تحولت سيناء خلال اليومين الماضيين وفي ذكرى تحريرها إلى مرتع للتفجيرات الإرهابية، خط الإرهاب سطورا من دم على رمالها وأصبح سكانها خاصة (البدو) في بؤرة الاتهامات فالتفجيرات التي شهدتها دهب وبعدها منطقة الجورة والعريش أشارت إلى أنه من ضمن الأسباب لاندلاع الإرهاب في سيناء هو طريقة التعاطي الأمني مع سكان سيناء التي تأتي ردود أفعالهم دائما ثأرية وانتقامية على نطاق واسع الأمر الذي يطالب معه المحللون وخبراء مكافحة الإرهاب إلى ضرورة تغيير الاستراتيجية التي تتعامل بها أجهزة الأمن في الملاحقات التي تتسع على نطاق واسع لكنهم أوضحوا في الوقت نفسه ان السلطات الأمنية لا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي خاصة ان الرأي العام يسأل دائما من الجاني لذا فهي تسعي بكل قوة الى تلمس كافة الخيوط التي قد تكشف عن مرتكبي هذه الحوادث وهي بالطبع عملية معقدة وطالب الخبراء الأجهزة الأمنية والقبائل البدوية بالتعاون لدحر الإرهاب من سيناء ويرى ضياء رشوان الخبير في الحركات الاسلامية ان ما شهدته سيناء مؤخرا في دهب والجوره والعريش يؤكد وجود مجموعة احترافية لها أذرع تقوم بكل الضربات وتعرف الطرق والمناطق المختلفة ولها من القدرة على الاختراقات الأمنية وتقوم هذه المجموعة بالعمليات ولو كانت مجموعات خارجية وليس من أهالي المنطقة فانها تقوم بعملياتها بمعاونة مجموعات محلية من البدو. وينفي رشوان وجود أصابع للقاعدة وإن أشار إلى وجود يد مخابراتيه ويقول إن هذه العمليات الإرهابية التي وقعت في سيناء لا تتطابق مع طريقة تفكير وإمكانيات وسوابق الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية التي عرفناها خلال السنوات الأخيرة التالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م. والقول بأن سيناء أضحت اليوم المكان المفضل لاختباء بعض الخلايا الإرهابية الإسلامية النائمة قول يتناقض مع أي تحليل منطقي رصين يتساءل لماذا تظهر تلك الخلايا فقط في سيناء ذات النصف مليون نسمة فقط من السكان ولا تظهر في وادي النيل حيث أكثر من أربعة وسبعين مليون مصري يعيشون أما القول بأن فرعا ما تابعا لتنظيم القاعدة مباشرة أو مستوحيا نموذجها قد قام بتلك العمليات الإجرامية فهو الآخر يقوم على غير أساس ويكفي للتأكيد هنا معرفة أنه منذ وقوع تفجيرات طابا في أكتوبر2004 وحتي اليوم ألقي زعيم القاعدة أسامة بن لادن نحو خمس كلمات بينما ألقي نائبه المصري أيمن الظواهري نحو خمسة عشر لم يتطرق فيها أي منهما لتفجيرات سيناء بأي نوع من الإشادة أو التحية علي الرغم من أن الأخير تحديدا لم يكف عن نقد النظام المصري في معظم كلماته هذه. فهل يعقل أن يتجاهل زعيما القاعدة وخاصة الظواهري المصري أحداثا كبيرة اهتم بها العالم كله وكان يمكن لهما أن ينسباها بسهولة إلي تنظيمهم أو فروعه إذا كانوا يعلمون أن أحدا من أتباعهم أو مؤيديهم قد قام بها وكيف يمكن أن نفسر حرصهما على النأي بنفسيهما وبتنظيمهما وبفروعه ونماذجه عن تلك الهجمات الإرهابية على غير عادتهم. إن التوصل للجناة الحقيقيين وراء تلك العمليات الإرهابية المتتابعة وبخصائصها تلك يستلزم أمرين. الأول هو فتح التحقيق أمام كل الاحتمالات الممكنة ولو أضعفها وفي مقدمتها الاختراق الأمني الخارجي في تلك المنطقة الحساسة من أرض مصر على حدودها الشرقية والثاني أن يتم التفكير في تشكيل مجلس أعلى مشترك للأمن في مصر بين كل الأجهزة المعنية تكون مهمته المواجهة الجادة والعلمية والحازمة ضمن قواعد الدستور