تراجعت مؤشرات معظم أسواق المال العربية في الأيام القليلة الماضية خاصة في منطقة الخليج باستثناء سوق مسقط إلى جانب الأردن ومصر وسيطر جو من الخوف على المستثمرين وهذا ما دفع بهم لبيع أسهمهم لتقليل حجم الخسائر وسداد الديون التي تراكمت عليهم حيث إن البائعين كانوا أكثر من المشترين فانهارت الأسعار، وكانت سوق دبي هي الخاسر الأكبر تلتها أسواق الكويت والسعودية وأبوظبي ومصر، ولم تتدخل الحكومات من خلال أجهزتها المالية والاستثمارية إلا مؤخراً لإنقاذ الموقف، فالاتجاه كان يعكس ترك الأسواق تتعامل بحرية مع عوامل العرض والطلب، إلا أن هذا التدخل المتأخر من قبل الحكومات لإدارة الموقف قد أضر بحجم الثروات وخاصة تلك التي تدار في أسواق المال والبورصات الخليجية التي تقدر بنحو تريليوني دولار ويتعامل في الأسهم ما لا يقل عن (5) ملايين مستثمر ومستثمرة خليجية فضلاً عن وجود نحو (750) صندوق مضاربة بالأسهم تدير نحو 500 بليون ريال. وباستعراض موقفي أسواق المال العربية يمكن ملاحظة أن الأسعار في السعودية اتجهت للهبوط بخسارة مقدارها 842.75 بليون ريال (224.7 بليون دولار) بنسبة تبلغ نحو 27.6% وبذلك يكون المؤشر قد خسر منذ مطلع 2006م نحو 1825 نقطة بنسبة 10.92%، وهبطت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في السوق إلى 2.2 تريليون ريال في مقابل 3 تريليونات ريال في 25 فبراير الماضي، وأرجع بعض الخبراء هذا الانخفاض في الأسهم السعودية إلى أن السوق السعودية سوق ناشئة تمر بتحويلات هيكلية وهناك من أرجحها إلى انخفاض عدد الشركات المسجلة. إلا أن السوق السعودية قد شهدت تحسناً ملحوظاً وذلك بعد الجلسة التي عقدها المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي خصصت لمناقشة ما تعرضت له سوق الأسهم من هبوط حاد، ومع توجيهات الملك عبدالله تحسن مستوى الأسعار حيث ركزت التوجيهات على دراسة تجزئة القيمة الاسمية للأسهم والسماح للمقيمين بالمملكة بالاستثمار فيها، كما وجه الملك عبدالله وزير المالية للاجتماع بكبار المستثمرين وذلك لدعم أسواق الأسهم وهذا أضفى نوعاً من الثقة فزادت قيمة التداولات إلى 15.6 مليار ريال في الجلسة المسائية ليوم 15- 3-2006م بالمقارنة مع مليار ريال في الجلسة الصباحية لليوم نفسه. وبالنسبة للإمارات فكانت الخاسر الأكبر حيث وصلت معظم أسعار أسهم الشركات والمصارف إلى الحد الأدنى بعد أن تراجعت بمقدار نسبة التأرجح المسموح بها في سوق دبي وهي 15% وفي سوق أبوظبي 10%، حيث هبوط مؤشر سوق دبي المالي 11.4% وسوق أبوظبي للأوراق المالية نحو 4.5% وبلغت خسائر الأسهم أكثر من 44 مليون درهم (10 بلايين دولار) من قيمتها السوقية، ولم تفلح دعوات الخبراء والمستثمرين لتدخل الحكومة لوقف الاكتتابات الجديدة ولو لفترة مؤقتة إلى أن يعاد تنظيم هذه الإجراءات وفقاً لأوضاع السوق وذلك لحماية أسواق الأسهم من استمرار مسلسل الانخفاض في الأسعار الذي أدى عملياً إلى تآكل قيمة الأسهم بنسب كبيرة وتكبد المستثمرين خسائر حادة لم يعد