كانت الفترة الزمنية الفاصلة بين تصفيات مونديال إسبانيا 82 ومونديال المكسيك 86 فترة ذهبية أكل خلالها المنتخب السعودي الأخضر واليابس في القارة الصفراء، وقدَّم نفسه بجدارة سيداً للكرة فيها.. حيث كان ممثل القارة في أولمبياد لوس أنجلوس.. وبطل كأس آمم آسيا 1984، وهي البطولة التي كانت فاتحة إنجازاته التي انهمرت فيما بعدها كالمطر.. حيث ظل (سيد آسيا) الرقم الأصعب والأهم في القارة.. وأصبح المقياس الحقيقي لمستوى الكرة بها. ماذا بعد الوصول إلى الأولمبياد.. والفوز بكأس القارة؟ هكذا كان الرياضي السعودي يسأل نفسه، وكانت الإجابه الوحيدة التي تطرق ذهنه وتلج في عقله (بلوغ المونديال والوقوف جنباً إلى جنب مع صفوة أباطرة الكرة في العالم). ترى هل كان ذلك الرياضي يحلم.. أم يمارس حقه المشروع في التفاؤل؟ أم يريد أن يسبق الزمن؟.. الواقع أنه كان يمارس حقه.. ولا أحد يمكن أن يلومه.. لكن بدا على نحو أو آخر أن حلم المونديال ما زال في المهد.. ولم تكتمل الصورة!! . ... في تلك التصفيات لم يطل أمد الأخضر بالمشاركة حيث لعب مع الإمارات في الرياض وأبو ظبي.. وخسر في الثانية (0-1) وتعادل على أرضه سلباً.. خرج الأخضر مبكراً وظل مع المراقبين يتابعون المشهد من المكسيك من بعيد.. لكنه كان يؤسس لمرحلة أخرى تحمل إنجازات تاريخية لا تُنسى. *** قبل أن تنطلق تصفيات مونديال إيطاليا 1990 كان التفاؤل قد بلغ أعلى درجاته لدى السعوديين، وثمه من كان يرى أن أبواب روما على مرمى من حجر من الأخضر الذي كان قد فرغ لتوه من الحفاظ على لقبه كبطل متوَّج لكأس أمم آسيا.. كما أن الكرة السعودية كانت قد عانقت مجداً جديداً ودخلت تاريخ الكرة العالمية من الباب الأوسع إثر فوز منتخب الناشئين ببطولة العالم 89 في أسكتلندا.. كان من الواضح أن مهمة الأخضر ستكون سهلة في المرحلة التمهيدية من التصفيات لذا فإن كل الأنظار والتحضيرات تتجه صوب المرحلة النهائية التي كان تخطيها يعني أن الكرة السعودية قد نحجت في تحقيق كل الآمال المعقودة عليها.. وأن التخطيط قد نجح بامتياز.. تنقَّل الأخضر في التصفيات التمهيدية بين اللاذقية وجدة وصنعاء واستطاع أن يتصدر مجموعته بعد أن فاز في جميع المباريات باستثناء تعادله السلبي مع .الفريق السوري على ملعبه.. واتجهت الأنظار إلى سنغافورة حيث انطلاقة الإنجازات السعودية. ولم تكن المهمة بالسهولة المنتظرة لا سيما أن الصين وقطروالإمارات والكوريتين كانت تدرك قوة الفريق السعودي الذي تسيَّد الكرة الآسيوية لثماني سنوات متتالية.. وكان أمر مواجهته يأخذ استعداداً ذا طابع خاص.. لأن الجميع يريد تأكيد حضوره على حساب البطل.. كانت البداية أمام الصين وخسر منتخبنا بهدفين لهدف وكانت الخسارة موجعة وغير متوقعه للأخضر.. وفي اللقاءين الثاني والثالث أمام قطر انتهى بالتعادل (1/1) ومع الإمارات انتهى سلبياً أبعده كثيراً عن تحقيق الحلم وبقيت الآمال معلقة بالفوز على