في كل زمان وتأريخ يبرز من بين أبناء الوطن رجالٌ جسدوا أفضل قدوة و تحولوا إلى معنى من معاني الوطن المعطاء، وانساب ذلك العطاء في بداية تشكل الوطن عنفوان نضاله أو في نهضته وكان لهم صدى قوي لبناء وطنهم وعلو شأنه، وكانوا يغالبون رغباتهم الشخصية ويهدون أعمارهم ويبذلون أرواحهم للوطن بعد الدين، فيصير الواحد منهم رمزاً ويتجسد حروفاً مضيئة في سفرها الكبير، فانصهرت سيرهم لتصبح جزءاً لايتجزأ من تأريخ الوطن. وصدق فيهم الانتماء إلى الدين أولاً، ثم الوطن ثانياً، وهذا ليس بجديد على ديننا، إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن، وبذل الجهد المتواصل لرفعته، ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكةالمكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه عنوة، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ (رضي الله عنهما) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم لمكة: (ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ). ثم خلف من بعدهم أجيال تلو أجيال فلعلنا نستذكر بعض الأسماء ممن نريدها أن تبقى خالدة وتلتصق إنجازاتها بكل الماضي والحاضر والمستقبل، فهم في قلوبنا قبل ذاكرتنا، ولم يزل يجيش في أرواحنا حين نستذكر العطاء والمواقف الشجاعة والحكمة والتواضع والعلم من هؤلاء العظماء وما قدموه لدينهم ثم وطنهم. فدراسة إنجازاتهم وما أسهموا فيه ليكون ذلك كله مصباحاً للأجيال القادمة ليقتدوا بهم وينطلقوا في بناء الوطن وتشييد مجده، فهم ثروتنا الحقيقية التي لا يستطيع أحد مسحها أو التقليل من قيمتها، وفي هذه المقالة نركز الضوء على تلك الفئة المميزة التي وهبها الله حب المجتمع لها واحترام ولاة الأمر - حفظهم الله - وتشجيعهم الدؤوب لهؤلاء العمالقة، مما كان دافعاً لي لكتابة هذا المقال الذي أضع فيه شيئاً من جهدي المتواضع وبضاعتي المزجاة لعله يلقى الاهتمام الكافي لدى المختصين دون ذكر الأسماء فهذا شأن من سيتولى هذه المهمة. وعند التأمل في تلك الإسهامات والإنجازات الضخمة يمكننا تصنيفها إلى مجموعات كثيرة ووفق معايير متعددة إلا أنني أرى التركيز على تصنيفها إلى الإسهامات الدينية، الأدبية، العلمية، العسكرية، الخيرية وكذلك الذين أبدعوا في مجال أعمالهم الإدارية والمهنية فكان لهم بصمة واضحة في التطوير وجودة الآداء. وعلى هذا المنوال فتكريم هؤلاء ماهو إلا لفتة نوعية ولمسة حضارية كما أنها تعبئ النفوس بالوقود الكافي لتنفيذ خطط التنمية واتخاذ المسار الصحيح في عمليات النهضة والتحضر، وإيجاد أرض خصبة وأجيال تحتذي بهؤلاء الرموز العظام الذين صنعوا لنا فنوناً من الحياة المعاصرة، وهذا يستدعي منا أن نبذل جهوداً كبيرة في تكريم هؤلاء من قبل المسؤولين الكبار كأمراء المناطق، ويمكن أن يتخذ التكريم عدة أشكال ومنها: 1- أوسمة وطنية. 2- تسمية بعض الأماكن والمشروعات بأسمائهم. 3- تمنح لهم بطاقة ذهبية، ويكون لها امتيازات خاصة، في الحصول على الخدمات المتميزة، مع بعض التخفيضات. 4- إعداد سلسلة من الكتب ولتكن مثلاً بعنوان (رواد الوطن: ماذا قدموا....)، ومن الجهات المقترحة للقيام بهذا المشروع الوطني (مكتبة الملك عبدالعزيز)، (دارة الملك عبدالعزيز) و(مكتبة الملك فهد الوطنية). وأرجو ألا يفهم من طرحي هذا أنني لا أعترف بالجهود المميزة التي بذلتها بعض الجهات في تكريم بعض الرواد كما هو الحال في التكريم السنوي في مهرجان الجنادرية، ولكنني استهدفت تركيز الجهود وبذل المزيد منها في إطار متكامل يليق بما قدمه أولئك الرواد. [email protected]