قطتي صغيرهْ واسمها نميرهْ شعرها جميلُ ذيلُها طويلُ تظهر الشطارهْ كي تصيد فارهْ لَعْبُها يسلّي وهْي لي كظلّي قطتي نميرهْ وهي لي سميرهْ ودائماً نشكو من حرمان أطفالنا من النصوص الطفولية شعراً ونثراً من حكايات وروايات وظلت المكتبة العربية ردحاً من الزمن عالة في قصص الأطفال على قصص كامل كيلاني - رحمه الله - مثل: الدجاجة الصغيرة الحمراء، بابا عبد الله والدرويش، أبو صير وأبو قير وغيرها وكنا - سامحوني على كنت وكنا - نستمتع بالقراءة ونبتهج بالصور. كل ما كتبته تذكرته أمام عنوان قصيدة (الطفولة العربية) للأستاذ الشاعر منصور دمّاس مذكور ليأتيني النص الجزيل الثقيل، الرصين الطويل، يصلح لمن هو مثلي أو أكبر قليلاً قال امرؤ القيس: مكر« مفر» مقبلٍ مدبرٍ معاً كجُلمودِ صخرٍ حطَّه السيلُ من علِ وهي (القصيدة) - وإن ثقلت - من البحر الخفيف: يا خفيفاً خفت به الحركاتُ فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ونموذجها قصيدة ( هذه ليلتي) للشاعر جورج جرداق اللبناني وغنتها أم كلثوم و- كعادتها - أبدعت، قال جرداق: سهرُ الشوق في العيون الجميلَهْ حُلُمٌ آثر الهوى أن يطيلَهْ قال شاعرنا الدماس: 1 - معدنٌ فاخر لنفس أصيلهْ فهْي في الخير لا سواه نزيلهْ وطبعاً يقصد الطفولة: ومعدن خبر لمبتدأ محذوف جوازاً، وجعلت الخير مستشفى وأنزلت الطفولة فيه فهي نزيلة أو جعلته سجناً، أفلا جعلته روضة غنّاء - أو بستاناً مزهراً؟ - لا سواه - حشو لا فائدة منه إلا لإكمال الوزن. 2 - في يَدَيْ قطرة ومنهج راعٍ ومساعي أميمةٍ مستَمِيلَهْ 3 - أينما تشبع الرغائب سَارتْ هكذا هكذا حياةُ الطفولَهْ 4 - كم ضياعٍ أرداه رشد دليلٍ ودليلٍ ضلَّ الصوابُ دليلَهْ هذا المعدن الفاخر بين يدي فطرة، والفطرة الإسلام قال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه. ومنهج راعٍ (لعله يقصد الأب حيث جاء بعد بمساعي أميمة: تصغير أم) مستميلة: والاستمالة تكون جلب عدو أو ممالىءٍ للعدو فتستميله إليك والكلمة (مستميله) لا معنى لها هنا إلا للقافية والشِّعر يَحْكُم ولا يُحكم: قال أبو العتاهية خل جنبيكَ لرامِ وامضِ عنه بسلامِ مُتْ بداء الصمت خير لك من داء الكلامِ ربما استفتحت بالمز حِ مقاليد الحِمامِ إنما السالم من أل جَمَ فاه بلجامِ ولو قرأت البيْت الأول ووقفت عند كلمة (عنه) وطلبت ممن يستمع إليك أن يكمل لقال: بسلام، وكذلك البيت الثاني الكلام، والبيت الرابع بلجامِ لا تصلح كلمات في محلها إلا هي وما لنا نذهب بعيداً والبيت الذي استشهدنا به من غناء أم كلثوم: سهر الشوق في العيون الجميلهْ حُلُم آثر الهوى أن يطيلهْ وغابت عن ذهني كلمة (يطيله) وخذلنيّ مستشاريَّ الفنيون واستنتجتها استنتاجاً لتلائم السياق وعند التأكد كان استنتاجي صحيحاً. وغفر الله لأم كلثوم فلولاها ما عرفنا جورج جرداق وإن كان يكتب في صحيفة كويتية ولا الهادي آدم وحتى هي شهرت رامي وشوقي على شهرتهما. وأذكر وأنا استمع لأغنية (هوّ صحيح الهوى غلاب) من كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد لأول مرة قالت: هوّ صحيح الهوى غلاب معرفش أنا والهجر قالوا مرار وعذاب واليوم.. وقبل أن تنطق الكلمة الأخيرة استنتجتها أنا وقلت (بِسَنه) قبل أن تقولها أم كلثوم وكان كما قلت. فائدة: قلنا (أميمة) تصغير أُم فعند تصغير اسم مؤنث لا ينتهي بعلامة التأنيث نضيف