كوريا الجنوبية لكنه خسر بهدفين وقبل أن يحقق فوزا شرفيا على كوريا الشمالية تلاشت حظوظ الأخصر في بلوغ النهائيات بالرغم من فوزه على كوريا الشمالية (2- 0).. عاد الأخضر بخفي حنين بعد مشاركته في أربع تصفيات مؤهله لكأس العالم لم يصل خلالها لهدفه.. لكن مسيروه كانوا قد رسموا حينها الطريق إلى واشنطن بعد أن حان وقوفه مع صفوة أهل الكرة في العالم ولم يعد الأمر قابلا للتأجيل. *** لم يكن تأهل المنتخب السعودي إلى كأس العالم قد جاء من باب الصدفة، بل هو ثمرة جهد شاق بذله المسؤولون عنه، شمل التخطيط المدروس، والعمل الدؤوب، مرتكزين في كل هذا على ما وضعته حكومة خادم الحرمين الشريفين تحت أيديهم من إمكانيات، وما خصهم به راعي النهضة السعودية الشاملة من توجيه، هدفه بناء قاعدة متينة لمستقبل الوطن، الممثل في شبابه.. والرياضيون بصفة عامة جزء من هؤلاء الشباب. والكرة السعودية التي ستصافح العالم ضمن أفضل 24 منتخبنا، لم تصل إلى هذا المحفل الكروي العالمي، الإ بعد أن اكدت حضورها على المستوى الآسيوي، بتحقيقها لبطولة أكبر قارات العالم إضافة إلى الإنجازالكبير الذي حققه ناشئوها من قبل والمتمثل في كأس العالم، إضافة إلى الإنجازات المتلاحقة التي تحققت على مستوى المنتخبات بدرجاتها الثلاث، والكرة السعودية بدأت انطلاقتها الحقيقية، منذ ان بدأت الرئاسة العامة لرعاية الشباب ممثلة في رئيسها آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - العمل على توفير المنشآت الرياضية الضخمة المنتشرة في ربوع المملكة حيث مصانع الأبطال، بما تحتويه من إمكانات فنية، ووصول المنتخب السعودي إلى كأس العالم ليس هو بالطبع نهاية الطريق، إنما هو البداية نحو حضور عالمي أكثر بريقاً، وليس هو كل الطموح إنما هو جزء من طموح نحو غدٍ أفضل بإذن الله. ... في أمريكا 94 تحقق الحلم.. وصعد الأخضر مع أربعة وعشرين منتخبنا هم نخبة ممارسي كرة القدم في العالم.. ولم يكتف (سيد آسيا) بالحضور بل قدم نفسه من البداية فريقاً بطلاً صعب المراس قوي البأس.. وإلى قصة البداية.. * مع بداية عام 1993 كان الأخضر قد عاد لتوه من اليابان حيث خسر هناك بطولة أمم آسيا التي كان يحمل لقبها ثماني سنوات متتالية.. وكان قبلها قد ظهر بصورة رائعة في بطولة القارات في النسخة الافتتاحية بالرياض.. وفي تلك الفترة أدرك مسيروه أن لا مجال في تأخير الوصول إلى المونديال.. وأن العمل يجب أن ينصب في هذا الاتجاه. كان مدرب المنتخب آنذاك نيلسينيو الذي أُعفي من منصبه ولم يتأخر المسؤولون في اختيار ابن جلدته الخبير خوسيه كندينو بديلاً عنه ومنح الثقة بدعم القيادة الرياضية في رسم مشوار الأخضر في هذه التصفيات من أجل بلوغ المونديال. كان الجميع شركاء في الحلم الكبير وساعين في تحقيقه.. وما من شك أن أياً من الرياضيين في المملكة لم يكن ليقبل فكرة التعثر في الجادة الموصلة إلى واشنطن من جديد.. لذا فقد كانت كل المساعي