباب أخرى كثيرة، لكن عندما يكون الاختلاف بين الأقارب وتتطور المسائل إلى القطيعة فهذا ما يكون أثره أكبر خصوصاً لمن هم في بيئة واحدة لأنهم قد يجدون اختلافاً في بعض الأمور مراراً وتكراراً وخاصة ما يتعلق بالأمر والشركاء والتجارة والمال والذي يكون في العادة أكثر مجالات الخلاف {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}الآية (24) سورة ص. وهنا فالمشكلة في عمقها تكون أشد وفي تداعياتها أوسع كون الأقارب يمثلون سلسلة واحدة وحلقة واحدة مترابطة تتأثر بما يفعله الواحد والإثنان في القرار الأسري الذي قد يمتد أثره من الأسرة إلى الجماعة فالعشيرة .. وهكذا، مما يوجد مساحة أكبر لتأخذ في الرد والقبول الجماعي الذي يهم العدد الأكبر منهم والمعضلة الأكبر هو امتداد الخلاف بين الفردين في الأسرة لتتسع دائرته إلى كافة الجماعة وتبدأ الآراء في الظهور بين معارض ومؤيد فتدخل الأسر في نفق من الخلافات قد تمتد إلى أجيال أخرى كثيرة بعدهم وهم لا حول لهم ولا قوة .. ولأنّ الخلاف في الفكرة والرأي أمر موجود ولا مناص منه، فالمطلوب دائماً اللجوء إلى تحكيم الشريعة وتعاليم الدين الحنيف ومن ثم رأي عقلاء الجماعة وأصحاب الرأي النافذ لتجفيف منبع الخلاف من خلال طرح أكثر من طريقة للحل الأسري وعدم الإصرار على شكل واحد من الحلول واستخدامه في كافة المسائل التي تعترض أصحاب الحل حتى لا يتطور إلى ما لا يحمد عقباه فيبقى الأقارب بين معزولين من جهة عن بعضهم البعض، وبين نار الخلاف والتداعيات التي تسيطر على صلة القرابة من جهة أخرى، وبين حق المسلم على أخيه المسلم والتداعيات التي تصيب الزيجات بين الجماعات في العشيرة الواحدة، إلى غير ذلك من الامتداد الأفقي والرأسي للخلاف .. بقي أن نذكر دائماً وأبداً بتوجيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام الذي يقول في الحديث: (لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال) .. الحديث، وقوله عليه الصلاة والسلام: (خيركم من يبدأ أخاه بالسلام) .. الحديث.