والقانون لظاهرة الإرهاب في مصر عموما وفي سيناء الحبيبة خصوصا ويرى رشوان ضرورة تغيير الاستراتيجية الأمنية المعتمدة حاليا تجاه البدو ومراعاة المكانة الخاصة لهم مع وجود التنسيق التام بين الأجهزة المعنية. ويرى الدكتور حسن أبو طالب ضرورة معالجة الأداء الأمني مع الأعمال الإرهابية ويقول المعالجة التي نقصدها هنا تتطلب ثلاثة مستويات متكاملة ومتداخلة مع بعضها البعض أولها?:? مستوى سياسي يقوم على إدراك أن المقصود بمثل هذه الأعمال الإرهابية هو التأثير الفوري على الدور الإقليمي لمصر وإرسال الرسائل للداخل والخارج بأن مصر ليست مؤهلة لمثل هذا الدور إلا في إطار محدود جدا. ولذلك فإن الرد علي هذه الرسالة يتطلب حركة مصرية نشطة لا تخضع لهذه الحسابات العدائية وان تكون حركة في الداخل قبل الخارج قوامها تشكيل نموذج مصري في الاصلاح السياسي الفاعل والذي يعطي للمجتمع قوة وتماسكا وللنظام الحاكم فعالية استنادا إلي رضاء شعبي عريض. ففي ظل الاصلاح والتماسك بين القمة القيادية والقاعدة الشعبية سيكون من العسير على أي جهة تحقيق اختراقاتها العدائية?، وسيظل هؤلاء الهادفون تهوين الدور المصري اقليميا في الهامش المرفوض فعلا وقولا. وثانيها?:? مستوى أمني يقوم علي مراجعة السياسات التي اتبعت في السنوات الماضية بغية معالجة الثغرات التي انطوت عليها وكانت سببا في حدوث اختراقات جسيمة بين فترة وأخرى. والمراجعة المقصودة هنا ليست مجرد نقل مسئولين أمنيين من موقع إلى آخر أو المجاهرة بتوقيع عقاب على هذا المسئول او ذاك بقدر ما هي مراجعة للأسس والمفاهيم التي قامت عليها السياسات الأمنية في السنوات الماضية وأبرزها مفهوم توسيع دائرة الاشتباه ومحاصرة المواقع أمنيا والتأثير السلبي علي حياة آلاف من الابرياء دون مبرر أو جريرة. فمثل هذه المفاهيم كفيلة بأن تخلق الأعداء والقابلين للتورط في جماعات أو أعمال إجرامية كنوع من الرد الانتقامي العفوي الذي يخدم الغير المتربص بمصر فبدلا من أن تحقق هذه السياسات الأمن فإذا بها تحقق الاختراق ولذا وجبت المراجعة السريعة والشاملة والجذرية. ولا شك أن سياسة أمنية جديدة تقوم علي جمع ذكي للمعلومات وسد ذرائع تورط الأبرياء والتوظيف الامثل للتقنيات الامنية الحديثة التي لا يكتشفها الأناس العاديون هو مدخل جيد ومناسب للرد على أي أعمال إرهابية تضر بالوطن ككل وبمؤسساته الامنية بالدرجة الاولى أما المستوى الثالث فيعني بعمل تنموي شامل لكل سيناء?. والحق هنا ان الدعوة إلي نظرة تنموية جديدة لسيناء ليست جديدة بالمرة فهي مطروحة منذ تحريرها قبل ربع قرن?، وبالرغم من الكثير من المشروعات التنموية التي انشئت بالفعل علي صعيد الطرق والمشروعات الزراعية والسياحية فهي لا تكفي وثمة حاجة للمزيد الذي يقوم على مفهوم اساسي وهو مزيد من ربط سيناء بباقي اقاليم مصر وربط الداخل بسيناء. وفتح المجال أمام توجيه مجموعات من السكان لتعمير الكثير من المراكز الحضرية المنتشرة في سيناء. وفي كل الأحوال هناك ضرورة لنظرة ايجابية جديدة تجاه المواطن المصري السيناوي تمتد طوال العام وليس فقط اثناء الأزمات والتفجيرات ويرى عمار على حسن مدير مركز دراسات وبحوث الشرق الأوسط أنه لا يمكن التقليل من أداء النظام، ولكن الأمن يتحمل المسئولية الكبرى فيما جرى خاصة مع القبض العشوائي في سيناء وطريقة ملاحقة البدو على خلفية تفجيرات شرم الشيخ الأخيرة التي خلقت حالةً من الكراهية والحنق الاجتماعي وشبه تطرف جعلهم ينتظرون أية إشارة للتنفيس عن أنفسهم.