تتم على هذا الشكل.. ودائما كانت بوصلة المنتخب تتجه إلى أمريكا حيث المونديال.. الحلم!! جدّ كندينو في اختيار الأسماء وتأهيلها ووجد كل التسهيلات من المسؤولين.. وكانت التصفيات التمهيدية فرصة لاختبار اللاعبين.. فالمطلوب من المجموعة فريق من أربعة.. ... يومها لم يكن أي من مكاو وماليزيا والكويت قادرين على مقارعة الخبرة السعودية.. أُقيمت تلك التصفيات على دورين الأول في العاصمة كوالالمبور والثانية في الرياض.. وكما كان متوقعاً وبديهياً لم يجد الأخضر أي صعوبة في شق الطريق إلى العاصمة القطرية التي اختارها الاتحاد الدولي لكرة القدم كمكان محايد لإقامة التصفيات النهائية.. ... هناك في الدوحة في شهر أكتوبر من عام 1993 ظهر الأخضر كما يجب.. لم يخسر أي مباراة حيث تعادل مع اليابان وكوريا الجنوبيةوالعراق وفاز على كوريا الشمالية وحسمها أمام إيران.. اختار المدرب 22 بطلاً لهذه التصفيات هم: محمد الدعيع وحسين الصادق وعبد الله صالح ومحمد عبد الجواد وأحمد جميل ومحمد الخليوي وفؤاد أنور ومنصور الموينع وخالد مسعد وصالح الدواد وعبد الرحمن الرومي وسالم سرور ومحمد القرني ومنصور الموسى وماجد عبد الله وسعيد العويران وخالد التيماوي وسامي الجابر وفهد المهلل وحمزة إدريس وحمزة صالح ونزارعباس. بدأ خطوته الأولى بالخروج بالتعادل في المباراة الافتتاحية أمام اليابان، وكان هذا التعادل خسارة عطفاً على المستوى الذي ظهر به الأخضر في هذه المباراة ولو استثمر نجومة الفرص لخرج فائزاً. جاءت الخطوة الثانية أمام الكوري الشمالي ورسم النجوم السعوديون لوحة فنية رائعة أهلتهم لكسب المباراة بهدفين لهدف ليتصدَّر السعوديون بجدارة التصفيات.. أمام منتخب كوريا الجنوبية في الخطوة الثالثة من هذه التصفيات بكى ملايين الكوريين حزناً وألماً وبكي ملايين السعوديين فرحاً وطرباً بعدما حوَّل الأخضر خسارته إلى تعادل في الوقت الضائع من اللقاء وبقيت الآمال السعودية كبيرة بالتأهل. جاءت الخطوة الرابعة أمام العراق التي تُعتبر منعطفاً هاماً في هذه التصفيات ووقف الحظ أمام السعوديين في هذه المباراة وأضاعوا العديد من الفرص التي كانت كفيلة بخروج الأخضر فائزاً، لكنه أجّل فرحة التأهل إلى المباراة الفاصلة أمام إيران.. كان الفوز والفوز وحده كفيلاً باستلام مفاتيح بوابة المونديال إلى أمريكا.. وقبل المباراة حدث ما لم يكن في الحسبان.. وما كان في اعتقاد البعض أنه كافٍ لهد الآمال الخضراء، حيث أعفى اتحاد الكرة السعودي المدرب البرازيلي كندينو من منصبه وأوكلت المهمة للمدرب السعودي محمد الخراشي، يومها كان يدور القلق سيد الموقف.. والهمس يدور هنا وهناك.. إيران.. كندينو.. الخراشي.. أمريكا.. الحلم.. الحقيقة.. الوصول.. جاء الموعد والأنظار والآمال معاً تتجه صوب الأخضر في الدوحة لمشاهدة نزال الحسم والتحدي مع إيران لخطف بطاقة التأهل.. فاز الأخضر برباعية ووصل إلى المونديال.. تحقق الحلم