من السهل تعويضها. وفي الكويت فقد سجل مؤشر السوق خلال هذا الأسبوع أكبر انخفاض في تاريخه للمرة الثالثة خلال أسبوع واحد حيث هوى المؤشر 382.9 نقطة، وهذا ما دفع إلى خروج مئات المتعاملين في سوق الأرواق المالية الكويتية في تظاهرة غاضبة بدأت من مبنى البورصة إلى البرلمان الكويتي للاحتجاج على عدم تدخل الحكومة لإنقاذ الموقف مطالبين بفتح تحقيق لكشف هوية الأطراف التي تقود عملية البيع والأخرى التي تقود عملية الشراء داخل السوق، وشددوا على ضرورة وقف التداول حتى تتم معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه النتائج الكارثية في البورصة. وفي الأردن فقد انخفض مؤشر بورصة عمان بنسبة 3% إلا أنَّ هناك مَنْ قلل من أهمية الانخفاض في أحجام التداول بالأردن لأنها جاءت في الحدود المتوقعة لحركة السوق المالية خلال الأسابيع الماضية، وهناك مَنْ أرجع هذا الانخفاض إلى العامل النفسي في إشارة إلى تأثر حركة التداول في بورصة عمان بما حدث في الأسواق الخليجية وأسواق عربية أخرى مثل البورصة المصرية، ويرى مجموعة من الخبراء بأن هذا الانخفاض يعود إلى قرب تطبيق قوانين جديدة أصدرتها هيئة الأوراق المالية وهي الهيئة التي تنظم عملية التداول في السوق المالية. وفي القاهرة شهدت البورصة المصرية تراجعاً حاداً في أسعار الأسهم رغم دخول الأجانب كمشترين لإنقاذ الموقف، حيث انخفض مؤشر البورصة بنسبة 11% أو ما يعادل 700 نقطة دفعة واحدة، إلا أن الحال في البورصة المصرية قد تحسن شيئاً ما بعد قرار رئيس بورصتي القاهرة والإسكندرية بوقف التعاملات على كل الأسهم المتداولة في البورصة لمدة نصف ساعة بعد التراجع الحاد الذي شهدته غالبية أسهم السوق وذلك بهدف تهيئة المستثمرين والتخفيف من حالة الرعب التي انتابتهم. ومن خلال الاستعراض السابق وما مرت به الأسواق المالية العربية من هزات اختلفت من حيث قوتها فإن هناك عاملين أساسيين وراء هذه الهزات منها غياب الوعي الاستثماري لدى معظم المستثمرين، فهم يعتقدون بأن أسواق المال تسير في اتجاه تصاعدي واحد فقط، لذلك فإن أية هزة مهما كانت ضعيفة فسوف تؤدي إلى الإضرار بهؤلاء، والعامل الثاني - الذي كان له أكيد الأثر وخاصة على البورصات الخليجية - هو عمليات المضاربة، فهي موجودة في البورصات العالمية كافة إلا أنها في الخليج أخذت بعداً فوضوياً متجاهلة الآثار بعيدة المدى التي يمكن أن تضر بالمضاربين أنفسهم إذا استمرت بالصورة التي جرت وتجري بها عمليات المضاربة الحادة التي ساهمت في هذه الهزات. وأخيراً يمكن القول بأن تدخل الحكومات أثبت جدراته في إرجاع الأمور إلى مسارها الصحيح كما حدث في السعودية ومصر لذلك لا بد من تبني ما دعا إليه الخبراء في منتدى أسواق المال الخليجية بالإمارات من ضرورة تدخل الحكومات لتعديل مسار الأسواق التي وصفوها بأنها تترنح إلى جانب تبني دعواتهم لتشكيل صناديق تضع فيها توزيعات أسهم المنحة والتوزيعات التي يحصلون عليها من أرباح الأسهم لاستخدامها وقت الأزمات. E-mail:[email protected]