له تاء التأنيث (المربوطة) فنقول شُميسة (تصغير شمس) وهنيدة (تصغير هند) وعنيدّة (تصغير عنود). أينما تشبع الرغائب والرّغائب ج رغبة والأحسن رغبات وتكرار (هكذا) لا فائدة منه، فلا شيء غريب ليشير إليه مرتين (هكذا الثانية) توكيد لفظي. والبيت الرابع يريد أن يجعل الشاعر حكيماً، والضياع والدليل طباق. 5 - يا هواةَ البيانِ والواقُع المرُّ سهامٌ على صفاء الفضيلَهْ 6 - قد عرفنا المَعُوق لكن عرفنا أن إقصاءه خُطى مستحيلَهْ 7 - نحن ما بين قوة تغرس الصح وأخرى تجذُّ منه أصولهْ 8 - نحن نبني في ساعة فيلاقي ما بنينا ساعات هدم كفيلهْ 9 - ليس للخير غيرُ نزرٍ يسيرٍ في زحام الشرور نشكو أفولَهْ هواة البيان: والبيان الكلام، قال تعالى: { خَلَقَ الْإنسان، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } والبيان الظهور والفصاحة والبلاغة قال - صلى الله عليه وسلم - (إن من البيان لسحراً) وما عرفنا هواة البيان لكن أهله. والواقع المرّ سهمٌ وليس (سهامٌ) مبتدأ مفرد وخبره مفرد والواقع: الواو هذه واو الحال، قد عرفنا المعوق لكن عرفنا تعبير (خطأ) والصح عرفنا وعرفنا، أو عرفنا لكن ما عرفنا، الاستدراك لتصحيح ما قبله، إقصاءه خطى: الأحسن خطوة لأن المبتدأ مفرد والمَعُوق والمُعاق والمُعوّق صحيحة واستغنوا عنها بقولهم (أصحاب الحاجات الخاصة) كأن الأسوياء أصحاب حاجات عامة (ما هذا الكلام؟). تغرس الصح: والغرس للأشجار والزرع للحبوب (وغرس الصح) استعارة مكنية شبَّه الصح بالنبات وحذف المشبه به، أو الغرس استعارة تصريحية حيث شبه التعليم بالغرس فصرح بلفظ المشبه به. و(ما) (هنا حشو) ولا تزاد ما في أي مكان: أفيدكم يا قوم فائدَهْ ما بعد إذا زائدَهْ والبيتان الأخيران صياغة جديدة لقول القائل: متى يبلغ البنيان يوماً تمامهُ إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ؟ وكلمة كفيلة. أفضل منها (كافية) أما قول الشاعر: ليس للخير غير نزر يسيرٍ: مِمَّ؟ قصده أنه يوجد خير يسير وسيأفل في زحام الشرور: وأين الطفولة من كل ما قيل؟ 10 - كم قناةٍ قد خصصت للدنايا عكرت صافياً وبنتاً جميلهْ 11 - ومرب إلى الفضيلة يدعو ومرب يَزِين درب الرذيلهْ 12 - و قرينٍ يفوح طيباً بطيبٍ وقرينٍ بالكير يؤذي خليلَهْ 13 - وجوارٍ يرعى الجوار براعٍ وجوارٍ أعلَّ للطفل ليلهْ 14 - لو أردنا دربَ الفضيلة محضاً لبنينا بالحالِ سجن الطفولَهْ 15 - لو أردنا نفيَ البلادة طبعاً ما سقينا ولا زرعنا فسيلَهْ 16 - نحن من اقع يريد علاجاً وَسَطاً إنما نُزين الوسيله ويعدد الشاعر البلايا التي تترعرع فيها الطفولة: فالقنوات الفضائية خصصت للحقارات وعكّرتِ الصافي والبنت الجميلة هذا (كلام غير متسق،والأحسن: عكرت الصافي وأفسدت البنات الجميلات وغيرهن والأولاد حتى)، كم هذه خبرية تمييزها مجرور بالإضافة وهي تفيد الكثرة. ثم لفتة إلى المربين والمعلمين فبعضهم يدعو إلى الفضيلة (virtue) وبعضهم يُزين درب الرذيَلهْ (vice) وقرين يفوح طيباً وقرين يؤذي بالكير (موقد الحدّاد) خليله. والقرين.. قال الشاعر عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينهِ فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدي والطيب والكير كما في الحديث الشريف: مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيَك (يعطيك منه) أو تبتاع (تشتري) منه أو تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة خبيثة. والجار الذي يرعى جاره (براعٍ) كلمة لا داعي لها، وجار يؤذي الطفل ويسهره الليل بإزعاجه. (أشياء معروفة ولا إبداع ولا جديد) ثم يقرر مُسَلَّماتٍ: إذا أردنا درب الفضيلة محضاً فلنبعد الأطفال في سجن. والمحض: اللبن الصافي مثل الصريح وعكسه المذق: اللبن الممزوج بالماء، قال الشاهد النحوي: حتى إذا جَنَّ الظلامُ واختلَطْ جاءوا بِمَذْقٍ هل رأيت الذئب قط؟ وكان الشاعر قد نزل بقوم تركوه دون قِرى حتى إذا حل الظلام واشتد سواده جاءوه بمذق (لبن ممزوج بالماء) أشهب يشبه لون الذئب (واللبن المحض لونه أبيض ناصع). والبيت شاهد على ندرة مجيء جملة الصفة إنشائية ولا داعي لشرح أكثر.. جملة (هل رأيت الذئب قط الاستفهامية في محل جر صفة لمذق). لو أردنا نفي البلادة طبعاً ما سقينا ولا زرعنا فسيلَهْ والمنطق: ما زرعنا ولا سقينا: وقلنا الزرع للحبوب والغرس للشتلات. ثم دعوة إلى إصلاح الواقع: علاج وسط ممكن بتزيين الوسيلهَ: والمسلمون وسط والإسلام يحب الوسط وخير الأمور الوسط لكن كيف نزينها. وملاحظة: الشاعر شَكَلَ الياء بالضم (يُزين) والصحيح يَزين أو يُزَيّن قال تعالى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }، وقال علي الجارم رحمه الله: يا ابنتي إن أردت آية حسنٍ وجمالِ يَزين جسماً وعقلا فانبذي عادة التبرج نبذاً فجمال النفوس أحلى وأعلى 17 - أدب الطفل لو تحول مشفى لأشرنا بزود مَصْلِ الرجولَهْ 18 - وأشرنا إلى الكياسهَ حَقْناتٍ توالى إلى يرى الطفل طوله 19 - نحن في حاجة المؤدب لكن قَلَّ من يمدح المعاودَ كَيْلَهْ والمربي هنا طبيب أطفال أو (sister) يقدم التطعيم الثلاثي (السعال الديكي والدفتيريا والتيتانوس) وشلل الأطفال إضافة إلى مخترعَيْن جديدَيْن لعله يقدمهما إلى منظمة الصحة العالمية هما مصل الرجولة ومصل الكياسة ثم يقول: (قل من يمدح المعاود كيله) والكيلة الصاع 4 ربعات و60 صاعاً تساوى إردّبّاً فليشرح لنا ما يريد قوله. 20 - إنما لو أتيح للقلة السعي سنجني إن شاء ربي حقولهْ 21 - ديننا واضح فلو طُبّقَ الدينُ رأينا مثل النهار حُلولَهْ 22 - وكتبنا لمسرح الطفل آداباً تراعي نموه وفصوله وعلى الطريقة المصرية (إنما) ويقصد بها لكن لأن إنما للقصر والحصر قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }. لو أتيح للقلة السعي (مَن القلة وما السعي؟) والظاهر أن الشاعر فلاح لكثرة الزرع والغرس والحقول. ثم رأينا حلوله: حلول ماذا؟ ولا بد من أن يعود الضمير على اسم متقدم أصلاً أو تقديراً، ثم هو يريد المسرحيات التي تراعي نمو الطفل وفصوله (والفصول الدراسية بمعنى الصفوف المدرسية). سنجني، فسنجني (لابد من اقتران الفاء بجواب الشرط بعد السين وسوف). ويا شاعري: الشعر لمسات وهمسات وترانيم وموسيقى وخيال وعاطفة وشعر وشعور وليس أفكاراً محشوّة ومسلّماتٍ فرضية ومقدمات ونتائج حتمية، قال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي: (أنا وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري). وأبو تمام: حبيب بن أوس الطائي. قال شاعر في التورية: أصون أديم وجهي عن أناسٍ لقاء الموت عندهم الأديب وربّ الشعر عندهم بغيضٌ وإن وافي به لهمُ حبيبُ وهو (حبيب بن أوس أبو تمام) أما البحتري فهو أبو عبادة الوليد بن عبادة الطائي. نزار رفيق بشير/الرياض