ونطق السعوديون جميعاً مبروك.. وعمَّ الفرح واختلطت دموع الفرح بعرق نجومنا ويرتفع العلم السعودي خفَّاقاً وتزف الجماهير نجومنها الأبطال في موكب مهيب إلى الرياض عاصمة العرب وتعلن: نحن قادمون نحو العالم. *** بعد أن وجد المنتخب السعودي لنفسه مكاناً بين المنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس العالم... كان لا بد أن يكون هناك برنامج إعداد يضمن للمنتخب الظهور بالمظهر المشرف في النهائيات فأعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم تعاقده مع المدرب الهولندي ليوبنهاكر ليقود المنتخب فنياً في هذه النهائيات.. لم تدم مدة إشرافه لكن ثمة اختلافاً في وجهات النظر عجَّل بإعفائه.. وكان البديل الأرجنتيني سولاري المغمور.. تلقى اللاعبون كلمات ضافية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - قبل مغادرتهم إلى أمريكا.. لا أحد ينسى تلك الكلمات الخالدة التي كان من أبرزها أن اللاعبين في المنتخبات الأخرى مثلكم يقصد لاعبي الأخضر ولا يُوجد فرق بينكم.. وحثهم على العطاء والإخلاص فهما وسيلة بلوغ الغاية.. هناك في أمريكا كان الأخضر في قمة حضوره قدم مستوى لافتاً.. خسر في البداية من هولندا (2-1) لكن عطاءه كان حديث الجميع.. فاز على المغرب ثم بلجيكا وشرعت الأبواب نحو دور ال(16).. وهناك خسر من السويد وودع المونديال، لكنه بقي في أذهان الجميع.. بطلاً قوياً لا يمكن أن يُستهان به أو يُقلل من شأنه.. خرج الأخضر وترك وراءه صورة مضيئة بعد أن وصل لدور ال(16) في أول مشاركة له. *** بات الأخضر محط الأنظار بعد نجاحه الكبير في أمريكا 94 وهو الحضور الأول له في المونديال.. أصبح السؤال التالي هو سيد الأسئلة.. ماذا سيُقدم المنتخب السعودي بعد ذلك؟ لم يتأخر الفريق في الإجابه، حيث فاز بدورة الخليج الثانية عشرة التي دارت رحاها في الإمارات العربية المتحدة.. وهو الفوز الأول له بكأس هذه الدورة التي كانت بمثابة السهل الممتنع للفريق طوال نسخها الإحدى عشرة السابقة.. إذ كان الأخضر دائماً المرشح الأول للذهب، لكنه يتعثر عند الحسم.. وعاد الأخضر إلى الإمارات من جديد ليحقق كأس أمم آسيا الحادية عشرة ويعود بالذهب الآسيوي من جديد إلى المملكة بعد أن غاب عنها أربع سنوات في طوكيو.. أمام هذه الإنجازات بات من البديهي أن يتوقع الجميع أن يشق الفريق طريقه إلى باريس التي تحتضن مونديال 98.. ولم يخيِّب الفريق الظن، حيث استطاع أن يفوز بصدارة مجموعتة في المرحلة التمهيدية بسهولة، إذ لم يكن لتايبيه وبنجلاديش وماليزيا قدرة على مجاراة ملوك الكرة الآسيوية.. بل إن شباك الأخضر لم تهتز في هذه المرحلة إلا مرة واحدة مقابل (18) هدفاً تناوب مهاجمو الأخضر على إيداعها في مرمى الخصوم... وما إن انتهت المرحلة التمهيدية حتى بدأ الأخضر تحضيراته للمرحلة الصعبة حيث إن المنافسين أشداء.. وكان واجباً عليه أن يرحل هنا وهناك حسب نظام تلك التصفيات التي ضمت إلى جانبه الكويت وإيران والصين وقطر. وبدأت المهمة في الرياض أمام العنيد الأزرق.. فاز الأخضر وبدأت بارقة الأمل تلوح في الأفق فتجاوز البداية يعني الانطلاقة.. لكن القطار الأخضر اضطر إلى الوقوف في طهران عندما تعادل مع المنتخب الإيراني بهدف لمثلة.. هذا قبل أن يتوقف في بكين تماماً ويخسر من مضيفة الصيني بهدف دون رد.. لكن سرعان ما أعاد الأخضر توازنه وكسب لقاءه الأخير في الجولة الأولى بفوزه على قطر بهدف دون مقابل. انتهى الدور الأول ولدى المنتخب سبع نقاط فقط.. بدأ الأخضر يفقد الأمل في الوصول إلى أبواب باريس حيث النور والعطور!! أخذت وتيرة الاستعداد تتسارع لملاقاة إيران وكان أي تفريط يعني أن الأمل قد مات.. لكن الجماهير السعودية الوفية حضرت إلى درة الملاعب استاد الملك فهد الدولي وقالت كلمة الحسم وساهمت في الانتصار.. ليتنفس السعوديون الصعداء.. لكن مشوار الأخضر لم ينته بعد فقابل الكويت على أرضه وأضاع الفوز بيدة عندما خسر هذا اللقاء.. لكن الأمل ما زال موجوداً.. وبقيت مهمة جديدة صعبة أمام قطر.. والفوز فيها يعني أن باريس لم تعد حلماً بل حقيقة.. وفي الدوحة ظهرت حقيقية فعلاً.. ومن الصدف أن تكون الدوحة وللمرة الثانية على التوالي نقطة انطلاق الأخضر إلى المونديال.. بعد أن فاز الأخضر بهدف دون مقابل.. وما إن انتهت أفراح التأهل إلا وبدأ السؤال.. هل سنقدم أفضل مما قدمناه في 94؟ هل سنتجاوز دور ال16 هذه المرة؟ بدأت الأسئلة تتوالى.... والتحضيرات تأخذ مرحلة الجد... تعاقد اتحاد الكرة مع البرازيلي الشهير كارلوس البرتو باريرا لقيادة المنتخب فنياً خلفاً للمدرب الألماني أتوفستر بعد أن فرغ من قيادة منتخب بلاده للفوز بالمونديال السابق.. وقبل المونديال بنحو شهر لعب الأخضر لقاء وديا شهيرا مع المنتخب الانجليزي العريق على ملعب ويمبلي الشهير.. وفي تلك المباراة قدَّم نجومنا مباراة لا تُنسى، وعطاءً لا يُقارن.. ذلك العطاء جعل الجميع يدرك.. أو يتوقع على الأقل أن الأخضر ستكون له كلمة تاريخية في باريس.. لكن!! هناك في المونديال لم تجر الرياح بما تشتهي السفن.. حيث خسر المنتخب من الدنمارك 2-0، ثم من الدنمارك 4-0، وبعد تلك المباراة أعفى اتحاد الكرة المدرب البرازيلي كارلوس البرتو من مهامه وكان البديل السعودي محمد الخراشي.. لعب الأخضر مباراته الأخيرة مع جنوب افريقيا وتعادل بهدفين لمثلهما.. عاد إلى أرض الوطن بعد مشاركة لم تكن بذلك السوء لكنها كانت أقل من تطلعات السعوديين وتوقعاتهم بكثير.. بعدها بأشهر حقق المنتخب السعودي كأس العرب في الدوحة.. وأكد من جديد أن شمس الإنجازات لا تغيب عنه إطلاقاً. *** انبشوا في قلب كل سعودي.. انبشوا في قلب كل عربي.. احفروا المقل.. وفتتوا الأضلع ودغدغوا الأفئدة لن تجدوا سوى زمردة خضراء تتراقص بالنسائم والأعياد تداعب بعشق رفرفة الراية الخضراء.. وتتكلم باليابانية!! ... جاءت اللحظة الباهرة عندما حملت السعودية مرشة ماء الزهر المكاوية وتبلل القمر الثالث وحملت النسائم الآسيوية عطر تأهل السعودية الثالث للعرس الكوني الكروي في كرة القدم.. قاده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد.. فإن التاريخ لا ينسى أن المنتخب السعودي هو أول منتخب عربي يتأهل لكأس العالم للمرة الثالثة على التوالي.. بعد 94 بأمريكا.. و98 بفرنسا.. و2002 باليابان.. فلن ننسى ما قاله صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب بعد التأهل: (مستقبل مشرف.. تنتظره الرياضة السعودية). جاءت تصفيات آسيا المؤهله إلى مونديال 2002 بعد أن خسر الأخضر لقبه الآسيوي لمصلحة اليابان في النهائيات التي أُقيمت في لبنان.. وكالعادة لم يجد الفريق صعوبة تذكر في تجاوز التصفيات التمهيدية حيث فاز بجميع مبارياته الست التي استضافها دفعة واحدة في استاد الأمير محمد بن فهد بالدمام.. وضمت المجموعة إلى جانبه منتخبات منغوليا وبنجلاديش وفيتنام.. وآنذاك لم تهتز شباكه إطلاقا فيما تناوب مهاجموه على تسجيل ثلاثين هدفا.. ليصل إلى المرحلة النهائية من التصفيات.. تعاقد الاتحاد السعودي مع اليوغسلافي سلوبدان مديراً فنياً للأخضر في مرحلتة النهائية ولعب مع البحرينوإيرانوالعراق وتايلند ذهاباً وإياباً.. وكانت البداية متعثرة نوعاً ما بتعادله مع البحرين في الرياض وخسارته من إيران في طهران!! لكن سرعان ما قرر الاتحاد السعودي إسناد مهمة تدريب الأخضر للمدرب الوطني ناصر الجوهر قائد ثورة التصحيح وإعفاء اليوغسلافي من مهمتة بعد المستويات المتواضعة التي تداركها وتعامل معها المسؤولون بتحفظ وعقلانية تستوجبها رزانة الكبار وحكمة المسؤولية. دقت طبول حرب العودة.. وتحوَّل المنتخب السعودي إلى خلية نحل تصنع الشهد وتلتهم العسل.. كان أول ضحايا الأخضر المنتخب العراقي في البحرين تلاه بفوز كاسح على تايلند في بانكوك.. انفتحت شهيه الأخضر فالتهم البحرين في عقر داره أمام اندهاش الجميع... لم تتوقف القافلة الخضراء حتى إن تعرض نجومها للإيقاف أو للإصابة.. فعزيمة الرجال وحب الوطن شعار كل من يحمل الراية الخضراء الخفاقة.. انتصر على العراق في عمان بعد أن قدم مستوى مميزاً جعله منافساً قوياً لخطف بطاقة التأهل مع المتصدرالإيراني... جاءت ساعة الصفر لنتعرف على هوية المتأهل.. تعلَّقت عقول السعوديين بلقاء البحرينوإيران في البحرين وهم يسعون لطرد هذا اللقاء من ذاكرتهم.. لكن كان الرد حاداً كالسيف من البحرين، فهزمت إيران وفازت السعودية على تايلند باستاد الأمير فيصل بن فهد لتختلط دموع الفرح.. وتعلن وصولها للمونديال الثالث على التوالي.. رقصت السعودية فرحاً وهي لا ترضى إلا بالأول دائماً في مشاركاتها.. تناثرت ورود الفرح وتقدَّم المهنئين للرجال المخلصين الحريصين على تطور الكرة السعودية، وقُدمت التهاني لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل.. وللصقور الخضر.. وللمدرب الوطني القدير ناصر الجوهر الذي قاد الأخضر بكل اقتدار إلى كوريا واليابان.. ليرفرف العلم السعودي خفاقاً بين أعلام الدول المشاركة ال32.. ... قبل المونديال بأربعة أشهر فاز الأخضر بكأس دورة الخليج التي استضافتها الرياض.. وقبل المونديال كان التفاؤل قد بلغ أقصى درجاته بأن يكون الفريق قادراً على إنجاز ما حققه في أمريكا من جديد.. لم يكن الأعداد جيداً قبل مغادرته إلى أقصى الشرق بمثابة الحدث فخاض مباراته الأولى أمام الماكينة الألمانية حيث تلقت شباكه أكبر الخسائر واهتزت شباكة ثماني مرات.. ثم خسر من الكاميرون وأيرلندا.. عاد الأخضر إلى الوطن.. والأسئلة تحاصره وتسبقه.. ما الذي حدث؟ ومن المسؤول عما حدث؟ وكيف سيكون إصلاح الوضع؟ وهل سيكون الفريق قادراً على النهوض من هذه الكبوة التي لم تدر في خلد أي رياضي سعودي... *** عاد الأخضر من مشاركته في مونديال 2002 مثقلاً بالهموم وبات السؤال الصعب.. كم يحتاج الفريق للنهوض من جديد بعد هذه الكبوة ؟! فكانت المبادرة الأولى من اتحاد الكرة اتخاذ العديد من القرارات التصحيحية حيث أعفى المدرب الوطني ناصر الجوهر من مهامه.. وتعاقد مع المدرب الهولندي فاندرليم.. تعافى المنتخب السعودي وفاز ببطولة العرب وكأس الخليج التي أقيمت في الكويت وبأسماء وإدارة جديدة.. لكن كأس أمم آسيا في الصين كانت قد حملت مفاجأة حزينة أخرى، حيث احتل الفريق المركز الأخير في مجموعته، وهو الذي لم يغب عن المباراة النهائية في هذه النهائيات طوال عقدين من الزمان.. هذه الخسارة كان لها أبعاد عدة.. فقدَّم المشرف العام استقالته من منصبه.. وأُعفي فاندرليم من الإشراف على تدريب الأخضر.. وتمَّ التعاقد مع الأرجنتيني كالديرون لقيادة الفريق.. لم تكن بدايته موفقة مع الأخضر حيث لمن ينجح في اختباره الأول في دورة الخليج المنعقدة في الدوحة وخرج مبكراً.. لكن المسؤولين عن التطوير جددوا الثقة بالفريق وبمدربه الذي مُنح كافة الصلاحيات في قيادة المنتخب.. وكان الشعار الدائم والأهم هو الوصول إلى ألمانيا حيث مونديال 2006 . بدأ المنتخب مرحلته التمهيدية من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم ذهاباً وإياباً متنقلاً بين الرياض وكوالالمبور وسيرلانكا وعشق أباد وجاكرتا والدمام.. وغني عن القول إن الأخضر لم يجد صعوبة في تجاوز هذه المرحلة كفريق خبير... وفي المرحلة الحاسمة كان واجباً على الفريق أن يُلاعب الكويت وكوريا الجنوبية وأوزبكستان ذهاباً وإياباً.. وهناك قال الرجال الأبطال كلمتهم ومضوا من انتصار إلى انتصار ولم يتعثر الفريق إلا بالتعادل مع أوزبكستان والكويت خارج أرضه.. ليتأهل الفريق إلى المونديال للمرة الرابعة على التوالي وبدون خسارة ليحقق إنجازاً جديداً يؤكد علو كعب الكرة السعودية.. وأنها أصبحت ضلعاً ثابتاً في المونديال وسفيراً.. ضاربة رقماً قياسياً على المستوى العربي في عدد مرات التأهل للمونديال العالمي.